هل سنضحك في مهرجان مراكش؟
أطلس توداي: لطيفة بجو
لقد تم تأجيل مهرجان مراكش للضحك لسنة 2023، وربما لن يلتئم نهائيا هذا الموسم. هذا المهرجان الكوميدي الذي يستضيف العديد من نجوم الكوميديا الفرنسية والمغربية والعالمية… فقد أعلنت شريكة المهرجان، القناة الفرنسية التي تبثه “M6″، و”بكل أسف” في بيان صحفي لها، عن تأجيل انعقاد الدورة الحالية “لأسباب لوجستية”، إذ سيعرف قصر البديع الذي يحتضن التظاهرة بعض أشغال الترميم.
هل نصدق أم لا نصدق هذا التبرير؟ بتعبير آخر، هل صحيح أن أشغال الترميم والصيانة هي السبب الحقيقي وراء عدم تنظيم واحد من أبرز المهرجانات التي تجذب منذ أزيد من عقد، فنانين وشخصيات فرنسية وعالمية، وجمهورا كبيرا من السياح والمغاربة؟ أم أنه الموقف الذي تبناه مقدم المهرجان وأحد مموليه، إلى جانب شركاء فرنسيين، خلال اللقاء الذي جمع المنتخبين المغربي والفرنسي في مونديال قطر، والذي كان قد أثار استياء كبيرا لدى الجمهور المغربي؟ لقد اعتبر البعض أنه يلعب على الحبلين، فشنوا حينها ضده حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بإلغاء مهرجان مراكش للضحك، وإلا فإنهم سيقاطعونه. أم أنه بسبب الشركاء الفرنسيين في هذا المهرجان؟ خصوصا وأن المغاربة أصبحت لديهم حساسية من كل منتج فرنسي بسبب خرجات فرنسا المعادية للمغرب في الآونة الأخيرة.
ربما إذن تم استباق الأحداث، فجاء قرار تأجيل التظاهرة تجنبا لمعارضة المغاربة لها. وستكون بذلك فرنسا هي السبب ولو بطريقة غير مباشرة، وردة فعل المغاربة كانت ستكون جد عادية اتجاه تصرفات فرنسا التي تحاول منذ سنوات إلحاق الأذى ببلادنا بكل الأشكال. لقد أصيبت فرنسا بالسعار منذ شرعت الرباط في التواجد بإفريقيا والاستثمار بها على جميع الأصعدة، وتنويع شركائها الاقتصاديين في إفريقيا جنوب الصحراء. لقد أصبحت ترى في المغرب المنافس الشرس لها والذي سيقضي على مصالحها هناك، إذا هي لم تتحرك بطريقة أو بأخرى.
منذ سنوات إذن، انطلقت العجلة الفرنسية التي تهدف إلى كسر المغرب والوقوف في وجه نموه. ولما لم تُجْد طرقها السرية نفعا، فقد غيرت تعاملها؛ بدأت بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمسافرين المغاربة، ثم أُقحم المغرب في قضية التجسس “بيكاسيس”، بعدها تدخل البرلمان الأوربي في شؤون المغرب الداخلية باعتماده نصا يحثه فيه على ضمان “حرية التعبير وحرية الإعلام وحقوق الإنسان”، بوازع من الفريق الفرنسي بالبرلمان، ونهاية بموقف فرنسا غير الواضح بشأن قضية وحدتنا الترابية، ناهيك عن الحملات الإعلامية والمضايقات القضائية.
على فرنسا أن تعي أن المغرب لم يعد يعتبرها الشريك الذي لا يجب التخلي عنه، وأن عليه الرضوخ لكل طلباتها، وهذه حقيقة يبدو أن الجميع قد فهمها، باستثناء فرنسا؛ ولعل تنويع المغرب لعلاقاته ولصداقاته الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية خير دليل على ذلك، بداية من توقيعه على الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ووصولا لنجاحه في جعل إسبانيا تغير موقفها بخصوص قضية الصحراء. ثم إن رفض فرنسا منح تأشيرة الدخول لسياسيين ورجال أعمال وفنانين مغاربة، ناهيك عن أنه كان تصرفا مدعاة للسخرية، فقد كانت نتيجته أنه أثار غضب المغاربة ورفضهم، أكثر من أي وقت مضى، لكل ما هو فرنسي، بداية من اللغة التي أصبح المغاربة يمقتونها ويسخرون من مستعمليها في الشارع، بل ويرغبون في إبعادها عن مجالي الإدارة والتعليم والاقتصاد… وتعويضها باللغة الانجليزية، على غرار ما قامت به بعض الدول الإفريقية، كرواندا.
إن فرنسا على علم بكل هذا، لأنه من المؤكد أنها تتوفر على شبكاتها الخاصة التي تفيدها بجديد ما يحدث في الشارع المغربي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وإمعانا في الخطأ، فقد نشر موقع المعهد الفرنسي مؤخرا إعلانا لأنشطته، ارتأى تسجيله بالدارجة المغربية، بدل العربية الفصحى. وهو الشيء الذي اعتبره البعض احتقارا للمغاربة وللغتهم الرسمية.
كانت آخر الخرجات التي تحاول من خلالها كل الجهات الفرنسية، الرسمية منها وغير الرسمية، المساس بمصالح المغرب، هو إقدام الشركة الفرنسية “لاكوست” على بتر أقاليم الصحراء المغربية من خريطة بلادنا في إحدى إعلاناتها، وهو الحدث الذي تلاه إطلاق المغاربة لهاشتاغ يدعو لمقاطعة كل منتجات هذه الشركة.
نتساءل مجددا في الختام: ألا يكون تأجيل دورة 2023 لمهرجان الضحك بمراكش، مجرد حجة من منظميه لحفظ ماء وجوههم، لأنهم فهموا أن المغاربة سيسلكون معهم نفس الطريقة التي أسلفنا، أي مقاطعة العروض الفرنسية لتُقدَّم أمام المدعوين الرسميين للتظاهرة فقط؟ وهي التظاهرة التي يراد لها أن تكون الأكبر في المنطقة، والتي يقبل عليها المغاربة كثيرا، حتى أنهم لا يترددون في دفع مبالغ مالية خيالية لحضور عروضها، بلغت خلال الدورة الماضية 5000 درهم في السوق السوداء.
فهل نعتبر إذن تأجيل مهرجان مراكش للضحك لسنة 2023، مظهرا آخر للجفاء والتوتر الذين تعرفهما العلاقات المغربية الفرنسية؟