آراء وأعمدة

هل تستطيع فرنسا تدبر أمورها بدون المغرب وإفريقيا والأفارقة؟

أطلس توداي: لطيفة بجو

فرنسا غاضبة، لأن المغرب لم يقبل أن تساعده في تجاوز فاجعة الزلزال الذي ضربه يوم الجمعة الماضي، وفي المقابل رحب بأربع دول فقط لدعم فرق الإغاثة المحلية. يتعلق الأمر بإسبانيا وبريطانيا العظمى وقطر والإمارات العربية المتحدة.
لكن، يبدو أن أصدقاءنا الفرنسيين لم يستحسنوا، أو بالأحرى، لم يتقبلوا تصرف المغرب، ولم يفهموا كيف أن “هذا البلد الصغير” كما قال عنه أحد أبنائهم، لم يقفز فرحا عندما عرضوا مساعدتهم. يقول المثل “مصائب قوم عند قوم فوائد”… لقد استغلت الصحافة الفرنسية فاجعة الزلزال بالمغرب لبث سمومها مجددا، وجندت كل أقلامها لسب المغرب وسلطاته والتقليل منه والتنقيص مما يقوم به لإنقاذ المنكوبين، من خلال نشر أخبار كاذبة ومقالات رديئة تمس بكرامة المغاربة، وتحاول تأليبهم وتحريضهم ضد بلدهم، وإقناعهم بأنه بالرغم منعجزه عن إنقاذ مواطنيه، فإنه يرفض الدعم الفرنسي ويدها الممدودة له. استعمل الإعلام الصور التي تبين أبناء المغرب المتطوعين وهم في طوابير للتبرع بالدم في مراكز تحاقن الدم، من أجل نشر أنباء زائفة من قبيل أن المغاربة “يموتون جوعا” وينادون “ساعدونا، نحن نموت في صمت” وأن الدولة تتجاهل استغاثتهم. خرجت إحدى قنواتها بعنوان جريء جدا: “هل يستطيع المغرب أن يتدبر أمره بدون فرنسا؟”. استعلاء وعجرفة ودناءة لا مثيل لهم، وحقارة صحافة نسيت أدنى أخلاقيات المهنة.

قد يتبادر إلى ذهن كل متتبع لوسائل الإعلام الفرنسية في الأيام الأخيرة، أننا لا زلنا في القرن الماضي وأن المغرب لا زال تحت الحماية الفرنسية، ومن أجل ذلك عليه الامتثال لأوامرها. إعلاميون وسياسيون ومتحدثون فرنسيون على بلاتوهات القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية يتساءلون ويحللون تصرف المغرب، ويستغربونه ويحاولون فهم موقفه وسبب رفضه للدعم الفرنسي.

على فرنسا أن تعلم أن المغرب لا يحتاج مساعدتها، وأنه لن يقبل ذلك أبدا على نفسه يوما، وأن بإمكانه تدبر أمره بوسائله الخاصة وموارده المالية والبشرية فقط. لقد أبان المغاربة منذ بداية أزمتهم أنهم أقوى مما يظن الآخرون، بفضل تعاونهم وتضامنهم مع بعضهم البعض في محنتهم هاته كما اعتادوا أن يتآزروا في الأفراح والمسرات. وفي حالة طُرح السؤال على المغاربة، فسيكون ردهم لا محالة أن “المساعدة الفرنسية غير مرحب بها، وأننا سننجح في الخروج من أزمتنا دون الحاجة لفرنسا المتغطرسة”.  نذَكر فرنسا أن المغرب يتمتع بخبرة طويلة في إدارة الأزمات، وأنه سبق له أن قدم الدعم لعدة دول بمناطق مختلفة من العالم وساندها في محنها إثر كوارث أصابتها. وهل نسيت أن المغرب تعامل مع أزمة كوفيد بشكل أفضل مما فعلت هي نفسها رغم كل أموالها وإمكانياتها، وخرج منها بخسائر أقل منها بكثير؟

إن البلدين على خلاف دبلوماسي منذ مدة، لكن المغرب يعرف جيدا كيف يتعامل مع كل ملف. فهو صاحب السيادة في قراراته، ويرفض النفاق الفرنسي وازدواجية المعايير التي تتبعها فرنسا. إنه يرفض موقفها غير الصريح بشأن قضيته الوطنية الأولى ودعمها لأعدائه. والآن أيضا، هو يرفض استغلالها للأحداث ولكارثة الزلزال من أجل تلميع صورتها في العالم وفي إفريقيا خصوصا، على حسابه. ثم لماذا لم تعبر أي من الدول الأخرى التي عرضت مساعداتها أيضا عن أي تذمر أو انزعاج، بالرغم من أن دعمها هي الأخرى لم يقبل؟

من الأفضل لفرنسا حاليا أن تهتم بمشاكلها الداخلية العديدة حتى تجد لها حلا، وأن تركز على قضاياها المهمة، بدلا من التدخل في شؤون الدول الأخرى، خصوصا وأن الأحداث الأخيرة بالنيجر وبعدة دول إفريقية ستؤثر عليها سلبا، إن سياسيا أو اقتصاديا. لقد أدرك المغرب نوايا فرنسا الحقيقية وراء اقتراحها مساعدته؛ فوجوده في إفريقيا كقوة اقتصادية إقليمية صاعدة تزعج مصالحها، لذلك فهي ترغب من خلال دعمه، توجيه رسالة إلى جميع الشعوب الإفريقية التي أصبحت “تتمرد” ضدها، وضد وجودها في بلدانها، وضد سيطرتها السياسية والاقتصادية عليها. إفريقيا ترفض تعامل فرنسا المتغطرس معها وكأنها “تمتلك” القارة بمن/وما فيها، واستغلالها لشعوبها وإفقارهم منذ عقود. ولو قبل المغرب عرضها، لاعتُبِر ذلك انتصارا جديدا لها، وكأنها تقول له وللأفارقة: «هل ترون؟ لا زلتم في حاجة لي ولمساعدتي!” وهي الفرصة التي لم ولن يمنحها إياها المغرب أبدا.

ختاما، أظن أننا نحن من علينا الآن طرح السؤال التالي: هل تستطيع فرنسا الاستمرار، وتدبر أمورها بدون المغرب وإفريقيا والأفارقة؟ لنتحلى فقط بقليل من الصبر، لأننا سنعرف الجواب في الأشهر أو السنوات القليلة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى