مونديال قطر وسياسة الجامعة الملكية ودبلوماسية كرة القدم المغربية.. سير سير سير
أطلس توداي : مراد بورجى
وضع يوم الأحد ليونيل ميسي حدًا لسطوة فرنسا ومحاولة رئيسها “الاستيلاء” على كأس العالم، بعد هزيمة بلاده أمام الأرجنتين.
وكان المغرب قد لعب السبت مباراة الترتيب، التي وضعته في المركز الرابع بمونديال قطر 2022، وبذلك أصبح المغرب يصُنف عالميًا في الرقم 11 ضمن لائحة كبار المنتخبات، وهو ما من شأنه الرفع من حصة افريقيا من حيث عدد المنتخبات المشاركة المؤهلة للنهائيات.
ورغم خروج المغرب من المونديال يوم واحد قبل نهايته، لم يحس المغاربة بوقع الهزيمة بقدر إحساسهم بالفخر والاعتزاز، اللذين غمرا كل بيت، لأنه لم يقبل مغربيٌ بما كتبه أسطورة كرة القدم كريستيانو رونالدو من أن انهزامه أمام أسود الأطلس، وانهزام بلاده البرتغال، بطلة أوروبا السابقة، أمام المغرب في مونديال قطر، كان مسألة قدر ليس إلاّ. كما لم يستسغ أحد ما قاله الإسبان من كون إقصاء الأسود للماتادور من المونديال هو ضربة حظ فقط..
هل يقبل عقل أن يكون حظا أو مفاجأة تأهل المغرب لنصف نهائي كأس العالم، كإنجاز تاريخي هو الأول من نوعه عربيا وإفريقيا، فيما غادرت مونديال قطر 2022 كل من البرازيل، الأوروغواي، كندا، فضلا عن بلجيكا، ولوكسمبورغ، وألمانيا، وهولندا؟!
هل منطقي أن يحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيًا مباراة المغرب-فرنسا، ويُجلس إلى جانبه رجل الأعمال السويسري جياني إنفانتينو (Gianni Infantino)، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، في غيبة عن ممثل المغرب، وفي “تغييب” لمحتضن المونديال أمير قطر الشيخ تميم؟
هل منطقي أن يَحرِم حَكمُ مباراة النصف النهائي، المكسيكي، “الذي غادرت بلاده المونديال”، المنتخب المغربي من ركلتي جزاء مُؤكدتين، دون العودة إلى تقنية “الفار”، التي اعتمدها كل حكام مونديال قطر في اتخاذ قراراتهم، ليتمكن هذا الحكم من التأكد من صحة ركلتي جزاء، وقد جرى هذا أمام أعين رئيس الفيفا وأعضاء مكتبه ولم يُحرك أحد منهم ساكنًا؟
إذن لما لا نجزم اليوم، بدورنا، أن الانتصار “القسري” للمنتخب الفرنسي على نظيره المغربي كان مخططا خبيثا، مدروسا بعناية فائقة، حيث اصطدمت الحسابات السياسية للدولة الفرنسية العميقة مع طموحات المغرب الكروية، في ظل استمرار تداعيات الأزمة الفرنسية المفتعلة مع المغرب، التي سببها الغاز الجزائري، والتي حاولت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا احتواءها بزيارتها للمغرب ولقائها بنظيرها ناصر بوريطة يومًا واحدًا بعد “فوز” بلادها على المغرب لإعلان نهايه الأزمة؟!
كيف لا نعتبر اليوم أن أوروبا قامت بأبشع عملية ابتزاز كروي في العالم من خلال التهديد بالنبش في تفاصيل وخلفيات احتضان قطر للمونديال إذا ما فاز المغرب على فرنسا في مباراة نصف نهائي كأس العالم، بعدما فاز المغرب على دول أخرى كبلجيكا، التي شنت شرطتها حملة مداهمات واعتقالات يوما واحدا قبل المباراة، وبالضبط يوم الثلاثاء 13 دجنبر 2022، أدت إلى إقالة نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي بتهمة تلقي رشوة من قطر…، كما انتصر الأسود على إسبانيا التي كانت استقبلت زعيم جبهة البوليساريو بجواز سفر جزائري مزور، فأخضعها المغرب بعد حرب باردة دامت سنة ونصف أدت لاعترافها بمغربية الصحراء، كما أبكى اللاعب يوسف النصيري، خرّيج أكاديمية محمد السادس، الدُون كريستيانو بعد هزم دولته البرتغال، فيما كانت أوروبا تتحسّر وهي تشهد، من جهة، كل يوم، إقصاء دولها من المونديال كألمانيا والدنمارك وصربيا وسويسرا وإنجلترا وبولندا…، وتراقب، من جهة أخرى، بصدمة وبذهول تأهّل المغرب لربع النهائي، وبعده للنصف، حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من المرور إلى النهائي؟!
كيف لا نصدق بدورنا اليوم تلك المنابر الإعلامية الأوروبية والأمريكية، التي زعمت أن دولا أوروبية “بزعامة” فرنسا التي كانت نائبتها الفرنسية مانون أوبري، وراء إقالة نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، وبذلك تكون البرلمانية الفرنسية قد أهدت ورقة استراتيجية مهمة لقصر الإليزيه للضغط على قطر وابتزازها عبر التهديد بالمُضي قدمًا في التحقيق في موضوع الرشوة، إذا ما فاز أسود الأطلس بالكأس..؟ أما الضغط على المغرب فما خفي كان أعظم؟!
إذا كان المغرب “خسر” أمام فرنسا، بهذه الشروط “المُذلة” لها ولباقي دول الاتحاد الأوروبي العشرين، فإننا نحن المغاربة نعتبر أن المغرب لعب أحسن، واستحوذ على الكرة أكثر، وأن انهزامه وهو ومحروم من ضربتي جزاء مؤكدتين، لا يغيّر شيئا من معطى جوهري، وهو أن الفريق الوطني المغربي هزم كبار المنتخبات الأوروبية.
ولذلك، وعودة إلى “قدر” رونالدو، فإن توالي التكافؤ والنصر في الخمس مباريات المتتالية التي أجراها أسود الأطلس، يؤكد أن الأمر لا علاقة له بالقدر ولا بالمفاجأة ولا حتى بالحظ، وإنما بمسألة مهمة رصدها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، حين علّل، في تقرير له، أن هذا التطور هو نتيجة “السياسة الرشيدة للجامعة الملكية لكرة القدم”، واعتبر أكاديمية محمد السادس لكرة القدم هي “سر تألق المغرب في مونديال قطر 2022”.. مما أهّل المنتخب المغربي ليكون أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى دور نصف النهائي، في تاريخ المونديال.
وإذا كانت أوروبا اليوم قد فعلت ما فعلته مع المنتخب المغربي للإطاحة به أمام الفريق الفرنسي، فإن بعض الدول من القارة الإفريقية، التي أضحت معدودة ومعروفة، وعلى رأسها الجارة الجزائر، سبق أن شنت حروبًا ضروسة على المغرب للحد من توسع دبلوماسيته في جميع المجالات، خصوصًا منها دعم كرة القدم المغربية، إلاّ أن السياسة الخارجية للملك محمد السادس وعودته القوية لإفريقيا، وجلوسه على مقعده في الاتحاد الإفريقي، رسميًّا يوم 30 يناير 2017، جعل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وبدعم من العمل الجبار لرجال الخفاء في جهاز المديرية العامة للدراسات والمستندات المعروف اختصارًا بـ”لادجيد”، أن تكون سباقة لصد تلك الحروب، ووضع حدٍّ لكثير من المواقف والممارسات، تماشيا مع نهج المغرب في الدفاع من داخل أروقة مختلف الاجتماعات على حقوق المغرب المشروعة ومصالحه الحيوية في كل المجالات، وفقا لتعليمات الجالس على العرش، التي تقتضي خوض المعارك أينما كانت، وألا يترك المجال أو الكرسي فارغا…
وهو ما جعل رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع يقتحم الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (كاف)، ويتقلد مجموعة من المناصب والمهام في العديد من الهيئات واللجان الكروية القارية والدولية، من بينها مهام النائب الثاني لرئيس “الكاف”، وصولا إلى آخر هذه المناصب بانتخاب لقجع عضوًا بمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، ممثلا عن قارة إفريقيا، وهو ما فسح للمغرب المجال للدفاع عن الكرة المغربية في المعتركين الإفريقي والدولي…
ولا أحد ينكر على لقجع، في هذا الصدد، أنه خاض ماراطونات من الاجتماعات والمبادرات والمسؤوليات حتى بات وجها لا مناص من وجوده في اتحادي كرة القدم الإفريقي (كاف) والدولي (فيفا)، وحتى أضحى يضرب الطاولة، بكل مسؤولية بإسم المغرب، وهو يعلن، لكل من يهمهم الأمر، أن “زمن الاحتكار والفساد الكروي، الذي هيمنت عليه بعض البلدان، وتمكنت بواسطته من الحصول على مجموعة من الألقاب، قد انتهى”.
هذه السياسة هي التي سجّلت الفارق في المعتركات القارية والدولية، وساهمت في هذه المسيرة الرياضية المُوفقة لأسود الأطلس اليوم في مونديال 2022، مسيرة عرفت كيف تستدرك هزائمها وانكساراتها قبل حوالي عشرين سنة، وكانت الانطلاقة بالخطوة النوعية، التي سجلها الملك سنة 2007، بإطلاق “أكاديمية محمد السادس لكرة القدم”، التي باتت اليوم، بعد 15 سنة من العمل، منجما ذهبيا لتخريج جيل جديد من الأسود باتوا يشكّلون النواة الصلبة للمنتخب المغربي، وهو ما ظهرت إرهاصاته الأولى في مونديال روسيا 2018، لتبلغ ذروتها اليوم بالوصول إلى المربع الذهبي لمونديال قطر 2022.
وهذا المسار التطوري النوعي هو ما انتبه إليه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في تقريره المذكور أعلاه، الذي نشره موقعه الرسمي، الأسبوع الماضي، والذي أكد فيه أن “العديد من اللاعبين من خريجي أكاديمية محمد السادس لكرة القدم قادوا المغرب إلى هذا الإنجاز، أبرزهم عز الدين أوناحي ويوسف النصيري ونايف أكرد”. قبل أن يخلص التقرير إلى القول إن “المغرب أبهر العالم في قطر 2022. ولكن ذلك لم يكن أبدا وليد الصدفة، بل نتاج عمل وتخطيط مستمر منذ عقد من الزمن تقريبا.. والمؤكد هو أن المستقبل سيحمل الأفضل، خاصة مع انتقال المزيد من اللاعبين الشباب إلى الأندية الأوروبية خلال العامين الأخيرين”…
هذا جزء من “أسرار” الإنجاز المغربي، وهو عامل أساسي، تظافرت معه عوامل أخرى، من ضمنها الناخب الوطني وليد الركراكي ودوره المتميز في قيادة الأسود، فقد نجح “راس لافوكا”، كما يطلق على نفسه، في تمتين اللحمة بين أعضاء المنتخب المغربي، من خلال بناء علاقات سليمة ومتقدمة ومنفتحة ومفتوحة مع وبين اللاعبين، وإذكاء الروح القتالية من أجل رفع راية الوطن، وهو ما جسّده “وليدات الركراكي” بكثير من الامتياز والاستحقاق والجدارة، والدليل أن أسود المغرب وصلوا إلى نصف النهائي، ولعبوا بتفانٍ في مواجهة ديكة فرنسا أمام أعين العالم، التي شهدت ظلم التحكيم، وتخويف المنظمين…
في هذا المسار، هناك عامل آخر في وصول الأسود إلى المربّع الذهبي.. يتمثّل في “الأرض”.. لقد كان من حسن حظ المغاربة والعرب والأفارقة أن دورة المونديال الحالية تستضيفها دولة عربية لأول مرة في تاريخ كأس العالم، وبالذات دولة قطر، التي ترتبط قيادتها بالعائلة الملكية بأواصر متينة، لقد أصبحت صورة القيادة القطرية لدى المغاربة مصبوغة بكثير من الحميمية والامتنان والعرفان، فقد ظل أمير قطر، وأسرته الصغيرة، وكل القطريين، يجهرون بمناصرة المغرب، ويعلنون فرحهم عاليا مع كل انتصار للأسود، ويحملون العلم المغربي…
إذ لو أن هذا المونديال استضافه بلد أوروبي، ما كان سيسمح بحضور ذاك العدد الهائل من المشجعين المغاربة والأفارقة والعرب، إذ بالتأكيد سيفتعلون شتى العراقيل، لكن استضافة قطر أعطت للحضور المغربي نكهة أخرى، فيها الثقة والتشجيع، ليساهم الجميع في إعطاء صورة للعالم أجمع عن مغرب قوي خارج تلك المزاعم المسوّقة والأحكام المسبقة…، مغرب اقتحم مربّع الكبار، وغيّر معادلات اللعبة، ومعها معادلات قوة إقليمية ناهضة، تتجسد اليوم في شخص المدرب وليد الرگراگي، الذي رفع المشعل عاليًا، ولابد له أن يُبقيه عاليًا، وأن يعلم أن المسؤولين أمامه، والجمهور وراءه، ويجب أن يكون لمونديال قطر ما بعده، وأنه هو و”وليداتو” ليس لهم سوى النصر، والنصر، ثم النصر. سير سير سير…