من يحمي الفنان المغربي ومن ينتشل القامات الفنية من التهميش
أطلس توداي : لطيفة بجو
توفيت قبل يومين الفنانة المغربية المعروفة خديجة أسد، عن عمر يناهز 70 عاما، وقبلها بأسابيع غادرنا الفنان عبد الرحيم التونسي وقبله نور الدين بكر، وغيرهم كثر ممن أمتعوا المشاهد المغربي بأعمالهم الكوميدية والدرامية. ندعو لهم بالرحمة والمغفرة جميعا.
إنهم فنانون وهبوا الكثير للساحة الفنية ببلادنا، منهم رواد وعمالقة بمسيرات فنية تعدت الأربعين سنة، قدموا خلالها عشرات الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية تشهد لهم بقدراتهم وكفاءتهم والتي استطاعوا بواسطتها صنع الابتسامة في وجوه المغاربة.
غير أن ما يحز في النفس هو أن أغلب هؤلاء الفنانين لا يجدون في أيامهم الأخيرة من يمد لهم يد العون ويدخل ولو القليل من البهجة والسرور إلى قلوبهم وحياتهم، كما فعلوا هم مع المُشاهد عندما كانوا يستطيعون ذلك. لا جهة تهتم لحالهم ولا من يرد لهم الاعتبار، قبل أن يغادرونا إلى دار البقاء. فيبقون بعيدين عن الأنظار ويغيبون عن الساحة الفنية، فيسدل الستار عنهم دون حتى أن يسمع خبر وفاتهم أحيانا.
للأسف، هذه وضعية العديد من الفنانين المغاربة الذين يعيشون في طي النسيان والإهمال وفي هشاشة مادية ومعنوية ويعانون من المرض والفقر أيضا، خصوصا عندما يتقدمون في العمر، لأن أغلبهم لا يستفيدون من تغطية اجتماعية وصحية تحميهم. فبين الفينة والأخرى تتحدث وسائل الإعلام والاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي عن حالات لفنانين لم يعد باستطاعتهم العمل لأن المرض أنهكهم، وبالتالي أصبحوا يعيشون حالة مزرية، ومنهم من وجد نفسه دون سقف يأويه. لهذا الغرض، يدافع الفنانون عن قانون يحمي مصالحهم ويضمن لهم ولو الحد الأدنى من العيش الكريم، بتغطية صحية واجتماعية ومعاش يقيهم الفاقة في أرذل العمر.
وللإشارة، فإن النسخة الأولى للقانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية ببلادنا تعود لعشرين عاما مضت عندما تم تكليف الكاتب والشاعر محمد الأشعري بحقيبة وزارة الثقافة آنذاك. توسمت هذه الفئة من المواطنين خيرا لأن الوزير يشتغل في نفس مجالهم، ليبدأ الحديث عن تحسين الأوضاع الاجتماعية والمادية للفنان المغربي وضرورة الاعتراف بالفن كمهنة وكذا استفادة الفنان من التغطية الصحية والاجتماعية. بعد ذلك سيتم تأسيس ما سمي بالائتلاف المغربي للثقافة والفنون، الذي جمع عدة منظمات ونقابات فنية مغربية، والذي ستوكل إليه مهمة السهر على تحقيق هذه المطالب. لم تأت النسخة الثانية من هذا القانون التي كانت سنة 2016 بأي جديد، بل حتى بطاقة الفنان التي استفاد منها بعض الفنانين فقط، بقيت هي الأخرى بدون جدوى، على حد قول بعض الفنانين أنفسهم. ولا زالت النقاشات حول هذا القانون جارية.
منذ عام، تحدث وزير الاتصال والثقافة والشبابعن اشتغال قطاع الثقافة على إحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية لفائدة أزيد من 9 آلاف فنان وتقني مغربي، مقابل مساهمة شهرية. يروم المشروع مساعدة هذه الشريحة من المجتمع مستقبلا على التغلب على كل المشاكل التي تزيد وضعهم تأزما، ولتوفر لهم خدمات شاملة، بالإضافة إلى الرعاية الصحية. وستحل هذه المؤسسة الجديدة محل التعاضدية الوطنية للفنانين الموجودة منذ عام 2008، والتي لم ينضم إليها جميع الفنانين، بسبب عدم قدرة بعضهم على أداء واجبات الانخراط لأنهم لا يتوفرون على مداخيل قارة.
يشكو الكثيرون من غياب أي اهتمام معنوي تقديرا لعطائهم وإبداعهم. كما يعاني المجالان الفني والثقافي ببلادنا من مشاكل مختلفة ويعرفان العديد من الإكراهات التي يجب التغلب عليها حتى يصبحان صناعة قائمة بذاتها تساعد هي الأخرى في جلب الاستثمارات وتساهم في الاقتصاد الوطني… وفي انتظار الجديد من طرف الجهات المسؤولة المطالَبة بالتدخل لتغيير هذا الوضع، ستستمر معاناة الفنان في بلادنا في صمت، بينما سيفكر الكثيرون منهم في مغادرة المغرب والاستقرار في دول أخرى بحثا عن آفاق جديدة ولضمان عيش كريم في ظل ظروف اجتماعية أفضل.