بانوراما

مكان المرأة هو المطبخ !

أطلس توداي : لطيفة بجو

لقد أصبح مألوفا لدينا تفوق الفتيات على الذكور في نتائج الامتحانات الإشهادية، كما اعتدنا تفوقهن الواضح بمختلف المستويات الدراسية. فلا عجب إذن أن نرى أن نسبة نجاح الإناث في مباراة التعليم بالتعاقد قد بلغت هذه السنة أيضا 86% مقابل 14% فقط للذكور. وهو الشيء الذي دفع بالبعض إلى الدعوة إلى دق ناقوس الخطر؛  فيبدو أن نسبة نجاح الذكور في تراجع مستمر منذ سنوات وأن الوضع يستفحل سنة بعد أخرى.

بقدر ما يفرح المرء لهذا النجاح المبهر -وأكيد- المستحق أيضا، بقدر ما يحز في نفسه رؤية ردود الفعل والتعليقات السلبية الكثيرة حول نتائج المباراة.

من الواضح إذن أن كل من تحدثوا سلبا يجهلون كَمّ المعاناة التي تتكبدها الفتيات لتحقيق التفوق في دراستهن. إنهم لا يعلمون كمْ يتطلب ذلك منهن من تضحيات وانضباط وجدية وتركيز وصبر. وقبل كل ذلك، كم هي كبيرة رغبتهن أيضا في النجاح وولوج كبريات المدارس والمعاهد العليا، على غرار زملائهن من الذكور. لعل المعلقين تجاهلوا أو نسوا أيضا أن مجتمعنا لا زال تقليديا؛ ففي الوقت الذي يدرس فيه الصبي لتحضير امتحاناته أو يستمتع بوقته، ترغم الفتاة على المساعدة في الأشغال المنزلية أو الاهتمام بإخوتها الصغار. فهي تُعامل وتربى منذ نعومة أظافرها بطريقة مختلفة عن أخيها.  وَكَم مرة يقال لها:” أنت غي بنت”!. هذه كلها أسباب تجعل الفتاة قوية وتصمم على النجاح أكثر من الصبي، وهو ما يحثها أيضا على مضاعفة الجهد حتى لا يُحط من قيمتها وحتى تحرز التفوق والنجاح اللذين تنشدهما.

تكبر هذه الفتاة وتكبر بداخلها رغبتها في التحدي.  نعم ! تحدي هذا المجتمع وأفكاره النمطية،  وتأكيد ذكائها وقدرتها على النجاح والتفوق كما يتفوق الرجل، وإثبات ذاتها داخل مجتمع ذكوري بامتياز. إنها تشعر بأن المجتمع لا ينظر إليها “كإنسان كامل” إلا إذا كانت متفوقة واستطاعت الترقي في السلم الاجتماعي؛ ولعل أكبر دليل على ذلك هو طريقة تعامل هذا المجتمع مع فتاة لم تكمل دراستها، وأخرى تفوقت وتوفقت في الحصول على وظيفة وأصبحت لها مكانة اجتماعية. يكفي أيضا ملاحظة تعامل الجميع وحديثهم عن كل من حققت إنجازا أو تم تعيينها في أحد مراكز القرار بالبلاد. فلماذا لا  يتعامل المجتمع مع نجاحات الرجال بنفس هاته الطريقة، بل يعتبرون ذلك أمرا طبيعيا؟

هذا عندما يتعلق الأمر بالدراسة، أما في مجال الشغل وسوق العمل،  فالفتاة تبذل مجهودات أكبر من زميلها بهدف إثبات ذاتها وكفاءاتها، مقابل أجر أقل من الرجل في القطاع الخاص. يرافقها إحساس بعدم اعتراف الآخرين بنجاحها خصوصا عندما يقابلها البعض بأنه كان من محض الصدفة فقط أو أنها استعملت لتحقيقه أساليب “ملتوية” مرتبطة بكونها أنثى، ويصرحون أنه لم يكن أبدا نتيجة عمل دؤوب واستماتة. الكثيرات منهن يقدمن تضحيات وهن أمل أن يقتنع الآخرون -الذكور- بأن باستطاعتهن تحمل نفس مسؤوليات الرجل، والنجاح في ما فشل هو فيه. ولا داعي لإعطاء أمثلة أو تقديم نماذج لنساء وفتيات نجحن في ميادين كانت إلى عهد قريب حكرا على الرجال، بل ولم يخطر ببال أحد أن الجنس الناعم سيغزو هذه المجالات. لا زلنا للأسف نعيش بين أحضان مجتمع لا يعترف للمرأة بقدراتها وكفاءاتها. فقد شكك العديد -من الذكور طبعا- في نتائج مباراة التعليم، وأشاروا دون تقديم أي أدلة أن تفوق الفتيات لا يعدو أن يكون خطة لردع الشباب الذكور وإجبارهم على القبول بالتعاقد. ومنهم أيضا من انبثقت عبقريته عن فكرة أن هذا التفوق ما هو إلا بداية لإنهاء عمل الذكور بمجال التعليم. لكنني شخصيا، أرى أنها ليست إلا تبريرات واهية، بل وطريقة ملتوية لإهانة المرأة بطريقة مختلفـة ومبتكرة، بدل القـولة الشهـيرة: ” مكان المرأة هو المطبخ”، وهذا بحد ذاته ليس عيبا. 

2
1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى