آراء وأعمدة

مطلوب القبض عليها

الإعلامي والكاتب العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج اسماعيل

كان صديقي وزوجته وابتتاه التوأم ذاتا السبعة عشر ربيعا في رحلة داخل بلده عندما أوقفه حاجز شرطة على أحد المداخل النائية.
طلب منه أحدهم بطاقات هويتهم ورخصتي السواقة والسيارة، والتوقف جانبا.
بعد أكثر من نصف ساعة جاء من يسأل عن ورقة إنهاء قضية الزوجة، وهي بالمناسبة تعدت الخمسين، ربة بيت لا تغادره إلا في العطلات مع زوجها، لم تعمل في أي وظيفة.
أي قضية؟.. سأل الرجل وزوجته في وقت واحد؟!
جاءت الإجابة حاسمة لا تقبل أي مناقشة من رئيس الكمين، حيث فتح هاتفه المحمول على صورة لقضية جنحة “عدم تنفيذ التعليمات” في مدينة لم يسبق للسيدة زيارتها، أو سمعت عنها أصلا.
المسافة بين موقع الكمين وهذه المدينة تزيد على 12 ساعة بالسيارة في أحسن الأحوال، وكلاهما في محيطين جغرافيين متباعدين على جوجل ماب.
كان الوقت قبل الغروب بقليل. الضابط المسؤول قال إنه سيحتجزها في مكانها للعرض على النيابة في اليوم التالي التي تقرر ما إذا كان هذا تشابه اسماء، وهو أمر ما يزال شائعا، رغم التقدم الكبير في تقنية تسجيل بيانات المواطنين وترقيمها باستخدام التقنيات الحديثة التي لم تقلل من أخطاء الكمبيوتر.
في الشتاء القارس والمكان النائي، لا سبيل لإبقاء إمرأة كبيرة السن مريضة في أجواء مكشوفة شبه محتجزة بجريمة لم تحدث أصلا وباتهام تشابه اسماء ليست مسؤولة عن أخطائه بواسطة الكمبيوتر الذي هو آلة صماء بلا روح، تعرض النتائج وفق ما تغذى به من معلومات.
استمر الجدل طويلا بين الجانبين. لكل منهما حجته المعتبرة، فالضابط ينفذ القانون حرفيا، وأمامه مستند كمبيوتري يؤكد له أن أمامه متهمة ولا يمكنه التساهل، والنيابة وحدها هي المختصة بتأكيد أو نفي صحة ذلك المستند.
والجانب الآخر يدفع بعدم جواز احتجاز شخص في طريق السفر لمجرد الاشتباه، خصوصا أن بيانات هويتها وهوية الزوج وبقية الأسرة وعلو مكانتهم الاجتماعية، أمور تدفع لاستخدام روح القانون وليس عيونه المعصوبة.
انتهى الأمر بسلام بعد جدال استمر وقتا طويلا تخلله بعض النرفزة والعصبية. لا يعرف صديقي كيفية انتهائه وإنصرافه مع أسرته.
شخصيا تعرضت مرارا لمثل تلك المطبات في رحلات خارجية وانتهت الأمور سريعا بروح القانون، وهو شيء يتدرب عليه العاملون في منافذ حساسة كالموانئ والمطارات والحدود، ومن باب أولى أن يتدرب عليه من يتولى العمل في الأكمنة في ظل تزويدها بحواسب تراجع بيانات هويات المارين بها، أو على الأقل تزود بوسائل كشف التشابه وتعمل على مدار الساعة وليس بقرارات قضائية تعني للمتشابه في اسمه الانتظار في أماكن نائية أو بعيدة لليوم التالي أو ترحيله للمدينة التي بها القضية المتشابه فيها، ما يعني أنه سيجري ترحيله مقبوضا عليه مئات الكيلو مترات أو أكثر، وقد يستغرق ذلك أياما، ثم تكون النتيجة أنه ليس الشخص المقصود!
على جسر الملك فهد بين البحرين والسعودية، عبرت بسيارتي مع زوجتي وأولادي في طريقنا للعمرة بمجرد استلامي لجوازات سفرنا وعليها تأشيرات العمرة، ولم أراجعها.
ضابط الجوازات السعودي اكتشف غلطة في الاسم بتأشيرة زوجتي لا يمكنها بها الدخول.
كان من السهل وغير الشاق إعادتنا لأن منزلنا في المنامة لا يبعد كثيرا، ويمكننا تصحيح التأشيرة والعودة، ولكن الضابط المسؤول اتخذ قرارا على مسؤوليته الشخصية، وذيله أسفل ختم الدخول قائلا لزملائه: الغلطة مسؤولية القنصلية وليس “الحرمة” التي نوت وأحرمت واستعدت لأن تؤدي العمرة بعد ساعات..
وعبرنا إلى مدينة الخبر في الجانب السعودي بروح القانون ولم تمنعنا عيونه المعصوبة سوى على حروفه المكتوبة.
ليست هذه هي المرة الأولى مما يدل على أنهم مدربون جيدا وبعناية على استخدام روح القانون.
كنت أقيم في جدة عندما جاءني أخي مصطحبا أمي رحمها الله لأداء العمرة وقضاء أسبوع عندي. انتظرتهما طويلا في طابور المستقبلين بمطار الملك عبدالعزيز، حتى خروج آخر شخص من الطائرة نفسها القادمة من الأقصر.
ثم جاء من يناديني واصطحبني إلى أمي التي أخذت ختم الدخول، أما أخي فسيذهب إلى الحجز لأن جوازه الذي أخذ عليه تأشيرة العمرة منتهي من قبل تاريخ تلك التأشيرة.
إنها غلطة القنصلية أيضا، وغلطته هو قبل الذهاب إلى القنصلية لأنه لم يكتشف أنه قدم لها جوازه المنتهي وليس الجديد.
في مطار الأقصر سمحوا له بالسفر مع تحذيره بأنهم قد يرفضون دخوله ويعيدونه.
في مطار جدة أصر أحدهم على احتجازه لحين إعادته على أول رحلة، لكن دعاء أمه التي كانت تبكي هيأ له ضابطا برتبة أكبر، وبدل أن ينهال على أخي بالتأنيب شأن سابقه، وجه حديثا صارما لزميله مع توجيهه بوضع خاتم الدخول على التأشيرة في الجواز المنتهي وتذييلها بعبارة “مرفق به الجواز الجديد”.. وهكذا دخل بسلام.
على الحدود بين مقدونيا وبلغاريا أنزلوني من الباص القادم من مقدونيا إلى اسطنبول التي غادرتها بالطائرة قبل أسبوع إلى العاصمة المقدونية “سكوبيا”، ولما لم أجد حجز طيران لعودتي، قررت استقلال الباص مرورا ببلغاريا، ونسيت أن اختم جوازي من قنصليتها في سكوبيا بتأشيرة ترانزيت أو مرور.
كان يجب إعادتي وترك الباص يمضي ببقية ركابه.
لكن رئيس الجوازات وهو يتأسف لي على الإجراء القانوني لمح كلمة “صحفي” في بيانات الجواز فسألني عن مهنتي ومكان عملي، وكأنه يختبر معلوماتي سألني عن د.بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، ثم نادى على الضابط وطلب منه ختم الجواز للمرور خلال 24 ساعة. وقال لي مودعا بلطف كبير: استخدمت روح القانون لأنك صحفي، رغم أنه يفترض دخولك بتأشيرة مسبقة.
مطبات مثل هذه تواجهنا مرارا.. ما بين تشابه الأسماء إلى أخطاء التأشيرات أو أخطاء الذين كتبوا شهادات ميلادنا الورقية قبل ميكنتها. فمثلا اسم جدي “يس” كتب في شهادة الميلاد وفي بطاقات الهوية وفي شهادات التخرج “يسن”.. وواجهتني مشكلة كتابته أحيانا “يس” في تأشيرات عملي في بعض دول الخليج.
وكنت أجد في البداية صعوبة في السفر من مصر بتلك التأشيرات.
في المنامة وأنا استخرج رخصة القيادة أو السواقة، رفض المختص لأن جواز سفري باسم الجد “يسن” وبطاقة الهوية البحرينية باسم الجد المكتوب في تأشيرة العمل “يس”.
ولما ذهبت إلى رئيس التراخيص، استدعى الضابط وسأله “هل قرأت سورة يس”؟!
وعندما استغرب السؤال شرح له بأن هذه حروف افتتاحية في القرآن الكريم، يصح معها كل أشكال كتابة “يس” كاسم لشخص، كأن يكتب ياسين ويسين ويسن ويس.
وبهذا التفسير القرآني اللغوي حصلت على الرخصة، وإلى الآن لم أفهم ذلك المخرج البارع الذي أتى له، ومستحيل أن من كتب شهادة ميلادي باسم “يسن” بالقلم الكوبيا في العصور السحيقة، كان يفهمه أيضا!
رحم الله هذا الموظف الذي عرفت في وقت متأخر أن اسمه “عبدالباسط مغازي” من السجل المدني في مركز قوص عندما كانت قريتنا إداريا تابعة له.
قابلته لاحقا في جريدة “الجمهورية” بالقاهرة التي عمل بها مندوب إعلانات.. ولما عاتبته علق مازحا: أبوك شيخ البلد لم يناقشني، فتأتي أنت أيها “الفسل” لتفعل بعد عشرات السنين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى