تحقيق

مستودع الأموات الرحمة… طقوس التشريح .. ومن هم  الجثث “إكس بن إكس “؟

  تفاصيل زيارة خاصة لمكان يعبق برائحة الموت والألغاز

أطلس توداي : كوثر بن العيفر

في مكان بعيد نوعا ما عن الأحياء السكنية وتفصله مسافة قصيرة عن مقبرة الرحمة، تتواجد مصلحة الطب الشرعي، هذا الفضاء الذي أسس منذ سنوات قليلة ليغير الصورة النمطية التي كان المغاربة يحملونها عن مصلحة التشريح السابقة بعين الشق، ويثبت بالدليل القاطع على أن لعالم الموتى حرمات لا يسمح لأحد بالتطاول عليها.

مكان تدخله الجثث الحاملة لأسرار تظل لغزا أمام محققي الشرطة القضائية إلى أن تفك الدكتورة فريدة توشتى المتخصصة في التشريح ألغازها بمشرطها، وتنجز تقريرا يبني عليه المحققون مساطرهم القانونية لفك ألغاز جرائم

 .كانت ستظل مبهمة لولا ذلك

 عالم الموتى..هدوء ورهبة

لا يمكن أن تدخل هذه المصلحة دونما أن تشعر برهبة المكان، فبمجرد أن تطأ قدمك الباب الرئيسي، الذي توجد خلفه قاعة كبرى لاستقبال ذوي الموتى الذين يؤخذون إلى هذا المكان بأمر من وكيل الملك، يحس المرء برودة رهيبة، وكأن جنبات الفضاء تعبق برائحة الموت.

لا مجال للابتسام أو الفرح..كل من يدخل المصلحة يحمل ألما كبيرا ودموعا يغالب نزولها على الخدين

تتفرع عن القاعة الكبرى قاعات أخرى إحداها مخصصة لأرشيف يعود إلى أربعين سنة خلت، فيما الأخرى لمكاتب الموظفين ومسجد صغير.

هذه القاعة الأخرى تأخذك إلى قاعة كبرى لتجهيز الموتى الأجانب في توابيت خاصة وتحمل إشارات لدياناتهم، حيث تحترم خصوصيات كل ديانة، ويتم التعامل مع كل جثة حسب الأعراف التي تنص عليها ديانتها.

وعلى يمين هذه القاعة، هناك ممر يقودك إلى قاعة التشريح، المكان الذي تقضي فيه الدكتورة فريدة معظم وقتها، لتفك ألغاز الجثث التي ترد عليها، قبل أن يتم .”توجيهها إلى مكان مخصص لـ”تغسيل الجثث

 طقوس التشريح

كل العاملين في هذه المصلحة، يحاولون التأقلم مع واقع كونهم يعيشون قريبين من الموتى والموت يوميا، فالكل يستحضر الكوابيس التي تلاحقه في المنام، والتي تضم المناظر المؤلمة التي يمكن أن تكون عليها الجثث والتشوهات الصادمة التي تصيبها من جراء الحوادث أو القتل والتمثيل بالجثث

وعلى الرغم من ذلك، فإنهم مقتنعون، وخاصة “الغسالون” بأنهم يؤدون مهنة نبيلة، ويتوجب عليهم احترام حرمات الجثث، والتعامل معها بحذر، إيمانا منهم بأن “الموتى يحسون”، وأنهم إذا لم يقوموا بعملهم على أكمل وجه فإنهم سيحاسبون من الخالق سبحانه وتعالى

 مصلحة واحدة لكل البيضاويين

من أهم مميزات هذه المصلحة أنها ذات طاقة استيعابية كبرى تصل إلى أزيد 660 جثة، فبالإضافة إلى الثلاجات المخصصة للجثث المشرحة، هناك أيضا غرفة بداخل المصلحة ذات مساحة شاسعة، والتي تسمى غرفة الطوارئ أو الحوادث الاستثنائية، وتضم 4 ثلاجات كبرى مساحتها أربع أمتار مكعبة، بالإضافة إلى أن درجة حرارتها أقل من 06 درجة تحت الصفر، كما يمكن أن توضع بها أيضا

الجثث المجهولة، لأن برودتها تسمح بالاحتفاظ بها مدة طويلة لتسهيل عملية التعرف عليها

 الجثث بلغة الأرقام

نظرا لكونها المصحة الوحيدة التي تغطي جميع قطاعات الدار البيضاء، فإن أعداد الجثث الوافدة عليها كثيرة جدا، وحسب تصريحات العاملين بها، فإن المعدل الشهري للحالات المتوافدة على المصلحة 650 حالة، أي ما يزيد

 عن 6600 جثة مشرحة في السنة.

وتتوزع أنواع الجثث التي تستقبلها المصلحة بين جثث عادية مثلا تلك التي يتوفى أصحابها بمجرد وصولهم إلى المشفى، أو الجثث التي يتوفى أصحابها مثلا وحيدين داخل منازلهم، حيث تكون الوفاة عادية ويتوجب فقط التأكد من ذلك، وهناك بطبيعة الحال الجثث التي تحمل ألغازا كبرى يتوجب كشفها، وتكون إما تكون بسبب جرائم قتل أو الانتحار أو حوادث الشغل والسير أو التسمم.

ويرى العاملون في المصلحة أن التشريح ضروري جدا، ويتوجب على المغاربة تجاوز المعتقد الخاطئ الذي يراه تشويها للجثث، لأن اكتشاف الأسباب الحقيقية للوفاة، والتوصل إلى الجناة هو أكثر عدلا.

 الجثث المجهولة الهوية

لا تستقبل المصلحة فقط الجثث المحددة الهوية، وإنما حتى الجثث المجهولة التي يتم العثور وكمثال على ذلك جثث المشردين والأشخاص الذين لا يتوصل إلى هويتهم، ولا  يسأل عنهم أحد.

هذه الفئة من الجثة التي يطلق عليها اسم “إكس بن إكس” يتم إخضاعها للتشريح ومن ثمة الاحتفاظ بها لمدة تتراوح مابين 0و7 أشهر إلى أن يصدر الوكيل العام للملك أمرا بدفنها بمقبرة الرحمة في مكان مخصص فقط لمجهولي الهوية

وفيما يخص الأكفان التي يوضع بها هؤلاء المجهولو الهوية فإنها عبارة عن صدقات للمحسنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى