رياضة

محمد الجامعي الأب الروحي لكرة القدم داخل الصالات في المغرب

‎قصة رجل جعل من كرة القدم المصغرة قضية، ناضل من أجل نشأتها وبقائها وخاض غمار السياسة من أجلها ودخل السجون بسببها وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنشر دعوتها.

‎يعرف في مدينة القنيطرة المغربية الراقدة على نهر سبو بلقب “النهيضة” وهو تصغير للنهضة القنيطرية، الفريق الثاني للمدينة، لقد عشق هذا الفريق وتعاطف معه بعد صعوده لقسم الكبار، كان فريقا مقهورا يعيش في ظل فريق المدينة الأول النادي القنيطري. كان الفتى الجامعي يتابع مباريات فريقه حتى خارج المدينة، وحين يعود مساء يقصده الناس، ليسألونه عن تفاصيل المباراة والنتيجة يتحلقون حوله وهو ينقل وقائعها، ومنذ تلك الفترة عرف بلقب “النهيضة” أي الفتى الصغير العاشق للنهضة القنيطرية.

‎أول خيوط هذه حكاية عشق الكرة المصغرة بدأت من ميناء القنيطرة، حيث رست باخرة تجارية أجنبية وشرع طاقمها في ممارسة لعبة كرة القدم المصغرة جنبات الميناء، ولأن الجامعي كان لاعبا سابقا في النادي القنيطري وله ميولات للكرة، فقد شارك الأجانب اللعبة إلى أن طلبوا منه مساعدتهم على خوض مباراة مع فريق من القنيطرة، هيأ مجموعة من اللاعبين وخاضوا المباراة لأول مرة في نوع رياضي أشبه بلعبة كرة مصغرة. هذه اللعبة الجديدة استهوت شباب القنيطرة، فعمل الجامعي على نشرها وكانت النواة الأولى لتأسيس فريق رسمي سيحمل اسم أجاكس القنيطري، تيمنا بأجاكس الهولندي الذي كان نجمه يملأ الآفاق. حصل هذا مع بداية السبعينات لم تكن في المدينة قاعة مغطاة.

‎عندما تأسس فريق أجاكس، لم يكن في المغرب جهاز تأطير خاص بكرة الصالات، وحين يقرر المشاركة في المسابقات الخارجية، كان من اللازم الانخراط في هيئة عالمية لهذا النوع الرياضي. كان هناك اتحاد لكرة القدم المغربية ولكن لا وجود لجهاز خاص بكرة القدم داخل الصالات، فهذا النوع الرياضي، بالنسبة للمسؤولين، مجرد لعبة للترفيه وتذويب الدهون يمارسها كبار السن ومعتزلو الكرة العادية. رغم ذلك حاول الجامعي وهو لاعب ومدرب ورئيس تنبيه الاتحاد المغربي لهذا النقص في الهيكلة دون جدوى.

‎في سنة 1994 توجه الجامعي بشكل شخصي إلى مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم وقدم طلب انخراط ناديه أجاكس المغربي، فتم قبوله وأصبح المغرب ممثلا في المجلس التنفيذي لهذه اللعبة، وبشكل سريع شرع في تمثيل المغرب في كثير من المحطات العالمية، بدأ بكأس العالم في الأرجنتين في السنة نفسها، وفي سنة 1997 شارك النادي في مونديال المكسيك وفي البطولة نفسها ببوليفيا سنة 2000. وبطلب من الاتحاد الأوربي نظم النادي بطولة أوربا للأمم في المغرب بمشاركة 12 دولة أوربية، علما أن أجاكس كان الفريق الوحيد الذي كان يمارس هذا النوع الرياضي في القارة الإفريقية.

‎أصبح المغرب طرفا في الصراع الذي كان قائما بين “فيفوزا” باعتبارها أول هيئة عالمية تشرف على كرة القدم داخل الصالات و”فيفا” كمنظمة ساهرة على كرة القدم في ربوع العالم، وكانت هذه الأخيرة تحاول استقطاب مكونات خصمها “فيفوزا” بغرض إضعافها.

‎في عام 2000 تلقى الجامعي رسالة من “فيفا” يطالبه من خلالها بالتخلي عن “فيفوزا” والالتحاق بالاتحاد الدولي لكرة القدم، لكنه كان عضوا في اللجنة التنفيذية وكانت له عدة مهام قيادية في “فيفوزا”، هذه هي نقطة التحول في حياته حيث أصبح في مواجهة خصوم يعادون التنظيم الثاني، لتنتهي القضية في المحكمة.

‎بدأت القضية برسالة مجهولة كتبها أعضاء من داخل اتحاد الكرة المغربي ومن خارجها، تحمل عدة اتهامات، أولها الهجرة السرية، حيث أدين بتهجير عدد من المواطنين ضمن بعثات الفريق في رحلاته الخارجية. اعتقل الجامعي وشرع القضاء في التحقيق معه، وحين طلب من السفارات الأجنبية توضيحات كان الجواب في صالحه. لا وجود لعمليات تهجير، لا وجود لأي شكاية من متضرر. بعد التحريات نال البراءة بينما ظلت تهمة التزوير تطارده على اعتبار أن امتلاكه لأوراق تحمل شعار اتحاد غير اتحاد الكرة المغربي. كما اتهم بانتحال صفة رئيس هيئة لكرة القدم داخل الصالات وهي غير قائمة، وصدر حكم بحبسه سنة واحدة، رغم أنه قدم أمام المحكمة وثيقة مسلمة من السلطات المغربية تؤكد رئاسته لهيئة تخص كرة القدم داخل الصالات.

‎علما أنه شارك في تظاهرات كبيرة باسم الفيدرالية في القدس الشريف وكندا وتوصل بتنويه من الملك الحسن الثاني باسم هذا التنظيم. كما استقبل في الفاتيكان من طرف البابا استقبال القادة والزعماء.

‎السجن كان مجرد هزيمة بالنقط وليس ضربة قاضية، كما يقول محمد الجامعي كان يقضي أيامه في تعقب خيوط التهمة، كان يتساءل عمن وراء هذه المؤامرة، ويفكر في الأشخاص الذين استفادوا من اعتقاله، حتى اهتدى إلى خيوط القضية، خاصة وأن القاضي الذي حكم علي اعتذر له حين غادر الزنزانة، ومع مرور الأيام تبين لي أن وراء هذه المؤامرة أعداء النجاح الذين يغضبهم صعود نجم مغربي ودخوله العالمية.

‎علاقة الجامعي بهذه الرياضة كعلاقة مرضى السكري بالأنسولين، كلما وجد نفسه في فضائها إلا وشعرت بالارتياح. لهذا كلما دخل البيت إلا وتظاهر بالتعب حتى تسدد له والدته نظرات العتاب التي تخترق جسده.
‎حين كان الجامعي يقضي عقوبته الحبسية في سجن القنيطرة، كانت والدته تأتي كل صباح إلى ساحة قبالة المعتقل وتجلس لساعات وهي تعتقد أن ابنها سيفرج عنه مساء، تكرر هذا المشهد أياما طويلة، ولكن المؤلم في الحكاية أن بكاءها تسبب لها في عاهة مستديمة فقدت من جرائها نعمة البصر.

‎يشعر الجامعي بالذنب تجاهها لأنها ماتت وهو في المهجر فحرم من وضع القبلة الأخيرة على جبينها، في آخر أيامها كانت تقول له إن حلمها هو أن تكون لها جنازة مهيبة، مع الأسف لم يحقق لها هذا الحلم لأن مجهولين حكموا عليه بالرحيل خارج وطن أرادوه خاليا من صناع النجاح، وحين ترك وطنه غصبا عنه وأصبحت الهجرة قدره ربطها بحياة أبنائه، حين رزق ببنت في الولايات المتحدة الأمريكية اختار لها سام دينا هاجر، وحين رزق بابن أطلق عليه اسم ريان مهاجر، لتظل الهجرة جزأ من حياته وحياة أسرته.

‎لكن ما هو الكابوس الذي عجل برحيله؟

‎رأى الجامعي في منامه مشهدا مرعبا. أشخاص يجرونه نحو عمود الإعدام، كانوا يطلبون منه توديع أسرته كي ينفذ فيه هذا الحكم، والدته أيضا عاشت نفس الكابوس يا للمفارقة ! توجه فعلا لتوديع والدته وأفراد أسرته استجابة لسيناريو الكابوس، وتوجه رفقة حارسين صوب عمود الإعدام معصوب العينين، وقد وقف رجل ليسدد رصاصا من بندقية، لكن الرصاص لم يقتله فهرعت صوب والدته ليبشرها بخلاصه لكنها كانت تقول له لم تتخلص يابني بعد، وحين استيقظ قرر الهجرة وقطع آخر خيوط التردد التي كانت تشده إلى بلده.

‎ظل طيف أجاكس يطارده في حله وترحاله، في ميامي أسس فريق أجاكس ميامي كامتداد لفريق القنيطرة، كانت رسائله رياضية وسياسية في بلد مؤثر في السياسة العالمية، هناك أصر على أن يواصل النضال من أجل لعبة وينتزع الاعتراف بكونه الأب الروحي لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى