صدى المجتمع

ليلة القدر بالمغرب…ليلة للاحتفاء بالصغار أيضا

لرمضان نكهة خاصة وأجواء خاصة، فعلاقة المغاربة بشهر رمضان الكريم علاقة مختلفة ربما عما هي عليه لدى الشعوب العربية والمسلمة الأخرى. ولعل أولى مظاهرها إطلاق المغاربة لاسم “سيدنا رمضان” على هذا الشهر وكأنهم يتحدثون عن رجل يحضى بقيمة عظيمة ومنصب كبير بينهم. لذلك تراهم يستعدون لاستقباله استقبال العظماء والأشخاص المميزين والمحبوبين.
يحتفظ المغاربة بعادات وسلوكيات مرتبطة بهذا الشهر العظيم وبتقاليد الأسلاف. فبغض النظر عن اهتمامهم بكل ما يرتبط بالتعبد والخشوع والتقرب من العلي القدير، نجدهم يحرصون على إحياء تقاليد أسلافهم وأجدادهم، حيث يهتمون بالجلسات الشعبية والعائلية، فيتجمعون حول موائد رمضانية تفننت النساء في تحضيرها بكل حب. يتصالح الكثيرون أيضا مع اللباس التقليدي المغربي حيث يزداد الإقبال عليه من جلباب وجابادور وسروال قندريسة. أما بالنسبة للنساء، فحدث ولا حرج. يرتدي غالبية الرجال والنساء زيا تقليديا سواء لقضاء أغراضهم اليومية أو لأداء صلاة التراويح. لذا، يتفنن صانعو وصانعات الألبسة التقليدية خلال هذا الشهر في إبداعاتهم برشمات جديدة وموديلات مبتكرة لإبهار الزبائن، من النساء خصوصا.
للأطفال نصيب أيضا من حيث الاهتمام خلال شهر رمضان. ولعل الاحتفالات التي تقيمها الأسر والعائلات بصغارها خير دليل، خصوصا ليلة السادس والعشرين من رمضان، أو ليلة القدر كما تعارف على تسميتها المغاربة. إنه يوم مهم في حياة الأطفال والصغار حيث تحتفل بهم أسرهم احتراما وترسيخا لتقاليد وطقوس ورثها المغاربة عن أجدادهم. إنهم يلجون عالم الكبار، ولو لمدة يوم واحد فقط.
بعد إفطار هذه الليلة، يرتدي الأطفال الذين صاموا رمضان لأول مرة أزياء تقليدية وتخضب أيدي الفتيات بنقوشات الحناء المغربية الجميلة. يصحب الصغار، خصوصا الذكور منهم، والديهم لأداة الصلاة بالمسجد، ويخرجون بعدها إلى الشوارع للتباهي بلباسهم وحلتهم، وهي فرصة أيضا لصلة الرحم بين العائلات. تنتشر أيضا محلات “النكافة” لتزيين الصغار بأزياء تقليدية وجواهر وحلي وماكياج، يختارون منها أزياء تمثل جل مناطق المملكة من فاسي ورباطي وجبلي وأمازيغي، ويركبون “العمارية” أو الفرس المسرجة أيضا لأخذ صور تذكارية يحتفظ الكثيرون بها حتى بعدما يصبحون آباء وأمهات. كما تحتفل العائلات الميسورة الحال بأطفالها داخل منازلها باستقدام من تزين الأطفال وبدعوة الأهل والأحباب إلى بيتها، حيث تتناوب فرق الأمداح النبوية وعيساوة والفرق الشعبية في إمتاع الحاضرين.
وتجدر الإشارة إلى أنه يتم الإحتفاء بهؤلاء الصغار سواء أتموا صيام اليوم أم لا. وتنتشر لدى المغاربة عادة جميلة يطلق عليها اسم “تخياط الصوم”، بمعنى أن الطفل يصوم صبيحة اليوم ويفطر في الظهر، ليكمل الصوم يوما آخر من الظهر إلى المغرب ويتم “خياطة” نصفي اليومين معا. والهدف من هذه العادة هو تحبيب الصوم لدى الصغار وهم في سن مبكرة.
تعم الأجواء الروحية وكذا الطقوس الدينية والاحتفالية كل مكان وكل بيت بالمغرب خلال شهر رمضان، وذلك بغرض تنشئة الأجيال الصاعدة على حب تقاليد وعادات أسلافهم وترسيخها داخلهم، لعلهم يورثونها يوما ما أيضا لأبنائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى