صدى المجتمع

لا تفضح نفسك!

أطلس توداي: لطيفة بجو…

اتجاه النظر أو حركة اليدين أو تأرجح الجسد… كثيرة هي الحركات والإيماءات التي لا نعيرها أي أهمية، ولكنها في الحقيقة تعكس نفسيتنا وحالتنا الذهنية خلال عملية تواصلنا اليومية مع العالم الخارجي. هي حركات مشفرة وغير لفظية تفضح مشاعرنا ودواخلنا، حتى وإن لم ننبس ببنت شفة، ولا يستطيع الإنسان التحكم فيها، لأنها لا إرادية وتصدر دون أي وعي منا أو من عقلنا الباطن، لتنقل لمحاورينا الكثير من المعلومات عنا… باختصار شديد، إنها تتحدث عنا.

منذ سنوات، ابتكر الباحث جان بيير فيرات وسيلة لتحليل كل سلوك يمكن ملاحظته عند الإنسان، وأطلق عليها اسم المورفوجستويل La morphogestuelle. منذ عقود إذن، والعلماء يشرحون ويفسرون الحركات التي يقوم بها أي شخص، سواء عن طريق جسده أو تعابير وجهه، بل إن كبريات الشركات العالمية تستخدم هذه الطرق وتعتمد نتائج هذه التحاليل خلال عمليات التوظيف.

وبعد انتشار التكنولوجيات الحديثة، وكأي ظاهرة جديدة، كان لابد من دراسة طريقة تعامل الأفراد والمجتمعات معها ومدى تجاوبهم معها ومع ما ينشر عبر منصات التواصل الاجتماعي. فجاءت النتائج صادمة بالنسبة للبعض لاعتقادهم أنهم محميون وهم خلف شاشاتهم. كيف؟ بالمختصر المفيد: إذا كانت تعبيرات الوجه والجسد هي المعبر الوحيد في السابق عما يحدث بداخلنا، فإن الإصبع قد عَوضها حاليا، بل الأصح، “النقر” سواء كان بالإصبع أو بغيره.

وفعلا، فقد أكّدت دراسات وأبحاث أنجزت في السنوات الأخيرة، أن كيفية تعاملنا مع الشبكة العنكبوتية وتجاوبنا مع ما نقرؤه أو نشاهده -من خلال “اللايكات” و”الإعجابات”- أصبحت الطريقة المثلى لفضح شخصيتنا؛ إذ أن عدد النقرات يعبر عما نشعر به، ويكشف من نحن ويفشي كل أسرارنا وما نخفيه عن الآخرين. كما يستنتج منها أيضا جنس المتصفح ومجموعته العرقية وميولاته السياسية ومعتقداته الدينية وغيرها من المعطيات التي نعتقد، خطأ، أننا نحفظها جيدا.

ويعتبر الأمريكي كوسينسكي أحد أهم الباحثين الذين اهتموا بهذا الموضوع، حيث أنجز منذ سنوات قليلة دراسة تحت عنوان:”أحكام الشخصية المستندة إلى الكمبيوتر أكثر دقة من تلك الصادرة عن البشر”. وسأختصر لكم فيما يلي أهم ما خلصت إليه أبحاثه:

* تحليل 10 نقرات “أعجبني” على الفيس بوك أو غيره، تمكن من فهم شخصية الشخص بطريقة أفضل من معرفة زميله به؛

* بتحليل 70 نقرة “لايك”، سنتعرف على الشخص أفضل مما يعرفه رفيقه في السكن؛

* وإذا درسنا 150 نقرة إعجاب قام بها، فسنستطيع فهمه أفضل من أفراد أسرته كلها؛

* أما عندما تتوفر لدينا 300 نقرة إعجاب، فسنفهم الشخص بشكل دقيق جدا، فهما يمكن أن يتجاوز معرفة حتى شريك حياته به!

كانت هذه الدراسة صادمة لكل من يحبون الضغط على “لايك” هاته، دون قراءة محتوى المنشورات التي يعبرون عن إعجابهم بها. وهؤلاء كثر للأسف، ومنهم من يتصرف بهذا النحو فقط حتى يلفت انتباه “متتبعيه” أو من يعرفهم، إلى أنه يتابع ما ينشر عبر المنصات! خصوصا عندما يتعلق المحتوى بمواضيع على الموضة، كما يقال، أو مواضيع الساعة.

صحيح أننا أحيانا كثيرة، نضطر “للإعجاب” بما كتبه أو نشره الأهل والأصدقاء والزملاء في العمل، من باب “الأدب” و”المجاملة” فقط؛

 وصحيح أيضا أن الكثيرين يجدون أنفسهم قد نقروا “أعجبني” وهم لا يتفقون مع المحتوى المنشور، لا لسبب إلا لأن هذا الأخير قد حصد آلاف “اللايكات”، فينحون منحى باقي المتتبعين، ظنا منهم أن حركتهم هاته ستغرق في بحر باقي الإعجابات وأن لا أحد من معارفهم سينتبه إلى أنهم أعجبوا بموضوع قد يكون تافها أحيانا. وهو ما يسمى ظاهرة حركة الحشود. تصرف خاطئ طبعا وغير واعٍ، لأن كل نقرة تحتسب علينا، وتفضح دواخلنا.

فمهم جدا إذن أن نتعلم ثقافة الانتقاء، والأهم منه، أن نحذر من النقر الكثير والإعجاب بكل المواضيع والصور والفيديوهات التي قد تصادفنا ونحن على الشبكة الزرقاء أو مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة. فنحن بذلك نكشف وبدون وعي منا، عن شخصيتنا ونعري أنفسنا أمام الملأ، وبالتالي نصبح دفترا يسهل تصفحه وقراءة محتواه من طرف الآخرين. كما يجب أن نضع دائما في الاعتبار أن الشركات التي تقوم بالدراسات والأبحاث تحصل على المعلومات التي تخصنا عبر استخدام بياناتنا الرقمية أيضا، من قبيل رسائل البريد الإلكتروني ومحركات البحث التي نفتحها على هواتفنا المحمولة.

خلاصة القول، عليكم من الآن فصاعدا التفكير ألف مرة قبل نقر “لايك” أو إبداء إعجابكم بأي منشور. وبذلك، ستحمون أنفسكم من أن تصبحوا فريسة للمسوقين والمعلنين الذين يستهدفون مستخدمي الإنترنت. وهذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى