بانوراما

لا تسخر من كبار السن، فيوما ما ستصبح منهم

أطلس توداي: لطيفة بجو

ثمة سلوك دخيل على مجتمعنا، بدأ ينتشر شيئا فشيئا دون أن يعي أحد بخطورته أو بوقعه، لا بد من لفت الانتباه إليه. فقد أصبحنا مؤخرا نشاهد في كثير من الإنتاجات الفنية، لقطات يظهر فيها شباب أو يافعين أو حتى أطفالا أحيانا، وهم يسخرون من كبار السن أو يحتقرون أحدهم أو يستصغرون قولا أو فعلا صدر عن كهل أو عجوز، له عادات وطرق تفكير يعتبرها الشباب قديمة وعفا عنها الزمن.


وفي الوقت الذي يجب اعتبار واحترام كل من ينتمون لهذه الفترة العمرية لِما لديهم من خبرة وتجربة في أمور الحياة بإمكانهم مشاركتها مع من هم أصغر منهم، نجد من لا يتوانى عن عرض لقطات تهكم واستهزاء بجَد أو جدة مثلا، والتقليل من شأنه أمام الآخرين، وكأنه تصرف عادي جدا في مجتمعنا، لا لهدف سوى لمتعتهم الشخصية أو لتسلية الأصدقاء.

لا أظن أن أحداثا كتلك قد تقع في الحياة الواقعية، ولا أحسب أن أحدا سيستهزئ بأبيه أو بجده. فلماذا إذن تشويه صورة كهولنا وشيوخنا بهذا الشكل؟ هل هذه هي مظاهر “العصرنة” و”التطور” و”التقدم” التي نصبو إليها، أم يجب اعتبارها نوعا من تجاوزات المجتمع الحديث التي لا يمكن التحكم فيها، ونتيجة حتمية للتطور الذي يعرفه نفس هذا المجتمع، بصفة عامة؟ أم هي ربما طريقة حديثة لتحقيق الربح مستوحاة من الغرب من خلال نشر أعمال تبين كبار السن وكأنهم عالة على المجتمع ولا يصلحون لشىء؟ أم أن مواضيع الفكاهة قد انقرضت وأن خيال الكتاب قد أصيب بالخمول؟

مثل هذه البرامج والمنشورات قد تؤثر بشكل كبير على البعض خصوصا الصغار الذين هم في طور التعلم والتربية، وبالتالي، فالخوف كل الخوف من أن يصبح مثل هكذا تصرف (احتقار كبار السن) أمرا عاديا في مجتمعنا المغربي العربي المسلم مستقبلا، وأن ينسى شبابنا بأن ديننا قد دعانا أيضا إلى احترام الكبير وحسن معاملته وتقديمه في أمور شتى، بالضبط كما حثنا على العطف على الصغير والعناية به.

لم تكن القنوات التلفزية فيما مضى تبث أعمالا فنية تتضمن مواضيع أو لقطات تحتقر الآباء أو الأجداد. لقد كبرنا على قيم احترام الكبار والشيوخ والسلف، نسمع ما ينصحوننا به ونستفيد من تجاربهم في الحياة. ألا يقول المثل المغربي” اللي فاتك بليلة، فاتك بحيلة”؟ فحكاياتهم مليئة بالدروس والعبر التي تختصر على الشباب تجارب قد تكون سيئة، وتعفيهم من التخبط في عدة مشاكل. لقد ترعرعنا واعتدنا أن نسمع لما يقول كبار السن، سواء راقنا حديثهم أم لا. نحترم كل من يكبروننا سنا ونُقبل أيدي آبائنا وأجدادنا ومعلمينا بالمدرسة، من باب التقدير والإجلال، ولم نر فيها يوما تقليلا من قدرنا ولا حطا من قيمتنا. كنا نحترم ما يحكون لنا، ونستفيد من حواراتنا معهم، ولكن لم نقل لهم قط أن حديثهم كان “غبيا” أو “بليدا” أو أنهم “لا يفهمون” أو “لا يعرفون شيئا”، كما نسمع اليوم. تقاليد وعادات نجدها أيضا في ثقافات أخرى كالصين وإيران وتركيا وعدة مناطـق أخـرى في آسيـا؛ فالصينيـون مثلا ينصحون بعدم التقليل من احترام الكبـار، ومن أقوالهم بهذا الخصوص: “السخرية من كبار السن، هو تدمير للمنزل الذي ستقيم فيه الليلة”، وهو ما معناه في ثقافتهم أن الاستهزاء بالمسنين قد يسبب الأذى.

سنلتمس إذن العذر لأصحاب الإنتاجات الفنية التي تتضمن لقطات مهينة لكبار السن، ونصدق بأن ذلك ليس له أي دافع خفي أو نية سيئة، وأنها مجرد نتيجة للفجوة الثقافية التي تفصل بين الأجيال. لذلك، ندعوهم للانتباه أكثر مستقبلا في كتاباتهم والطريقة التي يعامَل بها كبار السن في أعمالهم وكيفية الحديث معهم. فعلى العكس، عليهم اقتراح حلول والعمل، من خلال المسلسلات والسيتكومات وغيرها من الأعمال التي ينشرها الهواة أيضا عبر قنواتهم الخاصة، على تخليص المعنيين بالأمر من الوحدة التي يحس بها بعضهم والعزلة التي يعيشها آخرون. وكلنا أمل ألا نعيش يوما كالمجتمعات الغربية، حيث الشباب يتخلصون من أهاليهم ويرمونهم داخل دور الرعاية والمسنين، حتى لا يسمعوا تعليقاتهم على تصرفاتهم أو انتقاداتهم لهم، وأحيانا أنينهم وآهاتهم أيضا.

وأختم بالقولة التالية: “لا تسخر من كبار السن، فيوما ما ستصبح منهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى