بانوراما

كان يا ما كان … ساحة باب الحد  بالرباط

أطلس توداي: لطيفة بجو

شهرتها كشهرة ساحة “جامع لفنا” بمراكش الحمراء أو ساحة “لهديم” بمكناسة الزيتون وغيرهما ببلادنا العزيزة.

إنها ساحة “باب الحد” بمدينة الرباط، مدينة الأنوار وعاصمة المغرب الثقافية، بشكلها الذي تغير كثيرا في السنوات الأخيرة، بأرضية مبلطة وكراسي هنا وهناك من أجل راحة المتجولين، وأعمدة إنارة ذات الشكل الجميل.

إنها الحلة الجديدة التي أرادتها السلطات للمكان، وسهرت عليها مدة سنوات، بل ورصدت لها ميزانية ضخمة. قد تستهوي هذه الحلة كل وافد جديد على المدينة، ولكن بالنسبة لسكان العاصمة القدامى، فقد تغير المكان كثيرا، ولم يعد يشبه ساحة “باب الحد” والساحة خلفها المؤدية إلى المدينة العتيقة والمجاورة للسوق المركزي، التي عهدوها. لقد ترعرع فيهما الكثيرون وتحتفظ مخيلتهم بذكريات عديدة عنهما، والآن، أصبحتا مختلفتين. إنهما بعيدتين كل البعد عن الشكل الذي رأيتهما عليه شخصيا عند قدومي إلى العاصمة، منذ أزيد من عقدين من الزمن، سنوات قبل أن يتم بناء ممر تحت أرضي ثم مرآب تحت أرضي بالأولى ومحطة الترام بالثانية. 

كانت ساحة باب الحد بشكل مغاير تماما، بأرضيتها المليئة بالحجارة والحفر التي يتم إصلاحها وإغلاقها، لتعود بعد أيام إلى حالتها الأولى. لقد كانت تعتبر محطة نهاية سير عدة حافلات بالمدينة، لذلك كانت دائما تعج بالمواطنين وخصوصا مساء، فتراهم يتدافعون لضمان مكانهم في الحافلة. بعدها سيتم تبليط الساحة وبناء نافورة كبيرة وسطها، ليصبح المكان قبلة للمواطنين وفرصة لبعض الشباب العاطلين لايجاد شغل، يتمثل في تأجير سيارات الأطفال الكهربائية مقابل 5 أو 10 دراهم.

من جهتها، كانت الساحة الخلفية بمدخل المدينة العتيقة تمتلئ بالباعة المتجولين، كل واحد يصرخ بأعلى صوته للفت انتباه المارة إلى سلعته التي قد تكون خضرا وفواكه أو حلويات أو ملابس أو أواني أو أكلات سريعة أو غيرها، قبل أن يغير الجميع تخصصه وتصبح السلعة الوحيدة التي تباع هناك هي الهواتف وكل ما يرتبط بها من قبيل سماعات الأذن وشاحن الهاتف، وفي مرحلة ثانية سيغزو المهاجرون الأفارقة المكان لبيع منتوجات بلدانهم، من أثواب وكريمات جسم وشعر مستعار وعطور. كان للكِتاب أيضا مكان في الساحة، حيث كان البائعون يفترشون الأرض لعرض الكتب المستعملة والمجلات القديمة. وأنت تتجول هناك، قد يوقفك بائع الماء أو “الكراب” وهو يحمل “قربته” ليقدم لك كأس ماء قد لا تكون في حاجة إليه، ولكنك تقبله منه وتمنحه في المقابل نصف درهم، وهي في حقيقة الأمر صدقة أكثر منها أي شيء آخر.

إن المكان في نظر الكثيرين بشكله القديم أفضل منه الآن؛ لقد كان محتفظا بطابعه التقليدي التاريخي، خصوصا وأن الساحة بمقربة من السور العتيق والقوس الذي أعطى المكان اسمه، وهما يعودان إلى  قرون مضت، قبل أن يتم هدم جزء من السور من أجل توسيع شارع الحسن الثاني. الشىء الوحيد القديم في الساحة الآن هو ما تبقى من السور في الساحة، فحتى الكتاب العموميون الذين كانوا يحررون وثائق وعقود المواطنين لم ينجحوا في مقاومة الحداثة، وتم تدريجيا الاستغناء عن خدماتهم.  صحيح أن الساحة كانت أيضا مرتعا للمتشردين والمتسولين، ولكنها كانت مكان لقاء الصغار والشباب أيضا وقبلة جميع  زوار العاصمة. لقد كان طابع الساحة القديم والتقليدي هو الذي يجعلها تغص بالمواطنين من الزوال حتى ساعات متأخرة. أما الآن، فلم يعد الأمر كذلك، لأنه في نظر الكثيرين، لم يعد بها ما يجذب كسابق عهدها. ثم إن هناك أماكن أخرى عديدة  اشتهرت بالمدينة، إلى جانب الأحياء الجديدة الراقية التي أصبحت توفر منتزهات وممرات للمشي والنزهة ومحلات للتبضع. هذا طبعا بالإضافة إلى انتشار ثقافة  “المولات” والمحلات الكبرى. وبالتالي، فإن ساحة “باب الحد” التي كانت إلى عهد قريب تعتبر القلب النابض للعاصمة، أصبحت الآن تعاني من العزلة والهجر. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى