آراء وأعمدة

فرنسا، منبع حقوق الإنسان !

لطالما اعتبرت نفسها المدافع الأول عن حقوق الأفراد والجماعات، وعن حق كل شخص في العيش بعزة وكرامة ؛إنها فرنسا التي تحاول إقناع العالم أن الجميع يحيون على أرضها، وهم يرفلون بثوب الأمن والأمان والتطور؛

تقول الحكمة: ” إذا كان بيتك من زجاج، فلا تقذف الناس بالحجارة”. غير أن فرنسا لا تقذف فقط، بل إنها ترمي وتضرب وتجرح و…كل الأفعال التي تفيد الإهانة والتقليل والتنكيل والحط الخ. 

لقد سمحت التظاهرات التي تعرفها فرنسا كل أسبوع بسبب ملف التقاعد، بالكشف عن الوجه الحقيقي لها. إنها اليوم تستعمل ضد مواطنيها نفس السلاح الذي كانت تستنكر على آخرين اللجوء إليه. هي اليوم على صفيح ساخن بعدما اشتعلت فوق أرضها نيران احتجاجات مواطنيها ضد القوانين التي تم اتخاذها مؤخرا لإصلاح نظام التقاعد الفرنسي، خاصة النقطة المتعلقة برفع سن التقاعد إلى 64 عاما.

لقد وثقت كاميرات القنوات العالمية، بالصوت والصورة، للاشتباكات العنيفة التي نشبت في كل مدن فرنسا بين المتظاهرين والشرطة، اضطرت معها هذه الأخيرة إلى استخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، خصوصا خلال الأسابيع الأولى للاحتجاجات. ما يلفت الانتباه في الفيديوهات والصور المتداولة، هو الضرب الذي يتعرض له بعض المواطنين، حيث ينهال رجال الأمن بهراواتهم على الشباب الثائر، ويوسعونهم ضربا لتفريقهم ولإرغامهم على التوقف والتراجع عن الاحتجاج. رأينا الدماء على وجوه بعض المحتجين، وآخرون وقد خارت قواهم وسقطوا أرضا بسبب الضرب والعنف، حتى أنهم لم يعودوا يقوون على الوقوف.

فأين هي حقوق الإنسان التي تتشدق بها فرنسا ؟ إنها تعتبرها الورقة الرابحة التي تخرجها كلما أرادت التعرض لبلد ما أو المساس بمصالحه لغرض تعرفه هي فقط، وآخر ضحاياها كان المغرب نفسه، عندما ألبت عليه البرلمان الأوربي ودفعت بهذا الأخير إلى إصدار قرار انتقد فيه أوضاع حرية الصحافة والتعبير وحقوق الإنسان ببلادنا.

لا يهمنا سبب الاشتباكات، ولا معرفة عدد رجال الشرطة الذين تمت تعبئتهم، ولا عدد الشباب المعتقلين على خلفية إحداث الشغب، ولا عدد المصابين بجروح وكسور وعاهات مستديمة. نحن لا نهتم للخسائر المادية التي تم تسجيلها جراء أعمال تخريب المحلات والمنشآت، بقدر ما نهتم لكون فرنسا ضربت عرض الحائط بكل حقوق الفرنسيين في التعبير عن رأيهم ورفضهم لقراراتها.

أليست هذه هي نفس فرنسا صاحبة “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الصادر عن الجمعية التأسيسية الوطنية خلال الثورة الفرنسية عام 1789 ؟ أين هي دولة الحق والقانون التي ما فتئت تتبجح بها، وأنها تسعى للتصدي لأي مساس بعالمية حقوق الإنسان؟

لقد أحصت منظمة العفو الدولية عدة اختراقات لحقوق الإنسان من طرف فرنسا عام 2022، حيث “استمر التمييز العنصري والديني، مستهدفا بصورة خاصة الأفراد المسلمين والجمعيات المسلمة. واستمر الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة بدون مساءلة” بالإضافة إلى الاكتظاظ في السجون وأوضاع الاحتجاز في ظروف لا إنسانية ومهينة، ورفضها إعادة أطفال من جنسية فرنسية يعيشون في ظروف تهدد حياتهم بمخيمات الاحتجاز السورية.

قبل أسبوع، انتهت مفاوضات النقابات مع رئيسة الوزراء الفرنسية بالفشل، لأن المسؤولة الحكومية رفضت سحب القرار المتعلق بإصلاح نظام التقاعد. والآن، ليلة اتخاذ المجلس الدستوري للقرار الحاسم، فإن المواجهة تستمر بين الطرفين المتنازعين دون أن يتنازل أي منهما. ففي الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة خضوع المتظاهرين للأمر الواقع، لا زالت النقابات تدعو منخرطيها إلى النزول إلى الشارع، وستعود لا محالة أعمال عنف رجال الأمن ضد المواطنين كما في الأسابيع الماضية، في خرق سافر لحقوق الإنسان. وهو ما كان قد دعا، في وقت سابق، مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا إلى دعوة فرنسا، إلى احترام حق الفرنسيين في التظاهر.

أختم بحديث لسيد الخلق، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : “طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى