ثقافة وفنون

شابت ضفائر اليمام

أطلس توداي : هند بومديان

كم اشتاق ان اقف تحت تلك النافذة لأشعر أنني في نهاية العمر و مقتبل الحياة، أمد نظري الى ظلي.
أريد أن أضحك حد البكاء، أن أقرأَ حتى الضياع، لتهمس لي الاشواق أن هبت النسمات و ما أجمل الضياع في بوصلة الجنون. أريد أن أنتشل الأشخاص من القدر المؤجل، أن أستبق الأحداث و أصنع الصدف. فأحن الى صوتي الذي كان يسابق خطواتي ليطمئن قلبي أنني قادمة و لأول مرة أشعر برغبة جامحة في مغادرة فقاعتي.
وأنا التي تعلم أنه عندما يقرر الإنسان أن يمسك بدفة سفينته التي تتقاذفها الأمواج، و يتحرر من تلك الدوامة التي ابتلعته لسنوات، سيتوقف تدفق الشك، ليصمت طنين الأسئلة، و يتذوق لأول مرةٍ طعم السلام الداخلي.
كثيرا ما أدرك بعد مدة من الزمن و ألف ساعة حزينة أننا لم نكن يوما مهمين لأحد، لسنا و لم نكن يوما محور الكون، بل نحن مُذنَّباتٌ ساهيةٌ وحيدة. من الأفضل أن نحتفظ بدموعنا لأنفسنا، أن نحفظ ماء قلوبنا أمام الجدران و المرايا. ، فالحقيقة المؤلمة المريحة هي أنه لا أحد يهتم.

لكن هي الحياة تظل هكذا صخبة تستوطنها الفوضى لا تتوقف عن خوض نزالات قاسية ضدنا ، و لا تعلم مامعنى ان تفقد الشغف وصوت الطفولة لازال يتبرعم داخلك! ،
ان تفطم قلبك عن الحب وگل مابك يتوق للدفء و مسحة حانية تعيد بعث الأمل فيك من جديد بعد ما تآمر الكون كله على قص اجنحة السماء التي اعتادت منحك الغيث
ليس هناك اقسى من الفقد.. فقدان الشغف فقدان الرغبة فقدان المحاولة وفقدان عزيز عليك ، دعوني اخبرگم اني واجهت أعنف فقد قد يتعرض له المرء ، اجل لقد فقدت روحي التي گانت تدفعني للمواجهة للتحدي للاندفاع والاستمرار لأنأى عن العجز ..بعدها تضخمت علاقتي مع الحياة وحاصرتني المائد من كل صوب ، باتت الاشياء حولي مشوهة وأضحى قاموس گلماتي بارد جدا.
و هناك في الركن البعيد ترهقني الضوضاء الهادئة كيف لها ان تكون بهذا التعقيد!
احشر نفسي داخل الاصوات الخافتة التي لا يسمعها احد واتأمل سقف السماء لماذا هو مفتوح وجميل جدا كأنه يشبه المتاهة! ،
كيف لهذا الجمال ان يكون بعيدا ولا نستطيع لمسه!
لي رغبة عارمة ان اجلس على ظهر الغيمة واضع يدي على مكان النزيف وأصرخ بأعلى صوت ،يالله لما كل هذا الحب المنقبض في قلبي اتجاه ذاك الحلم الحقير!
وبخيبة واسعة اعود أدراجي الى الارض التي انجبتني ثم انكرتني وأبت ان تعترف بي اني ابنة رحمها التي قبضت عليها بالأسى ، ارغب ان أعود الى ماقبل ميلادي ان اكون عدما غير متاح للتشكيل والبعث ، لكن گيف يحدث هذا وقد انسلج جلدي منذ البدايات الخشنة التي قادتني نحو الخذلان! خذلان القدر ، خذلان الاحلام ، خذلان القطارات المسرعة ، خذلان الانتظار المرير ، خذلان الحياة وخذلان البشر.
عصفورة ثائرة في قفص صدري الضيق، تلك هي قصتي اليومية المكررة. غصة تتوسد حنجرتي كملك بدين نائم على أوتار شعبه. كل شيء يلوح لي من الطرف المقابل، من حافة ضفة بعيدة جدا، من جزيرة صغيرة محاطة بالعجز.
تحوم الرعشة حولي كأرض مثقلة بالبشر، و أنا الشمس المحترقة بحرارتها. محاصرة بالأفكار، معلقة على الآمال كدمية خشيية تبحث عن الحياة في يد. كم أريد أن أخرُجَ مني سالِمة، و أحاولُ فعل ذلك بشكل يومي.
كان كل شيءٍ حولي يعاني الشلل، كل الأمور تتناطح كالثيران، و أنا مجرد قطعة قماش حمراء، أصارع للبقاء.
فتعلمت أن لا أفرطَ بالاكتفاء، فزيادة شعور الاكتفاء تعني التعلق، تعني أن نهب مفتاح سعادَتنا لشخص واحدٍ دون أن نصنع منه نسخا عديدة. أن نتنازل عن الجميع مقابل إنسان واحد. نقطع طريقا طويلة ثم نعود محملين بالخذلان.
تعلمت أنه ليس عيبا أن يحتاج المرء إلى التعاطف، و ليس عيبا أن نظهر بعض الشفقة اتجاه أنفسنا بعيدا عن أنظار العالم، أن نلملم شتات أرواحنا المبعثر على الوسادة، في كل ليلة و مع بزوغ كل قمر. ليس عيبا أن نبكي حتى ينقذنا النوم، تماما كالأطفال، أن نذرف الدموع بعيدا عن عالم الراشدين، ليس عيبا أن نحتاج إلى حقنة الحب عندما نصاب بضمور السعادة. ليس عيبا أن نتدفّأ بجلودنا الناعمة عندما لا نجد منهم سوى البرود. فنحن في كل ليلة نمارس فنّ الانهيار أمام المرآة، لنعود أقوى.
ههه أتعلمون ..
رغم كل ما يحدث سأتحلى بالعزم و أتجرع القوة مع حقنة مسكنة للضجيج، فليس لي سوى نفسي.
في كل ليلة أعدني أنني سأكون بخير. أقف أمام مرآتي و أنهار بصمت، لأنني أعرف أن المرآة هي الوحيدة التي تعرف كل شيء و تحفظ أسراري خلف زجاجها الأملس. أرتكب جرائميِ خلف أبواب موصدة تاركة البصمات الخفية، أحقّق معي ثم أغلق ملفّ القضية بعد إصدار قرار عفو شامل عن جميع أنفسي. في كل ليلة أتكور في زاويةِ المسؤولية و لا أستطيع أن أصرخ، مكممة أنا بالضياع
لطالما كنت أركل بطن أمي من أجل هذه الحياة، و ما زالت سياسة الركلِ قائمة، فاليوم تركل الحياة ظهري و تضحك. في كل يوم يعصِرني العالم لأنه يريد بشدة أن يروي عطشه، و أدفع أنا ثمن تلك الشهوة الحيوانية.
تلك ليست نهاية القصةِيا سادة، فأنا في كل يوم أحارِب، أشعل الحرائق بوجداني بعودِ ثقاب وحيد، أبتلع الشكوى و أذرف التفاؤل. أمسك يدي و أمضي بعيدا عن كل ما يزعجني في كل ليلةٍ أعيد ولادة ذاتي بمخاض محاولة جديدة، و كأن الحياة لم تكن.
رجاءا لا تسألوني عن حالي مجددا فأنا ما عدت قابلة للترميم، وحيدة مسافرة عبر القلق حقائبي محشوة بالضجر لا اتوقف عن الركض في الدروب الفارغة.. اطارد المسافات الطويلة التي لا توصلني الى وجهة
تحاصرني الحيرة من كل جهة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى