مجتمع

رجال يكسرون جدار الصمت : “ها علاش ضربتني مراتي..”

أطلس توداي : كوثر بن العيفر

رغم أن الرجل المغربي يخجل من الاعتراف بتعنيف زوجته له بسبب النخوة والخوف من النظرة الدونية للمجتمع الأبيسي الذي ينتمي إليه، إلا أن الإحصائيات التي تقدمها الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل بين الفينة و الأخرى تكشفت جانبا من المستور، الذي لا يرغب الرجال في الإفصاح عنه، مؤكدة أن ما خفي كان أعظم وأهول، وأن الحكومة مطالبة أكثر من أي زقت مضى بالتعاطي بجدية مع مشاكل الأسرة، وبخاصة وزارة الأسرة التضامن والأسرة.
عرف العالم العربي ثلاث تجارب لمناهضة العنف ضد الرجال، أولاها بمصر من خلال جمعية “المعذبون في الأرض”، التي يطلق عليها المنتقدون لمبادئها جمعية “السي سيد”، نظرا لأفكارها المتطرفة، إذ ترى أن خروج المرأة للعمل ضيق الفرص أمام الرجل، ثم مركز للإيواء بتونس لدعم الرجل المعنف، ويشرف عل يه أحد المعنفين الذي حول منزله إلى جمعية ويعتبره صدقة جارية، وفي الأخير نشأت الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل سنة1998، التي تختلف في طبيعتها عن التجربتين السابقتين كما أنها ليست ذكورية، وإنما جاءت لتشكل متنفسا في وجه الرجال للاستماع إليهم، كما هو الأمر بالنسبة للنساء.
ولا يعني عدم ظهور جمعيات مناهضة للعنف ضد الرجال بأوروبا انعدام الظاهرة، ذلك أن مراكز الاستماع التي توفر للرجال المساعدة الاجتماعية والنفسية تلعب نفس الدور، بالإضافة إلى أن الإحصائيات التي نشرت بإحدى المجلات الفرنسية مؤخرا تؤكد أن 20 في المائة من الفرنسيين يعانون من عنف زوجاتهم.


4100 معنف


في أحد تقارير ا لشبكة المغربية، ثم الكشف عن أن أزيد من4100 رجل معنف طرقوا أبواب الشبكة لإيجاد حل بعد أن ضاقت بهم السبل وضاقوا ذرعا من كل أصناف وألوان العنف التي تمارسها عليهن زوجاتهم، حيث يوضح عبد الفتاح البهجاجي، رئيس الشبكة أن هذا الرقم لا يمثل إلا الحالات التي تمت مواكبتها، وأن الشبكة تلقت أزيد من 20 ألف اتص ال ومراسلة لتلقي الاستشارات، وكل الأرقام تبقى نسبية في ظل خجل الرجل من طرق أبواب الشبكة، ظنا منه أن الأمر فيه تنقيص من رجولته ،وبالتالي فالحالات الصامتة مضاعفة.
وفي هذا السياق، يشير البهجاجي إلى أن غالبية الرجال الذين كانوا يتصلون بالشبكة ينسبون ما يتعرضون له لإخوانهم أو أقاربهم ،ولكن مع مرور الزمن أصبحوا أكثر جرأة على الإفصاح عن العنف الممارس ضدهم، لدرجة أن منهم من شارك في قنوات فضائية وأفصح عن معاناته ،دونما تحرج.
ويوضح البهجاجي أن 80 في المائة من الرجال المعنفين ينتمون إلى العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، ويتمركزون في الطبقة الوسطى للمجتمع.


نصيب آدم من التحرش


كسر أول رجل مغربي متحرش به جدار الصمت، حين اعترف أن زوجة مشغله تحرشت به جنسيا ولما رفض الاست جابة لها ومجاراتها فيما تبتغيه ،فطلبت من زوجها طرده واستبدلته بسائق اختارته بنفسها، وبذلك فقد وظيفته، لتتوالى بعد ذلك الحالات التي لم تطق أن تبيع جسدها
للاستجابة لنزوات نساء يردن الحصول على كل شيء، وكان رفض الرجال سببا في طردهم.
يستحضر البهجاجي حكاية رجل آ خر )حسن-ف( البالغ من العمر 47 سنة ويعمل بإحدى الشركات الكبرى بالدار البيضاء، أرادت زوجة مدير الشركة إقامة علاقة معه ،إذ أنها في البداية عملت على ترقيته إلى منصب المدير الإداري للشركة، وعندما رفض الاستجابة لها، أعادته إلى منصب موظف عادي بالشركة، ومن ثمة بدأت تختلق له المشاكل إلى أن أصبح مهددا ب الطرد.


لا يستغرب البهجاجي تعرض الرجل للت حرش الجنسي، ذلك أنه موجود في ال ثقافة العربية منذ القديم ويدخل في خانة المسكوت عنه، وأول قصة من زمن الأنبياء ويعرفها الجميع، قصة سيدنا يوسف الذي راودته زوجة العزيز عن نفسها، وبالتالي كيف لا يتقبلها المجتمع اليوم في ظل التحرر الذي عرفه، فقد تزايدت الظاهرة بشكل ملحوظ ولم بعد الرجال يرغبون في السكوت عنها.
وحسب الإحصائيات التي سبق ونشرتها الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال، فإن نسبة مئوية مهمة من حالات العنف كلها تدور في فلك التحرش الجنسي، حيث يؤكد البهجاجي أن هذا النوع من العنف لم تعرفه الشبكة إلا مؤخرا، وحالات التحرش تكون مرتبطة دائما بالعمل، وهم رجال رفضوا عروض التحرش بهم، أما أعداد الحالات التي قبلت بالوضع فلا يمكن تحديدها مطلقا، ذلك أن الظاهرة تعرف انتشارا واسعا في أوساط العمل.

نساء مختلفات والعنف واحد


في الوقت الذي يسود فيه الاعتقاد أن المرأة وحدها المعنفة في المجتمع المغربي، يعترف بعض الرجال أنهم بدورهم ضحايا، ذلك أن زوجاتهم تمارسن عليهم كل ألوان العنف.
و يبقى العنف المادي والاعتداء الجسدي على الرجل آخر وسيلة تلجأ إليها الزوجة لإخضاع الزوج لرغباتها، ملحقة به آنذاك ما استطاعت من الأضرار الجسدية، ذلك أن البداية تكون من العنف الرمزي الذي تترجمه في السب والشتم والحط من الكرامة، أمام الأهل والجيران وأحيانا في مقر العمل، انتقالا إلى الاستفز از والتهديد بالهروب رفقة الأبناء أو اختلاق الفضائح، ووصولا إلى الضرب بكل أنواع الأواني والأدوات
المنزلية، وخاصة منها الأدوات الحادة، التي تخ لف أضرارا جسدية بليغة لدى الرجال، ك”المهراز” والسكاكين..
وفي هذا السياق، يستحضر البهجا جي إحدى الحالات التي قابلها، ويدعى) نبيل- ب( البالغ من العمر 28 سنة، والذي ضربته زوجته بقطعة حديدية على مستوى الرأس أدت إلى فقدانه الوعي لمدة 48 ساعة، كما أنه اضطر إلى إجراء عملية جراحية خطيرة.
وهناك شق آخر منه، يتمثل في العنف القانوني، ويمارس داخل ردهات المحاكم، خلال تطبيق بنود المدونة، حيث يضم مواطن كبرى للحيف ضد الرجل، ومثال ذلك أن الزوج إذا لم يتمكن من دفع النفقة من المفترض طبقا لبنود المدونة أن يقوم مقامه صندوق التكافل الاجتماعي ، الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان، بيد أن هذا الأخير لم يتم تفعيله وأجرأته إلى حدود الساعة نظرا لعدم توفره على موارد مالية، وبالتالي يلجأ القضاة إلى الحكم بالسجن على الأزواج في حال عدم أدائهم للنفقة. ويوضح البهجاجي أن الحكم على الزوج بالسجن خرق لبنود المدونة التي لم تنص على عقوبة السجن في حال عدم القدرة على أداء النفقة، مضيفا أن قضاء الأسرة غالبا ما يستقدم قضاة من تخصصات مثل الجنايات وغيرها، وليس لديهم أي تكوين في مجال الأسرة، وبالتالي فالسلطة
التقديرية للقضاة تجعل أحكامهم متباينة في مختلف المحاكم، ولا تخضع لأي معيار.
ومن جانب آخر، يرى ذات المتحدث أن موطن الحيف يكمن أيضا فيما يخص صلة الرحم فليست هناك إجراءات صارمة في تطبيقها ،ذلك أن بعض النساء يحرمن أزواجهن من رؤية أبناءهم، وتفاديا لإجبارها على إحضاره إلى دائرة الشرطة وتسلمه منها، يفضل الطليق عدم إدخال أبنائه في هذه الدوامة، ناهيك عن عدد الحالات التي تختفي فيها النساء رفقة الأبناء فلا يعرف الأب طريقا لفلذات كبده.
ثم هناك العنف المادي، كاستيلاء الزوجة على الراتب الشهري لزوجها أو وثائقه الإدارية وجواز السفر أو وثائق العمل، واستغلالها لصالحها، أو انتقاما من الزوج بسبب الخلافات بينهما، بالإضافة إلى الحالة الشائعة جدا داخل المجتمع المغربي على وجه الخصوص والتي تفرض فيها الزوجة تحويل الراتب الشهري لزوجها إلى حسابها الخاص مباشرة، وتبدأ الزوجة فيما بعد بإعطائه مصروفا يوميا.


“ها علاش ضربتني مراتي “


غالبية الخلافات داخل الأسرة التي يتعرض فيها الأزواج للعنف تكون ذات طابع اقتصادي، إما بسبب الرغبة في إلحاق الأبناء بمدارس خاصة ،أو بسبب حجم أضحية العيد، أو كذلك بسبب المصاريف اليومية، واقتناء أثاث للمنزل.
ويشير البهجاجي إلى أن أسباب العنف تتلخص في اجتماع شخصين من ثقافتين وبيئتين مختلفتين للعيش تحت سقف واحد، كما أن بعض النساء يخزنن جانبا من العنف الرمزي الذي كن يشاهدنه في بيوت أهلهن، بالإضافة إلى العنف الممارس بين أبوي الزوجة.
ومن جانب آخر، فالإعلام لا يعنى بمشاكل الأسرة الحقيقية وإنما ينقل فقط العنف، في غياب ثقافة الحوار.


العنف لا انتماء له


يسود الاعتقاد أن الظاهرة منتشرة بشكل كبير في الأوساط الفقيرة، لكن الأمر غير صحيح، ذلك أن الحالات المعروضة على الشبكة أثبتت أن العنف لا سن له ولا مستوى ثقافي أو اجتماعي، وإنما يتغلغل في كل الأوساط الاجتماع ية، فقط يمكن القول إن نسبة مهمة من الحالات تنتمي إلى الطبقة الوسطى، نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها، بالإضافة إلى الضغوط.
ويؤكد البهجاجي أنه يبدأ من البائع المتجول إلى الأستاذ الجامعي، كما أن هناك بعض الأزواج حاملون لشواهد عليا من داخل المغرب وخارجه بالإضافة إلى دكاترة، وأطر عليا في شركات كبرى وبمرتبات شهرية
عالية جدا، وبالتالي فال حالات تنتمي إلى كافة القطاعات والميادين وليست هناك استثناءات.
ويشير رئيس الشبكة إلى أن أصغر حالة عرضت على الجمعية تبلغ من العمر 26 سنة أما أكبر حالة، والتي يشعر تجاهها بالأسى والأسف، فهي لرجل متقاعد يبلغ من العمر 75 سنة، اعتدت عليه زوجته وابنتاه بالضرب والجرح والطرد من بيت الزوجية ،حيث قمن في البداية بعزله في مكان متسخ في سطح المنزل، وإجباره على تناول الطعام بمفرده بعيدا عنهم، ثم بعد ذلك امتنعن عن إمداده بالطعام ،إلى أن قررن طرده من بيت الزوجية بصفة نهائية.


مهاجر بصفة معنف


هناك حالات من المهاجرين خاصة في الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا تمارس عليهم زوجاتهم العنف القانوني، ذلك أن حملهم للجنسيات الأجنبية يجعلهم خاضعين للقانونين المغربي والأجنبي، في إطار
ازدواجية المساطر، وبالتالي يتلقون أحكاما في بلدان المهجر، وما إن تطأ أقدامهم التراب الوطني حتى يجدوا أن زوجاتهم قد رفعوا ضدهم دعوى قضائية ثانية في المغرب، وغالبا ما تكون الأحكام سببا في عدم عودتهم إلى بلدانهم مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى