خيوط الليل
أطلس توداي : هند بومدين
أُريدُ أَن أَقطُن واحٍدة وَحيدة في كوخِ الذَّاكِرةِ الدافئ أسير عبر خطا وئيدة إلى مدائن النور إلى الصبح المُنجلي من مشهد عابر ، ثم أتنفس رعشة قلبي في زحمة مخالج الشعور الذي يراودني عن نفسي ويذكرني به كل حين.
ف امرأة مفخخة مثلي تقتل بعضها البعض بالمقامرة وتقحم قلبها في معارك نرجسية تشتهي تدوينها كل مرة ك كارثة حقيقية ، امرأة تنتسب إلى العصيان عاقة للبرود ، معارضة للخيبات رغم عنادها ، خداعها ، مكرها.
تغيب باستمرار و تنوب عن تعويض الأحاديث المحترفة التي تلغي كل جرائمها السابقة ،التي طالما أسعفت أمالها الكاذبة و غادرتها بسرعة ، فترفعت عن شماتة الأوقات و وشاية اللحظات العاطلة عن الحياة وراحت تضارِع اللحظة علها تطفو فوق أبواب سبعة كلها تفتح نحو فنتازيا خالصة المتعة ،فيتغير لحن مزاجي بين الحين والآخر غالبا يتواجد قلبي في الظلام يصد انكماشه المرير.
لازال كل شيء منطبع بذاكرتي ، من يولد من رحم الدهشة ويعترضه مخاض عسير ، من يفزعه الموت ويحشره في العتمة سينجو للأبد.
تبا لقد أعفيتُني من شهوة الحياة وركضت في مضمار مختلف تماماً كمن يحاول الهرب من الحياة نفسها ، تتشابه الكوابيس في عالمي لكن لستُ أخافها تطاردني الأحلام بالقصائد و الأشعار والنصوص الساخطة بالحب ، امرأة مثلي لا تمتلك حبيبا لكن الحب يجرّها نحو حلاوته يقضي نحبها في تفاصيل تكتبها عنه ،
و هنا حيث عزلتي الجميلة ، أبحث عن أسباب الفرح المؤجل عن ومضات الانطباع الأول والاعتراف الأول ، عن لحظة البداية والاتصال المفاجئ ، عن الصوت الأعجوبة الذي جعلني أرتطم بطفولتي وأختبئ خلف هذا السحر الذي جعلني أبدو طفرة منه مختلفة تماما.
شعور هائل عاجز تماما عن جمع حقائب الهجرة ، ثم لا احد يستطيع أن ينخلع من ورطة الحب ، أن ينفك من لعبة الغياب و كمين المسافة ، فنحن ننتمي حيث النحيب و الأسى والهزائم، حيث السهاد والخيبة ودهاليز الوحدة.
فأشهد انهياري بطريقة فخمة كل مساء حينما يمضي الضوء بعيدا ،انظر إلى وجهي في المرآة فألمح حكاية امرأة مجردة تماما من الملامح متكئة على جدار الوقت يلسعها الندم ، نادمة جدا على الاحتفاظ بقداسة الأشياء التي أوصلتني إلى ما أنا عليه ، أشياء لطالما حركت في داخلي شعورا غريبا أعجز تماما عن وصفه ، أشياء انجذبت إليها دائما لاكتنازها تفاصيل دقيقة تستهوي قريحتي ، و يا ليثني لم أفعل.
و لا شيء ها هنا يسعف ضياعي ، و كل الجروح تأكل قلبي والندم يشتعل من رؤوس الأصابع ، و الأيام القاتمة تحصد الفرح بمنجل اللوعة ، انه السقم المعتاد يصيبني في أشيائي المكتظة بكومة الشعور القديم و مالحياة التي أعيشها سوى مأزق في غاية الروعة.
ولأنني أعجوبة الحكاية كُنتُ دائِماً ما أَتَّخِذُ مِتراً مِن السِّياجِ لأَختَلي مَع نَفسي أكتُبٌني كآخر الأشياء التي لا تتكرر وأُسَجِّلُ لَحظاتِ الغُروبِ في ذاتي ، ف أَكتُبُ كُلَّ ما كُنتُ أَراهُ فضاعت مذكرتي وذكرياتي و تلاشى كل ما كنت قد سجلته من مخيلتي و انه لمؤلم جدا أن أشهد احتضار شعوري و رؤية المشاعر الدافئة و هي تبتر.
فظلت لحظات الغروب راسخة في ذاكرتي .
غروب ودعت فيه ذاتي و غروب استقبلت فيه ضياعي …
ومنذُ ذاكَ اليَوم
والشمس تُسَجِّلُ غُروبي و غيابي ف أتحسسه بروحي ثم ابتلع هذا الشعور الحلو و أحاول النجاة من قادم أعظم ، هنا گل شيء يترصد أفكاري الهشة المعجونة بسطور طويلة اكتبها عنه.
فأَنا لستُ عالِقاً في الماضي بل ذاكَ الماضي قَد اغتصَبَ حاضِري و من حينها و أنا ضائعة اقبلوا اعترافي
ك إدمانُ الصُّخورِ العَفِنَةِ التي تَستَوطِنُها الطَّحالِبُ، والكُتُبُ المُهتَرِئَةُ التي لامَسَت صَفحاتِها أَجيالٌ مِن البَصماتِ، والمَنازلُ البالِيةُ التي لم تُوصَد نوافِذُها، وحُطامُ الحَضاراتِ التي خلَّفَتها الحُروبُ بلا مَعالِمٍ، وهُتافاتُ القَراصِنةِ التي ضاعَت أَصداءُها في أَعماقِ البِحار
يا للهول
هل حقاً كل هذا الضياع يسكنني …
أقف على شرفة هذا الليل الضخم المُنهزم أمام ملوحة دمعي أمارس نزوتي الغير مهذّبة في الكتابة ، تلك البقع الزرقاء التي تنتشر على جلدي وتمتص الدفء من أطرافي ، ك لون السماء العارية التي تترقب إخفاقي في كل مرّة حتى تعلن تفاصيل السفر إليها ، ندوبي العائمة فوق جسدي ، السواد الذي يغمرني ويحتويني ، هالة مزاجي ،وحدتي ، جموحي ، جنوني و جرحي المرّ
هكذا أنا انزف من قرمز الأشياء الدقيقة التي خَطتْ بعمري الآتي نحو جبٌ المنافي مذ ردح طويل وهي تنتظر عناقي وضّمي إلى أشياءها المتفردة التي استغرقتْ غروبا وجعاً ودهرا لتدويني في أروقتها الخالدة
كان حلمي ك القمر تماماً يضيء ظلمة الخوف المنفي في دمي ، معاً رجفة برجفة نمضي ونرتحل إلى أمس معلق على مشجب الذكرى ، أمس يلوّح لنا بالعودة يداعب الهوى ، يخدش الرؤى و يتوجس مكامن الحنين في جيوب الجوى ورسائل الليل الهائمة بالأحلام .
صوته يعانقني و يناديني من بعيد … مرحباً ، هذا أنا مرة أخرى
كيف حالك يا كلي …
يسألني بشوق مخدر وبعد لحظة يبتسم ويعتذر نيابة عني و عن قلبي الأحمق
لم أكن يوما مجرد اسم ولا رقم ولا حتى شكل ، كنتٌ دائما ذلك الاستثناء العظيم الذي تفرّد به الكون وكسر قواعد الدنيا وأذهل الأرض من حفيف الساعة التي أعلنتْ تكوين صدى أنفاسي وبثّها في قبضة نور فكنتُ انا
بلا ظل .. بلا ملامح .. بلا صوت .. بلا ذاكرة .. بلا لون
أنجبتني الحياة لتخذلني وتجرّني خلف السنين بمحاذاة جدار الوحدة ، لتجلدني بحجم المأساة التي تنتظرني
كنتُ وجها ساخرا تسّرب من إيقاع مسّجى بالندم .. وجه يتهاوى من اتسّاع الزمن
فكبرتُ في كنف ذاتي الضائعة لكن هي الأخرى غادرتني …
كنتُ روحا خلعت عنها الخواء وفُتحت لها بوابة الرحيل و كم هو صارم ذلك الانتظار القاسي و أنا على حافة الرجفة أقتفي الخلاص من هول ما أشعر.
لأَرحَلَ ونَفسي سويّاً مع أَسرابِ الغُرابِ الرّاحِلة فقط لا تنسوني في رحلتكم القادمة فمن عبق الماضي جئت و إلى عبق الماضي سوف أعود و سأسير بين قوافل الذئاب المهاجرة إلى قمم الغياب و أعدكم أني سأتعلم العواء.
وعلى فوهة الأشياء المبعثرة التي تنتظرني أقتفي من سحابة ظلي غيثا أروي به روحي و بمفترق المشاعر التي تلفظني عتمة أسعى لفتح الأبواب المغلقة وتغيير ماهية الغروب .. و بي رغبة ماطرة في تجديد أشيائي القديمة وحصرها في متاهة ذاتي ووراء جيوب الحضور الهادئ أختفي
إني هاهنا أبصرني بصمت
أَن تَبدَأَ حُروفُكَ بالانزِلاقِ مِن آخِرِ صفحاتِ الحَياة و أن تسير خارج حدود الكتاب ..أن تنال حريتك بعد ما أنهيت عذابات فهرسك ..أن تصبح في طي النسيان مشردا تنام على أسرة الأوراق التي لا يقرأها أحد هذا يا عزيزي مآل الحياة
فاقفِز عَن حُدودِ المعقول و أنحر الغياب لا وقت لديك فسرعانَ ما ستغلَق الكتب
أرجوكُم لا تَترُكوني هُنا فهذا الحاضر لا دفء فيه شتات شتات…
كتبت كل هذا لك أيها العابر بين السطور َ
وإن لَم تَفهَم مَقصَدَ حَديثي فغطي جسدك بإحدى الأوراق البالية و اقرأ على نفسك السلام.