رياضة

حين لعب فريق أجاكس “النهيضة ” بقميص الديبلوماسية الموازية

أطلس توداي: واشنطن -محمد الجامعي-

لا يزال الحنين إلى الماضي المجيد يجذبني إليه جذبا، ويأسرني داخل بوثقة الذكريات الجميلة الساحرة التي لا تتوقف عن دغدغة مشاعري وكينونتي في هذا الوجود.

فكلما شعرت بالضيق والظلم والخنق والتهميش، أطلقت العنان لمخيلتي كي تهيم في بحر الذكريات والسفريات الطويلة لاستحضار بعض الصور الرائعة رفقة عناصر الفريق القنيطري ونحن نتوج هنا وهناك، ونرفع العلم المغربي خفاقا في سماء الملتقيات الدولية ونحن ننشد بكل فخر واعتزاز منبت الأحرار.. لكن، لماذا يحاول البعض، عبثا، ومع سبق الإصرار والترصد محو تاريخ طويل من عمر هذه الرياضة التي باتت جزءً لا يتجزأ من حياتي و وجودي، بعدما بلغت بها العالمية عن جدارة واستحقاق، وبإمكانيات ذاتية محضة منبثقة من رحم المعاناة، ومن ثقتنا الكبيرة في العمل الجبار الذي كنا نقوم به على أكثر من صعيد.

ففضلا عن مشاركاتنا المتعددة وتتويجات فريقنا وصعوده البوديوم بمختلف العواصم العالمية، كنا بالموازاة لذلك نعمل على توطيد العلاقات الديبلوماسية مع مختلف الدول التي نواجه فرقها أو منتخباتها. لِذا، يستحيل بين عشية وضحاها تهميشي ومحاولة محو وتجاهل كل ما قمت به من إنجازات وتضحيات طيلة ما يقرب من ثلاثة عقود. لن أسكت، وسأواصل الصراخ والتنديد إلى أن أُوصِل صوتي وأُسمِع مَن به صَمَمُ.
كيف يريدون تهميشي وإسكاتي وأنا الذي ناضلت بإمكانياتي الذاتية على واجهتين، تكوين فريق منسجم يحقق النتائج الإيجابية أينما حل وارتحل، ثم لعب دور الديبلوماسية الموازية التي لم يُمليها علينا أحد، بل كانت دوما نابعة من وطنيتنا المتأصلة التي تجري في عروقنا مجرى الدم، والتي رضعناها من أثداء أمهاتنا اللواتي زرعن فينا حب الوطن منذ نعومة أظافرنا.

نعم، كل ما أنجزناه وحققناه كان بمحض إرادتنا ومن غير إملاءات، وبإمكانياتنا الذاتية المعتمدين فيها على علاقاتنا القوية التي كسبناها بفضل اسم فريق أجاكس القنيطري الذي شكل حجر الزاوية في بناء صرح كرة الصالات بالمغرب.
ولعل من أهم اللقاءات التاريخية لفريق أجاكس القنيطري على المستوى الديبلوماسي، الاستقبال الشهير الذي خص به البابا بولس يوحنا الثاني صغار أجاكس بالفاتيكان، والذي تصدرت فيه عناوين كل الجرائد العالمية والإيطالية على وجه الخصوص منوهة بهذا الفريق المغربي صاحب العلم الأحمر الذي تتوسطه النجمة الخماسية الخضراء. وهو استقبال خالد لم يحققه أحد قبل أجاكس ولا بعده. كما لم يكن أكثر المتفائلين ينتظر دعوة الشيخ سعد آل نهيان ابن آل نهيان أمير الإمارات العربية لتمثيله في دوري دولي ينظم من طرف شيوخ الإمارات خلال شهر رمضان، وذلك بعد وقوعه في عشق هذا الفريق خلال مشاركتنا في النسخة الأولى للبطولة العربية بمصر والتي تسيّد فيها لاعبونا وأمتعوا الجماهير الغفيرة بفنياتهم وعلو كعبهم لحد الإبهار لولا ظلم التحكيم الذي انحاز في المباراة النهائية للفريق المنظم. وقد اعتبرنا هذه الدعوة من سمو الأمير تتويجا لمجهوداتنا الرياضية ونجاحا للديبلوماسية الموازية المغربية. بل الأكثر من ذلك، فبعد تلقينا لهذه الدعوة بأسبوع واحد، اتصل بي أحد الوكلاء المغاربة يطلب ود الفريق كي يمثل شيخا آخر بالإمارات العربية، وهو رئيس فريق السعيديات لكرة القدم الذي يلعب في الدرجة الأولى بالبطولة الإماراتية وقتذاك، لأجد نفسي بين أمرين أحلاهما شهد وعسل. فاهتديت إلى تشكيل فريقين اثنين، الأول احتفظت له باسم أجاكس القنيطري، والثاني باسم الشيخ رئيس فريق السعيديات الذي طلب مني إضافة أحد لاعبي ميكسيكو 86، فوقع الاختيار على المرحوم عبد المجيد الضلمي لشعبيته الجارفة في كل الدول العربية وللمستوى الرفيع الذي قدمه في كل مباريات المونديال.

وقد شارك في هذا الدوري الدولي الرمضاني أربعة وعشرون فريقا ( 24 فريقا ) يمثلون مختلف الدول العربية، ومن حسن الصدف أن كان المنتخب المصري حاضرا بكل نجومه، فانتصرنا عليه في المباراة الافتتاحية ثم في المباراة النهائية التي جمعتنا به، ونفوز بالدوري من جهة، ومن جهة أخرى لنؤكد لمسؤوليه بأننا كنا الأفضل في النسخة الأولى للبطولة العربية التي احتضنتها بلادهم.
لم يكن فريق أجاكس القنيطري فريقا عاديا يسافر من أجل السفر أو من أجل المشاركة فقط، بل كان منذ ولادته يسعى أيضا لتمثيل الوطن أحسن تمثيل، إذ كان بالموازاة مع اللعب يشترط لمشاركته في أي دوري دولي، اللقاء بمسؤول ديبلوماسي في البلد المنظم. وغالبا ما كانت تصدر عن تلك الشخصيات تصريحات تثلج الصدر.

وأتذكر على سبيل المثال لا الحصر، عندما استقبلتنا عمدة مدينة بون بقصر عاصمة ألمانيا الغربية قبل سقوط جدار برلين وتحويل العاصمة من بون إلى برلين. لم يكن طقس ذلك اليوم باردا ولا سماء مكفهرة بالغيوم الرمادية القاتمة كالمعتاد، بل كان الطقس جميلا وكأن الشمس أطلت علينا من عليائها مرحبة مستبشرة بقدومنا. وعند دخولنا القصر وبمعيتنا بعض الشخصيات من السلك الديبلوماسي المغربي المعتمدين بالسفارة المغربية ببون، تقدم أحد مرافقينا الذي يتقن اللغة الألمانية بكلمة شكر فيها العمدة على الاستقبال، وعرّف بفريقنا وسبب زيارته لألمانيا الغربية، لتأخذ بعده الكلمة مرحبة بكل أعضاء الوفد المغربي، ولتؤكد بأن سبب استقبالها لنا هو كوننا فريق رياضي شاب بطموحات كبيرة وبعقلية متفتحة تجعل من الرياضة جسرا حقيقيا للتواصل بين الشعوب، ودون اعتبار للجنسية والديانة واللغة، مضيفة كلاما جميلا في غاية الروعة، ظل محفورا في ذاكرتي منذ ذلك اليوم، وهو عندما قالت : ” ولحسن نواياكم وأهدافكم النبيلة في توطيد العلاقات بين البلدين، فاعلموا أنني عجلت باستقبالكم قبل استقبال الرئيس المصري حسني مبارك نفسِه، والذي سيزور ألمانيا لأول مرة بعد توليه رئاسة جمهورية مصر العربية “.

وبعد نهاية كلمتها المؤثرة، التقطنا بمعيتها بعض الصور التذكارية التي تخلد للحدث، ثم غادرنا القصر تاركين هذا الأثر الطيب في نفوس المسؤولين الألمان.
وتكررت مثل هذه اللقاءات مع عدد كبير من عمداء مختلف العواصم الأوروبية والأمريكية، سواء كفريق أجاكس القنيطري أو كعضو داخل الجامعة الدولية ” فيفوزا ” في المؤتمرات التي كانت تنظم في مختلف الدول.
فلإيماني القوي بالدور الكبير الذي تلعبه الرياضة، في تقارب الشعوب ودورها الفعال في الديبلوماسية الموازية، كنت أحرص دوما في كل السفريات خارج الوطن على الاتصال بالسفراء المغاربة المعتمدين في تلك الدول، لأبلغهم بحضوري والغرض الذي جئت من أجله، فيخصصون لي استقبالا بمقر السفارة. وأتذكر المؤتمر العادي للفيفوزا الذي حضرته بالمكسيك سنة 1996 وبمعيتي زوجتي، اتصلت بالسفير هاتفيا فرحب بي واستدعاني لزيارته بمقر السفارة، فوصلنا في نفس التوقيت، وكان مرتديا زي البيعة، أي جلباب وسلهام ناصع البياض وطربوش أحمر. وبعد أن تبادلنا التحية وقدمت له نفسي وسبب زيارتي للمكسيك، عزمني إلى الداخل فجلسنا نتبادل أطراف الحديث لأكتشف إلمامه الكبير بالرياضة، لكونه كان لاعبا لكرة السلة ضمن فريق الجمعية السلاوية، وكان يسمع عن فريق أجاكس القنيطري.

وفي معرض حديثه أخبرني بسبب ارتدائه لهذا الزي الرسمي، إذ كان عائدا للتو من القصر الرئاسي حيث قدم أوراق اعتماده للرئيس المكسيكي، وفضل استقبالي قبل الذهاب إلى البيت لتغيير تلك البذلة حتى لا يتركني أنتظره لوقت طويل. وقال لي بالحرف : ” أنا جد سعيد للقاء بك، وسأحتفظ بهذا اللقاء كأول استقبال لشخصية مغربية وطنية بعد تسلمي لمهامي الرسمية بدولة المكسيك “. ثم عزمني رفقة زوجتي للحفل الذي سيقيمه في اليوم الموالي بأحد الفنادق على شرف الهيئات الديبلوماسية وسفراء الدول بمناسبة تنصيبه. كم كنت سعيدا لسماع هذا الثناء في حقي كأول شخصية مغربية وطنية من المسؤول الأول على العلاقة الديبلوماسية المغربية بالميكسيك.
كان فريق أجاكس أينما حل، يستقبله سفراِؤنا ويرحبون به، بل غالبا ما يحضرون مقابلاته، الشيء الذي يزيد من حماس اللاعبين ويحفزهم على تقديم أحسن اللوحات الفنية على رقعة الملعب. وكان أولئك السفراء، من جهتهم، يرفعون تقارير مفصلة إلى وزارة الخارجية منوهين بإنجازاتنا والأجواء العامة للفريق من حيث الانضباط والتمثيلية المشرفة للاعبين داخل الملعب وخارجه.
لم يحظَ فريق أجاكس بالتشجيع والتنويه من سفرائنا فقط، بل من السدة العالية بالله أيضا، جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده عندما كان وليا للعهد، حيث توصلنا برسالة دعم فعلي سنة 1994 عندما كنا مقبلين على تمثيل المغرب في أول مشاركة في كأس العالم بالأرجنتين، ورسالة تنويه من جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه بعد عودتنا من ذات المشاركة بالأرجنتين.
وفي سنة 1997 لما حضرت مؤتمرا بكاراكاس عاصمة فينزويلا، تم استقبالي من طرف رئيس الدولة رفائيل كالديرا قبل نهاية ولايته بأسبوعين، بالقصر الرئاسي. وتزامن الاستقبال مع الحملة الانتخابية لرئاسة الدولة.. وبقي مرشحان اثنان يتنافسان على كرسي الرئاسة، هما تشافيز المعروف بعصبيته وعدائه لأمريكا ورئيسها بوش الغبن الذي ما مرة تنعته بالشيطان في خطاباته بالأمم المتحدة، وهو الذي ربح الانتخابات أمام منافسته إيرينا سايس ملكة جمال العالم التي خسرت المقعد عن طريق التزوير كما صرحت بذلك وغادرت البلاد لتستقر إلى يومنا هذا بميامي بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد عملت على الاتصال بها وطلب اللقاء بها، فاستقبلتني بمكتبها بميامي. وهو ما حصل مع عمدة بروكسيل وموسكو وساوبولو وعدد كبير من عمداء المدن وعواصم العالم.
عندما حل موعد المونديال لسنة 2000 بدولة بوليفيا، وبحكم أننا أعضاء منخرطين في الجامعة الدولية لكرة الصالات، لم نقبل أن يبقى مقعد المغرب شاغرا، سيما وأننا المنتخب الإفريقي الوحيد داخل هذه المنظومة المعول علينا في رسم خريطة العالم كاملة بدون بتر في هذه البطولة العالمية، بل وسيكون لنا كامل الشرف أن نمثل القارة السمراء أحسن تمثيل لما يمتلكه لاعبونا من تجربة. فقمت بجميع الترتيبات دون أن أنتبه إلى كون دولة بوليفيا لا تربطها بالمغرب أي علاقة ديبلوماسية، بمعنى لا توجد بالمغرب السفارة التي يمكنها أن تمنحنا تأشيرة الدخول لأراضيها، فضلا عن كونها ضمن الدول المعارضة لمغربية الصحراء. وهنا وجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه. ولم يكن امامي سوى استشارة البلد المنظم، وكذا الجامعة الدولية. وكان الحل الوحيد الذي اقترحوه علي هو السفر إلى إسبانيا ثم طلب التأشيرة من هناك. هو حل منطقي ما لم يكن يحتاج بدوره لتأشيرة شينغن لدخول إسبانيا في ظل تشويه الجامعة الملكية المغربية لسمعتي لدى السفارات الأوربية، ( وهذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقا ) قضيت ليلة بيضاء دون أن يغمض لي جفن وأنا أبحث عن الحل، فاهتديت إلى السفر عبر ساوبولو البرازيلية التي لا تتطلب أي تأشيرة، وبالوصول إليه نخرج من المطار إلى القنصلية البوليفية للحصول على التأشيرة ثم العودة مرة أخرة إلى المطار لنقلع في اتجاه مدينة سوكري عاصمة بوليفيا. ولإنجاح هذه العملية أو الخطة الجهنمية، طلبت من الجامعة الدولية ومن اللجنة المنظمة أن تترك القنصلية مفتوحة لضمان التأشيرة في أسرع وقت، وبالفعل تمت العملية بنجاح.
وفي حفل الافتتاح الذي حضره رئيس الدولة البوليفية وعدد من شخصيات السلك الديبلوماسي المعتمدين هناك، مر الوفد المغربي حاملا العلم الوطني، وتم عزف النشيد الوطني منبت الاحرار في عقر الدار.
وبعد نهاية العرس العالمي، عدنا إلى أرض الوطن دون أن تهتم بنا أي جهة. وبعد شهر، وأنا أتابع الأخبار المسائية على القناة المغربية، أتفاجأ بالوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي وهو يقوم بزيارة خاصة لبوليفيا، فيتم ربط العلاقات بين البلدين وتفتح السفارتان شبابيكها وأبوابها في وجه الشعبين… لن أقول بأنني كنت السبب في ذلك، ولكنني تركت بصمتي قبل اليوسفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى