تمغربيت…. أو قصة تلاحم منقطع النظير
أطلس توداي: الرباط -لطيفة بجو –
هكذا هم المغاربة، دائما ملتحمين ومتضامنين ومتحابين ويدعمون بعضهم البعض في الأفراح والمسرات، كما في الشدائد والمحن… فتغيب حينها كل الخلافات، وتختفي الصراعات وتُنسى أسباب النزاعات. يصبح الجميع كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد، كما قال نبينا الكريم عليه السلام.
منذ الساعات الأولى لصبيحة يوم السبت الماضي، ودعوات التآزر والتعاون تتقاطر عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ما لقي استجابة فورية من طرف المواطنين؛ من بماله ومن بسيارته ومن بجهده أو وقته أو دمه، ومن بدعواته. في غضون بضع ساعات، تم تجميع الأطنان والأطنان من التبرعات العينية من مواطنين لبوا دعوات الجمعيات المدنية والمؤثرين الاجتماعيين. أعلنت مصحات خاصة وأطباء وأخصائيين نفسيين عن استعدادهم لاستقبال المصابين والمتضررين داخل عياداتهم وتوفير الدعم الصحي والنفسي لهم، إلى جانب من وضعوا أنفسهم وسياراتهم رهن الإشارة من أجل حمل ما تم تجميعه من مواد غذائية وملابس وأغطية لإيصالها إلى المنكوبين… مهندسون معماريون أيضا عبروا عن التزامهم بتقديم الدعم والمساعدة االتقنية من أجل إعادة إعمار المباني المتضررة لاحقا، وغيرهم كثير من التخصصات التي اقترح أصحابها خدماتهم.
إنه التحام منقطع النظير. التحام شعب بأكمله وبكل مكوناته وفئاته، وتضامن عفوي وتطوعي بمبادرات فردية وجماعية. مئات القوافل تتوجه كل يوم صوب المنطقة المنكوبة، اندهش لها العالم وتتحدث عنه القنوات الدولية. نساء ورجال وأطفال أيضا هبوا لدعم السكان الذين صار أغلبهم، في رمشة عين، بدون مأوى، وكثيرون منهم فقدوا عائلاتهم، وأصبح العديد منهم يتامى وأرامل وثكالى وبدون من يعولهم مستقبلا. أشخاص مسنون خرجوا للتعبير عن استعدادهم للمساعدة وآخرون قدموا أجرة شهر من رواتبهم، وأخرى تبرعت بخاتم زواجها لأنها تريد المساعدة، لكنها لا تملك غيره. إنهم المغاربة، ينطبق عليهم قوله تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”. بل إنها باختصار “تمغربيت”.
تعبئة شاملة وتضامن أبان عنهما الشعب المغربي منذ اللحظات الأولى لحدوث الفاجعة ومعهما، عن معدنه الحقيقي الأصيل. لقد شاهدنا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مئات السيارات والشاحنات المحملة بالمساعدات، كما رأينا طوابير المواطنين وهي تنتظر من أجل التبرع بدمها لمصابي الزلزال. تحرك المجتمع المدني ومعه المواطنون الذين تنَظموا حتى تصل الشاحنات المحملة بالمساعدات إلى كل المناطق المصابة. صحيح أن زلزال الحوز قد خلف خسائر مادية جسيمة والمئات من الشهداء والمصابين، وللملمة الجراح ستتطلب ربما شهورا وسنوات، إلا أنه أيضا كان فرصة جديدة أظهر الشعب من خلالها روح التعاون والإخاء والعطاء التي يتميز بها والتي يعرف بها عند كل الأقطار.
ثمة حقيقة لا بد لنا من الاعتراف بها؛ فالمغرب ليس من الدول الغنية التي تمتلك الإمكانيات المادية واللوجيستية الكافية لإنقاذ سكان كل المناطق المنكوبة، لكنه يستطيع أن يعول على أبنائه. لا يمكن قبول اقتراحات الدعم التي تقدمت بها دول صديقة، لصعوبة تنظيمها مؤسساتيا ولوجيستيكيا، لذلك تبقى كل أشكال الدعم الداخلية مرحبا بها، لمساعدة الجهات الرسمية المعبأة، من جيش وقوات مساعدة وأمن ودرك ملكي وغيرهم ممن يسابقون الزمن منذ أيام من أجل إنقاذ من/وما يمكن إنقاذه. وبقدر عمق حزننا على فقدان الآلاف من إخواننا المغاربة وعلى كل الخسائر التي تسببت فيها الفاجعة، بقدر ما نشعر ببعض الفخر عند رؤية هذا التضامن والتآزر في مجتمعنا. فنتيقن أنه لا خوف على مستقبل أولادنا وأحفادنا.
أخيرا، نوجه رجاء صغيرا لبعض المتطفلين ومن يتحينون الفرص ويبحثون عن البوز واللايكات واستحسانات المواطنين، وآخَر لمن ينشرون الأخبار الكاذبة التي تخلق الفتنة والرعب لدى إخوانهم المغاربة. لكل هؤلاء نقول: الزموا الصمت من فضلكم، وابقوا في منازلكم، لأنكم أحيانا كثيرة تزعجون وتعيقون عمل المنقذين وفرق الإغاثة، أكثر مما تساعدون.
في الختام، لا يسعنا إلا الدعاء لكافة الشهداء بالرحمة والمغفرة، والتضرع إلى العلي القدير بأن يسكنهم فسيح جنانه، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.