آراء وأعمدة

الكاتب والاعلامي العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج إسماعيل

دوري الشركات المصري

قال أحدهم إن غرفة خلع الملابس بين شوطي مباراة الأهلي والزمالك شهدت تعليمات مشددة للاعبي الأهلي بالاكتفاء بفارق الأهداف الثلاثة في الشوط الأول، ولهذا لعبوا بهدوء شديد في الشوط الثاني دون مبرر فني، فلا الزمالك يملك نوعية لاعبين قادرين على مجاراتهم، ولا البدلاء الذين نزلوا في الشوط الثاني قادرون على إحداث أي فارق، فجودتهم لا تزيد إن لم تكن أقل من زملائهم.
وعندما سجل الزمالك هدفه الوحيد تحرك لاعبو الأهلي كالطوفان ليسجلوا الرابع ويحافظوا على فارق الأهداف الثلاثة، وكان يمكنهم أن يسجلوا هدفا خامسا خلال الوقت بدل الضائع ولكنهم لم يفعلوا.
لا أميل إلى تصديق مثل هذا الكلام الذي استند على سبب واحد هو الرغبة في حفظ كرامة زملائهم لاعبي الفريق المهزوم.
جائز أن لاعبي الأهلي فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، فهم ولاعبو الزمالك أصدقاء خارج الملعب، وبعضهم زملاء في المنتخب الذي سيحمعهم بعد قليل في مباريات المجموعة الأولى لبلوغ نهائيات كأس العالم، وقد أصبح حلما قريب المنال في مجموعة سهلة للغاية. وقد رأينا حارس الأهلي الشناوي يواسي بحنان بالغ نجم الزمالك زيزو عقب المباراة ويقبل رأسه.
الأهلي كان يمكنه بالفعل تسجيل خماسية أو سداسية خلال الشوط الأول فقط، ولو صار برتم الأداء نفسه في الشوط الثاني لسجل عددا تاريخيا من الأهداف لم يشهده دوري عربي من المحيط إلى الخليج أو حتى دوري مدارس في مصر.
كان الأهلي يلاعب نفسه، ولو في حصة تدريبية لعجز عن التسجيل بسهولة غزو مرمى الزمالك، بينما لم نجد من الأخير إلا أشباحا فاقدي القدرة على الحركة، زائغي النظرات، مثيرين للشفقة يستحقون استدعاء القلوب الرحيمة في الأهلي للرأفة بهم أو الأقل الرأفة بجماهيرهم الكبيرة، وفيهم نخبة من المسؤولين الكبار ومن الفنانين والأدباء والكتاب.
الزمالك وأندية المحافظات التابعة للحكومة تنسحب تدريجيا من الساحة الكروية لنقص المال، وهو ما يستطيع الأهلي تدبيره بفضل المهارة الاقتصادية التخطيطية لإدارته وجهاز التسويق وعائد منافساته الخارجية، كبطولة الأمم الأفريقية ومونديال الأندية.
كرة القدم ثلاثة أرباع التفوق فيها يرجع للاقتصاد، وفي دولة فقيرة كمصر يجد أغلب الناس بالكاد نفقات حياتهم اليومية، لا يمكن الاستمرار لناد كأسوان في أقصى الصعيد الذي هبط إلى القسم الثاني، ولا غزل المحلة الذي هبط أيضا رغم أنه في الأصل نادي شركة إلا أنها لم تعد مالياً كما كانت قبل عقود بسبب أن مصر بشكل عام تأخرت في الغزل والنسيج وصناعة الملابس، وصارت دولة فقيرة ومتأخرة هي بنجالاديش تتقدم عليها بمراحل، ولا نقول الهند والقطن الهندي.
الدوري المصري تهيمن عليه الشركات، وفي الموسم الجديد ستكون لها الغلبة أكثر. ليس الشركات وحدها، بل المؤسسات وحزب سياسي يقال عنه إنه حزب الدولة والأغلبية البرلمانية.
كلها أندية ليست لها جماهير، مثل انبي وطلائع الجيش والوافدين الجديدين العائليين.. زد والجونة لعائلة المليارديرات آل سويرس، وفيوتشر، وكان سابقا عند صعوده باسم شركة كوكاكولا قبل تحوله لنادي يتبع حزب سياسي، وسيراميكا كليو باترا، والبنك الأهلي، وشركة الدواء “فاركو” إضافة إلى ناد خاص يملكه مستثمر خليجي هو بيراميدز.
هذه الأندية تستطيع اقتصاديا الانفاق ولكنها لا تملك قاعدة جماهيرية. قد يتناسب ذلك مع مزاج الدولة التي لا تسمح إلا بعدد محدود من الحضور الجماهيري، وكانت إلى وقت قريب تحظره كليةً، إلا أنه ليس من أبجديات الكرة التي تمتع الجماهير وتفتح باب المنافسة.
يستطيع أي مراقب خارجي القول إنه دوري شركات وليس دوريا عاما، وإن الأهلي سيفقد مستقبلا الدافع للإجادة والتخطيط الجيد عندما يفتقد منافسة الفرق الجماهيرية وفي مقدمتها خصمه القاهري اللدود الزمالك.
لا أعلم كم من الزمن سيستمر النجاح الاقتصادي للأهلي في ظل ذلك المناخ وتغييب جماهيره المليونية عن المدرجات، واقتصار منافسيه على أندية تمثل شركات ومؤسسات وعائلات مالية ليس لها مشجع واحد سوى أجهزتها الفنية؟!
الأمر جد خطير إذا لم ترفع الدولة يدها عن الأندية الجماهيرية وتطرحها لمستثمرين كما الأندية الإنجليزية، مثل مانشستر سيتي ومالكه الإماراتي الشيخ منصور بن زايد الذي أصبح بفضل ماله ومجموعة السيتي التي أسسها، النادي الأول في العالم، وخلق امتيازا سياسيا كرويا للإمارات في نهائي أبطال أوروبا في اسطنبول، شاهدناه في حضور الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات بجانب الرئيس أردوغان، وتقديمه لشقيقه بسعادة غامرة وهما يحتفيان بالبطولة.
معنى ذلك المشهد كان سياسيا بامتياز في بطن الشاعر، فالشيخ منصور رجل سياسي باعتباره نائب رئيس الدولة.
باقي الأندية الجماهيرية ستسقط تباعا، فقد نجا الاسماعيلي بأعجوبة، ولكنه لن يفلت الموسم القادم، والزمالك ليس بعيدا فهو أيضا ناد فقير ماليا لا يمكنه منافسة أندية الشركات في أسعار اللاعبين المرتفعة، وقس على ذلك الاتحاد والمصري.
قانون الرياضة يسمح بنسبة 49% لمستثمر والنسبة الغالبة للحكومة ممثلة بمجالس إدارة منتخبة.
أي مستثمر مصري أو خليجي لن يرضيه المجازفة بماله واستثماراته في ظل مجالس إدارة تستنزف الوقت والخطط في مصادمات وخناقات. المال يجب أن يلد مالا وإلا ما الفائدة التي سيجنيها المستثمر؟!
الدولة تطرح أصول وشركات ومصانع رابحة من أجل توفير حصيلة دولارية فما المانع من طرح أنديتها وبنسبة 100٪؜ خاصة أنها أندية خاسرة تصرف عليها الدولة من ميزانية ينبغي توجيهها لمعيشة الناس الضرورية، وهي ليست الأهرامات أو قناة السويس حتى يخشى من بيعها.
تردد أن المستثمر الإماراتي الملياردير خلف الحبتور قدم عرضا لشراء نادي الزمالك وأن الدولة تدرسه.
الحبتور لو حصل على الطرح كاملا غير منقوص سيكون إضافة اقتصادية مهمة للحصيلة الدولارية في مصر، فهو يملك شركات ومجموعات داخل الإمارات وداخل اقتصاديات كبرى مثل الولايات المتحدة وانجلترا.
وإذا فتحت له الأبواب سيأتي رجال أعمال ومال آخرون وستمتلئ السلة المالية ويتقدم الدوري المصري عالميا بدلا من وضعه الحالي والقادم كدوري للشركات!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى