آراء وأعمدة

الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج إسماعيل

الحنين إلى الملكية
في مشهد فيه الكثير من الاحتفاء زار ملك مصر السابق أحمد فؤاد الثاني موقع مطعم باسم والده “مطعم فاروق الخيري” في حي باب الشعرية الشعبي في وسط القاهرة.
أنشأه عام 1932 جده الملك فؤاد الأول في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم لتقديم وجبات للفقراء.
وكان يقدم الوجبات بقرش صاغ أو تعريفة (نصف قرش) أو مجاناً لمن لا يملك المال.
الجنيه المصري يساوي 100 قرش قبل إلغاء تلك الوحدة النقدية منذ سنوات قليلة.
المبنى صغير وقديم تعلوه حتى يومنا هذا لافتة “مطعم فاروق الخيري”.
هل هو الحنين إلى الملكية من أجيال مصرية جاءت بعدها وقرأت عنها فقط أو سمعتها من الآباء أو كبار السن الذين وعوا على السنوات الأخيرة من تلك المرحلة.
الملك أحمد فؤاد الثاني كان وليا للعهد رضيعا عندما خلع والده الملك فاروق في 23 يوليو 1952، وتم إعلانه ملكا تحت الوصاية، ثم خلعه بعد فترة قصيرة وإعلان “الجمهورية”.
يبدو لي أن العالم كله يشهد موجة حنين إلى النظم الملكية السابقة، فالجمهوريات التي بدأتها الثورة الفرنسية لم تأت للناس بالطعام وفشلت في فتح أبواب الرزق وورطت شعوبها في منافسات الزعامة والمكائد والحروب التي لا سبب لها ولا طائل من وراءها إلا الخراب وتبديد المقدرات.
نتابع حكايات الملك تشارلز الذي يجلس على أقدم العروش، مع ولده هاري دوق ساسكس وزوجته ميجان ماركل، وولي عهده وولده الأكبر وليم أمير ويلز وزوجته كيت مادلتون “الأميرة كاثرين” التي من المفترض أنها ستصبح الملكة القادمة أو زوجة الملك القادم إذا ما تولى العرش بعد عمر طويل للملك الحالي.
ومع المتابعة نكتشف أن الملايين تتابع مثلنا، وأن مذكرات هاري “قطعة غيار أو الاستبن Spare” باعت نصف مليون نسخة في أول يوم عند طرحها في يناير الماضي.
هاري هو ابن الراحلة ديانا حبيبة الملايين في جميع أنحاء العالم، وقد تخلى عن أي ارتباطات بالقصر والعرش، ولم يعد أميرا ولا صاحب سمو، وطرد من بيته الريفي في قصر وندسور التاريخي، ولم يعد له بيت ينزل فيه في مملكة أجداده العريقة في سبيل زواجه من الممثلة والمطلقة الأمريكية، على طريق عمه الملك إدوارد الثامن في الثلاثينيات الذي تنازل عن العرش من أجل زواجه من مطلقة أمريكية أيضا تزوجت مرتين قبله، ما يتنافى مع تقاليد العرش البريطاني وتعاليم كنيسة انجلترا التي كانت ترفض زواج المطلق.
هناك مقارنة مستمرة بين شفافية النظم الملكية وحياة شعوبها الأكثر راحة وبين انغلاق الجمهوريات وسك أبوابها لمنع ما قد يتسرب عنها من معلومات أو أخبار، رغم أن مبرر قيامها هو الديمقراطية والحريات.
الحنين إلى الملكية هو حنين إلى الديمقراطية والأبواب المفتوحة والأمان. لا يوجد دولة أكثر ديمقراطية وشفافية من بريطانيا، ولا يوجد أكثر راحة واستقرارا ودواما للثروة وانجازا للتنمية من المملكة العربية السعودية، وهو أمر لا يرجع لانتاجها من النفط، وإنما لقدرتها على صون الثروة وعدم تبديدها.
هناك جمهوريات كانت غنية جدا، ربما أكثر من السعودية مثل العراق وليبيا، لكن الحكم غير الرشيد بدد ثرواتها في حروب ومغامرات انتهت إلى استجداء الناس للقمة العيش!
قد لا يعلم كثيرون أن ماليزيا مملكة وأن على رأسها ملكا يتابع مثلنا مباريات كرة القدم، وشاهد مونديال قطر من شاشة في قصره. لم يعلن الحرب على أحد ولم يجعل نفسه الحاكم بأمره، وترك الأمر لحكومات منتخبة حولت بلدا فقيرا إلى نمر صناعي عظيم.
لا يمكن نسيان المملكة المغربية التي يعتبر عرشها هو الأعرق في المنطقة. حضرت أحد انتخاباتها وتمتعت ببلد آمن لا يقف على مفترق أي صراعات في ظل انسجام بين عرقيات وأديان يحكمها العدل والمساواة.
وقد وعيت في الصعيد الذي اننتمي إليه بحكم المولد والنشأة قربا للعرش المغربي من خلال كتابات ترحيب على بعض مباني البر الغربي لمدينة الأقصر بالملك محمد الخامس ظلت محفورة إلى وقت شبابي وتعليمي المدرسي، يوم جاء لزيارة واحد من كبار أقطاب الصوفية، الشيخ الطيب، جد شيخ الأزهر.
العروش تدق على القلوب، بينما الجمهوريات، حتى العظمى منها تسعى للمغادرة.
هذا بوتين رئيس روسيا تصدر ضده مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وذاك ترامب رئيس أمريكا السابق يدعو على وسائل التواصل إلى خروج أنصاره للاحتجاج لأنه يتوقع اعتقاله يوم الثلاثاء، وعمران خان رئيس وزراء باكستان السابق يرفض المثول للمحاكمة بتهم فساد خوفا من السجن ويحشد أنصاره حول منزله في لاهور للمقاومة وإثارة الشغب قبل أن تقتحم الشرطة المنزل وتعتقل بعض الأنصار.
ذلك يحدث في ظل أزمة معيشة غير مسبوقة في باكستان ونفاد احتياطها النقدي.
الشعوب تحن للملاذ المفقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى