آراء وأعمدة

الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم قهوة فراج إسماعيل

التجار من غزوة نابليون إلى غزوة الدولار…..

كان التجار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يصنفون ضمن الطبقة البرجوازية.
في معظم بلاد الدنيا وفي كل الأزمات لم يفكروا إلا في الربح ولو كان الثمن على حساب استقلال الوطن وسلامة بنيته الاجتماعية.
دمروا مبادئ الثورة الفرنسية حين انقلبوا عليها ووأدوها بالاشتراك مع نابليون بونابرت، وتسببوا في أزمات داخلية بدأت برفع الأسعار وامتصاص أموال الناس البسطاء.
فكانوا السبب الرئيس في إطلاق عصر الاستعمار والامبرالية وتشويه الديمقراطية الأوروبية، فأطلق عليها كارل ماركس ولينين “الديمقراطية البرجوازية” واخترعا لمواجهتها ما أطلقا عليه “الديمقراطية الاشتراكية” فكانت وبالا وشرا مستطيرا على الدول التي آمنت بها وبينها دول عربية.
وعندما تعرضت مصر لغزو أسطول وجيش بونابرت، استغل التجار ظروف الحرب برفع الأسعار، بما فيها أسعار الرصاص والبارود اللذين كان الصعاليك والفلاحون يتسلحون بهما لمواجهة الغزو، ولأن الأموال كانت شحيحة لم يجد هؤلاء الفقراء إلا الشوم والعصي ليقاتلوا بها ولذلك سقطت القاهرة سريعا بعد الإسكندرية، رغم أن تاريخها كما يقول الجبرتي يشهد بأنها طالما استعصت على الغزاة والمغامرين.
وطيلة حروب المجاهدين الأفغان لعب التجار دورا سلبيا بالبحث عن أرباح الحرب. أغروا المزارعين على زراعة الأفيون والحشيش وسائر نباتات المخدرات على حساب المحاصيل الزراعية التي يحتاجها شعب فقير لا يزال يعيش على المعونات. لا شيء غير الربح يحركهم.
المعاناة المعيشية التي تعيشها بعض الشعوب العربية وراءها التجار الذين لا يتوقفون عن رفع أسعار سلعهم بمبررات فارغة كحرب أوكرانيا أو الارتفاع المستمر للدولار.
بل صار بعضهم في مصر يبيع سلعته المستوردة بالدولار على أساس أنه لا يضمن سعره غدا أو بعد غد، فهو لا يريد أن يخسر حسب زعمه إذا باع سلعته بالجنيه الذي يواصل الهبوط، سيما أنه سيستورد المزيد وحينئذ سيحتاج إلى الدولار ولن يجده إلا في السوق السوداء بأسعار ترتفع على مدار الساعة.
الجهاز الاقتصادي للدولة ليس بريئا، لكن التجار يتحملون مسؤولية كبيرة، بدءا بإرهاق الناس بأسعارهم نهاية بخلق الدولرة والسوق السوداء.
يتحدث الصحفي والمؤرخ الراحل صلاح عيسى في كتابه “البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة” إن البرجوازية التجارية المصرية كانت مجرد دمى في تشكيلات المؤسسات التي أنشأها نابليون في مصر. الديوان الأول جاء بتسعة من المشايخ التجار، ولما أعيد تشكيله وضم 60 عضوا، كان منهم 26 من التجار والصناع، وعبر الممثلون التجار عن مراكز الثقل في التجارة المصرية آنذاك.
وفي تشكيله للديوان الخصوصي أو مجلس الوزراء أعطى معظم المقاعد للتجارة.. اثنان من التجار واثنان من الأقباط كانا تاجرين واثنان من السوريين تاجران أيضا، وثلاثة من الأوربيين بينهم تاجران.. كل هؤلاء مقابل 5 علماء.
ما بين غزوة نابليون في القرن الثامن عشر وغزوة الدولار الحالية لا يوجد فرق كبير.
استغلال الأزمة لمزيد من الربح وامتصاص دماء الناس بالرفع المستمر للأسعار.
لم تعد هناك في الحقيقة أمام غول الغلاء سوى طبقة رجال أعمال وأثرياء تجار يستطيعون تحمل فاتورة الأسعار بأريحية كبيرة، لأنهم في الواقع بتكسبون من ذلك.. وطبقة لم تعد حتى في أدنى السلم، بل نزلت إلى بئره، بعد أن كان ينظر إليها قبل وقت بأنها طبقة وسطى لديها إمكانية تلبية مطالب معيشتها اليومية البسيطة.
الآن أصبح الجميع ما عدا القليل تحت خط الفقر المعيشي.
لا تسألن إلا عن التجار الذين يحتاجون لجاما يوقفهم.
من أين يأتي اللجام؟… الله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى