ثقافة وفنون

القوافل التجارية ودورها في تمتين الروابط الثقافية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء

اطلس توداي : الرباط -لطيفة بجو –

تحضر الثقافة الإفريقية هذه السنة أيضا ضمن مواضيع ندوات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، بعدما كانت ضيف شرف في دورته الماضية؛ إذ خصص لها مجموعة من اللقاأت من بينها ندوة بعنوان “القوافل التجارية ودورها في تمتين الروابط الثقافية بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء”، شارك فيها ثلة من الباحثين في المجال كأحمد بومزكو والريبوع البشير والطالب لعتيك.

أكد الأديب والشاعر بوي لعتيك في مداخلته على أهمية علاقات المغرب مع دول إفريقيا جنوب الصحراء سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي، وأشار إلى كون القوافل التجارية التي ربطت المغرب بجنوب الصحراء لقرون عديدة لم تكن فقط غاية، وإنما وسيلة لنشر الثقافة أيضا. لقد كانت القوافل تلتقي في أسواق سنوية تسمى “أمغاغير” تقام في الجنوب المغربي وتفصل بين الواحدة والأخرى مسافة سفر 15 يوما، يتم خلالها مقايضة بضائع يأتي على رأسها الملح والعلك والأثواب والإبل، مقابل الحبوب لكونها وسيلة المعيشة آنذاك.
وأوضح لعتيك أن اللغة الحسانية لعبت دورا مهما في التلاقح الثقافي بين شعوب المنطقتين، حيث كان العديد من العلماء والشعراء يؤمون المغرب وينتجون شعرا. ومع مرور السنين، تغلغلت هذه الثقافة بالصحراء المغربية، خصوصا وأن هؤلاء الشعراء والمطربين (أو كما يسمون إغاون) كانوا يأتون إلى المغرب لمدح الأقطاب المغاربة بالجنوب المغربي. من جهة أخرى، كان هؤلاء العلماء يعبرون المغرب للحصول على الزاد وللاتصال بملوكه، حيث كانوا ينزلون ضيوفا عليهم ويطلبون المساعدة لإتمام مناسك الحج، كما كان بعضهم يرغب في القوة والمكانة، ومنهم من مكث بالمغرب لمدة طويلة. وبالتالي انتشرت الحسانية التي تعتبر مزيجا لغويا اجتماعيا أصله من موريتانيا، وأصبحت هي لغة التواصل ونظم الأشعار والأمثال وغيرها. باختصار، كانت هذه القوافل حسب لعتيك “وسيلة للاتصال وللثقافة وللتجارة”.

من جهته، استهل الأستاذ أحمد بومزكو، الباحث في التاريخ، حديثه بالقول إن أغلب الدراسات تتحدث عن الجانب الاقتصادي وتغفل الثقافي في علاقات المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء، وأشار إلى الارتباط اليومي لأهل سوس بالقوافل التجارية التي كانت تعبر المغرب. فقد انتشرت بالمنطقة مهنة “ارفاغن” أو الدليل والذي كان يصاحب أزالاي (القافلة) خلال مرورها ببلادنا والذي كان يشترط فيه التوفر على دراية ومعرفة دقيقة بالمجال. لقد ساهمت القوافل، حسب المُحاضر، في تغذية أوربا وأيضا في تشكيل القوة التاريخية لبعض الدول، ولم تكن تحمل السلع فقط، وإنما كانت هناك ثقافة ومنافع متبادلة أهمها انتشار اللغة العربية، والخط العربي، بالإضافة إلى المذهب المالكي والعادات الدينية والاحتفالية بين الطرفين، ولا أدل على ذلك الحضور القوي لموسيقى كناوة التي تعتبر من الملامح الثقافية المهمة لسكان الجنوب المغربي والمرتبطة بحضور العبيد.
 
أما البشير الريبع، المتخصص في العلاقات المغربية الإفريقية، فقد أشار إلى أن المغرب لعب دورا بالغ الأهمية من أجل تمتين العلاقات بين شعوب المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء، حيث ركز على أن التأثيرات كانت على مستويات متعددة حصرها في الجانب العلمي والتجاري من خلال ترويج الكتب وكذا المصاهرة وتداخل العادات وأخيرا العمارة. فقد تركت القوافل بصمتها عندما ساهمت في انتشار بعض الكتب كمقدمة ابن خلدون، وظهور عدة حواضر بمنازل بطراز مراكشي وفاسي تدمج الفن الأندلسي والسوداني في البناء.

لم تكن القوافل التجارية بين المغرب وجنوب الصحراء إذن مجرد طريقة لحمل السلع فقط، وإنما أيضا وسيلة لتمرير الثقافة بين شعوب الطرفين، ولكن للأسف، اكتفى المغرب دائما بلعب دور الوساطة، بينما كانت الضفة الأخرى هي المستفيد الأكبر منها، وبالتالي فقد ارتقت الأندلس وأوربا بفضل هذه التجارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى