آراء وأعمدة

العشق الممنوع ( 27 )
التكريم.. عربون وفاء للمكرَّم والمكرِّم
المؤامرة.. وشهد شاهد من أهلها

أطلس توداي: واشنطن-محمد الجامعي –

صحيح أنه لم يكن من السهل التأقلم مع الأجواء الأمريكية والعيش بعيدا عن الأهل والوطن، لكن ظروفي الخاصة التي حاولت قدر الإمكان تقريبكم منها، حتمت علي أن أبدأ صفحة جديدة بطموحات إثبات الذات وتأكيد وطنيتي وحبي الدفين واللا محدود لمعشوقتي كرة الصالات التي ذقت معها كل تلاوين الحياة، من فرحة وسعادة واعتزاز بما يقدمه فريق أجاكس من تقنيات عالية وظفر بالألقاب في مختلف التظاهرات والملتقيات الدولية، وكذا ما تكبدته من ألمٍ وتجرعته من حزن عميق وأسى بليغ جراء كيد ذوي القربى ممن كان الحسد والحقد ينهشان قلوبهم المريضة بحب الظهور واعتلاء الكراسي والمناصب. ولم يكن أمامي سوى إعادة شحن بطارية العزيمة والإرادة القوية لإثبات ذاتي من خلال إعادة ترتيب الأوراق والأولويات التي من شانها رد الاعتبار لشخصي أولا، ثم لهذه اللعبة التي لم تعرف النور ولا الانتشار الواسع داخل الوطن والقارة السمراء إلا من خلال مجهوداتي وتضحياتي و مساعدة بعض أصدقائي ممن استهوتهم هذه الرياضة، خصوصا بعدما تم قبولها والاعتراف الدولي بفريق أجاكس القنيطري كممثل للمغرب من خلال انضمامي للمكتب التنفيذي للفيفوزا في وقت لم تكن كرة الصالات من بين اهتمامات الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
إذاً هكذا تخلصت من الطاقة السلبية التي كادت أن تتملكني وتقضي على كل إنجازاتي التي حققتها على مدى أكثر من عقديْن من الزمن، فشمّرت على سواعد الجد والمثابرة وإعادة ربط اتصالاتي مع كل معارفي القدامى والجدد، خصوصا بعد تأسيس أجاكس ميامي. هذا المولود الجديد الذي أعاد لقب ” النهيضة ” مرة أخرى يطفو على الساحة الرياضية سواء داخل أمريكا أو الوطن الأم، إذ اهتديت في البداية إلى إقامة دوريات مصغرة داخل تراب الولاية التي أنتسب إليها، لتتوسع الرقعة وتتضاعف أعداد الفرق المشاركة أو الراغبة في المشاركة، خصوصا في المناسبات الوطنية كأعياد العرش والمسيرة الخضراء التي يفتخر بها كل المغاربة. ولم أكن أكتفي بالمباريات الرياضية فحسب، بل كنت أعمل على إقامة سهرات فنية وثقافية مصاحبة، حتى أخلق ذاك الجو العائلي المغربي بالديار الأمريكية، وبالتالي أساهم قدر المستطاع في تمازج الثقافات وتقريب الشعوب بتوجيه دعوات الحضور لشخصيات أمريكية وازنة في عالم السياسة والفن.
وكم كانت أولى نسخ الاحتفالات بعيدَي العرش والمسيرة الخضراء ناجحة ومشجعة على مواصلة المسير، إذ قمت بتوجيه دعوات الحضور والتكريم لمجموعة من اللاعبين الدوليين والفنانين المغاربة الذين لقوا كل الترحاب من أبناء الجالية المغربية بأمريكا، كالدولي السابق حمادي حميدوش الذي جاور مجموعة من الفرق الوطنية والأوربية كالنادي المكناسي والجيش الملكي وستاد ريد الفرنسي، إذ يعتبر حميدوش من بين اللاعبين الأوائل الذين احترفوا بفرنسا قبل أن يعرّج على التأطير الرياضي. وقد سبق له أن قاد المنتخب المغربي رفقة زميله محمد جبران لاحتلال الرتبة الثالثة في كأس إفريقيا للأمم سنة 1980. ثم حارس المغرب الفاسي حميد الهزاز الذي لم يغير فريقه الأم لمدة 22 سنة كاملة، أي من سنة 1962 إلى غاية اعتزاله اللعب سنة 1984 ودافع فيها عن عرين الأسود لمدة عشر سنوات، من سنة 1969 إلى 1979. لتتوالى تكريمات الدوليين وتقريبهم من أبناء الجالية الذين يأتون من كل حدب وصوب لأخذ صور تذكارية معهم ومتابعتهم أثناء المباريات الاستعراضية التي يخوضونها ضد فريق أجاكس ميامي لكرة الصالات.
وكنت أحرص على انتقاء اللاعبين والفنانين المحبوبين لدى الجماهير المغربية بصفة عامة، كنور الدين البويحياوي وخليفة العابد وعبد اللطيف حمامة وعزيز بوعبيد وعبد المجيد الظلمي ومصطفى الحداوي وزكرياء عبوب وسعيد غاندي الذي لعب أول مشاركة مغربية في نهائيات كأس العالم ميكسيكو 1970 كأصغر لاعب مغربي لا يتجاوز عمره 22 سنة. ثم حسن بنعبيشة وفخر الدين رجحي ويوسف شيبو، والعداءة العالمية والأولمبية نزهة بيدوان، صاحبة ذهبيتَيْ أثينا سنة 1997 وأدمونتون سنة 2001 وصاحبة أفضل توقيت إفريقي في مسافة 400 متر حواجز ب (52.90 ث). وكانت كل تلك الأنشطة الرياضية والترفيهية تختتم بسهرات فنية كبيرة يحييها فنانون مغاربة تتم دعوتهم بدورهم لتنشيط الحفل ومساهمتهم في خلق تلك الأجواء الاحتفالية المغربية الصرفة التي أشترط فيها على المدعوات اللباس التقليدي المغربي كالقفطان والتكشيطة.
ولم تكن دعوات الحضور مقتصرة على اللاعبين الدوليين والفنانين فقط، بل يحضرها صحافيون وسياسيون ورجال أعمال ومحامون وقضاة. وعلى ذكر القضاة، فقد تعمدت تأخير سرد حدث غريب وفريد من نوعه، حتى تعيشوه معي بكل أحاسيسكم ومشاعركم الإنسانية، ولكي تعرفوا وتقفوا على حجم المعاناة التي عشتها في سنواتي الأولى وأنا تائه وسط شوارع وأحياء أمريكا أبحث عن نفسي. ذلك أنني خلال إحدى أولى الحفلات التي كنت أقيمها بمدينة أورلاندو بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، طلب مني صديق عزيز وجهت له دعوة الحضور، أن يرافقه صديق حميم يعمل كمحامٍ بعد إحالته على التقاعد الوظيفي كقاض بأحد المحاكم المغربية طبعا. فوافقت على طلب الصديق، سيما وأنني كنت دوما أبحث عمّن أستقي منه بعض المعلومات القضائية والمواضيع ذات الصلة بالمحاكمات والعادل والقضاء، فوجدت في الرجل الفرصة المواتية لإثارة موضوع محاكمتي وهو ضيف ببيتي، بل نزيل غرفة نومي التي غالبا ما أتنازل عنها رفقة زوجتي لأحد ضيوفي لأشعرهم بدفء العائلة وحرارة الاستقبال. وكنت كلما انفردت به مساء، طيلة ذلك الأسبوع الذي قضاه المحامي السيد حسن الغلالي ببيتي، نتجاذب معاً أطراف الحديث في مواضيع مختلفة إلى ما بعد منتصف الليل، وأطرح عليه بين الفينة والأخرى أسئلة تهم محاكمتي، لكن إجاباته إما أن تكون شبه مبتورة أو غير مقنعة لشخص يعتبر نفسه ضحية مؤامرة مدبرة ومحبوكة رغم افتقادها لكل الدلائل المنطقية والموضوعية لإدانتي بسنة سجنا نافذا.
وذات صباح خرج من غرفة النوم فوجدني نائما على الأرض مفترشا لحافا، فتفاجأ للمنظر وشعر بالإحراج وهو يطلب مني تبادل الأماكن في الليلة الموالية، فرفضت طلبه جملة وتفصيلا، وأقنعته بأنني إن فعلت ذلك مع ضيوفي سيهجر النوم جفوني، فضحك قائلا ” انت الدار لكبيرة “. وبعد انتهاء الحفل وعودة الوفد إلى أرض الوطن، اتصل بي ضيفي المحامي وشكرني كثيرا على حفاوة الاستقبال وحسن المعاملة طيلة مقامه ببيتي، وظل يتصل بي طيلة السنة لتتوطد العلاقة أكثر، وكنت دائما خلال أي اتصال أحرجه ببعض أسئلتي المعلقة. ولما اقترب موعد حفل السنة الموالية، طلب مني مرافقة ابنه معه، فوافقت على الفور لطيبوبته ومستواه وصفته كمحامٍ نزيه. وعند وصول الوفد أشرفت على توزيع الغرف على الضيوف ووقفت أمامه وقلت له : وأنت يا أستاذ ماذا تنتظر؟ فأنت تعرف حجرتك، ” أدخلوها بصباطكم ” فضحك وعانقني ثم دخل رفقة ابنه.
وكانت الليالي تمر وكأنها نسخ مكررة من السنة الفارطة، فُسَح ومرح ونكث وحكايات وذكريات.. غير أنني كنت دوما أنفرد بالأستاذ حسن للمناقشة والحوار وطرح تلك الأسئلة المعلقة والمحيّرة التي لم تُجب عنها إجاباته الجافة ولم تُشفِ غليلي. وذات ليلة من تلك الليالي، أخرجت من جيبي نسخة من الحكم الذي صدر في حقي، وبدأت في قراءته عليه بالنقطة والفاصلة رغبة مني في استفزازه لتقييم الحكم كرجل قانون:
” بعد النظر في حكم المحكمة الابتدائية الذي صدر في حق محمد الجامعي بتهمة التزوير. اتضح لمحكمة الاستئناف بأن المحكمة الابتدائية قد أخطأت في متابعة محمد الجامعي بتهمة التزوير ، و محكمة الاستئناف تتدارك الخطأ و تبرئه من هذه التهمة. و بعد إعادة التكييف، تحكم على محمد الجامعي بسنة نافذة وغرامة مالية قدرها ألف درهم من أجل انتحال صفة يحدد شروطها القانون، حسب الوثائق التي أدلى بها:
محضر الجمع العام التأسيسي.
لائحة أعضاء المكتب المسير.
شهادة المقر. “
وبعد انتهائي من قراءة الحكم، سألته عن سبب أضافتهم لتهمة رابعة في فترة المداولة وإصدارهم حكما غيابيا دون إخباري به ومنحي حق الدفاع عن نفسي؟ ألا يجب على المحكمة بما لها من سلطة قضائية أن تخبرني وتخبر هيئة الدفاع وتمنحني وقتا كافيا لجمع الأدلة والدفاع عن نفسي؟ ألا ترى أستاذي حسن بأنها حرمتني من حقي الذي يكفله لي الدستور؟ ثم لماذا أخفى القاضي وثيقة وصل الإيداع؟
فالقانون يقول في النص:
جسم الجريمة يتكون من ثلاثة عناصر، العنصر المعنوي والعنصر المادي ثم العلاقة السببية بينهما. وإذا غاب عنصر واحد من هذه العناصر الثلاثة، تسقط الدعوى.
العنصر المادي غائب في ظل عدم وجود أي ربح مادي من هذه التهمة.
العنصر المعنوي غائب أيضا ما لم تعثر المحكمة على فائدة معنوية.
و بغياب العنصر الأول و الثاني، لا مكان للثالث، ألا وهي العلاقة السببية بينهما.
إذًا فأنا بريء.
صمت الأستاذ حسن لمدة من الوقت وهو في شبه شرود ذهني، أوكأنه يبحث عن جواب أو مبرر لاستنتاجي الأخير، ثم عاد و طلب من تسليمه نسخة الحكم. ولما أمسك بها طلب مني قراءة أسماء هيئة الدفاع، مشيراً إليها بسبّابته. ولما قرأت اِسمه، قال لي بأنه هو حسن الغلالي وأحد القضاة الذين أصدروا علي الحكم، وأنني كنت مستهدفا من طرف جهة من الجهات رغم براءتي.
تمالكت نفسي وأنا أتلقى هذه الصفعة القوية والغير منتظرة من أحد ضيوفي، غير أنني تظاهرت بأنني كنت أعرف بأنه ثالث القضاة الذين أصدروا حكمهم علي. فتعجب لأمري ولحسن معاملتي وتعاملي معه، الشيء الذي جعله يسترجع أنفاسه ويطلب مني أن أطرح عليه أي سؤال متعلق بحاكمتي ليجيبني عنه بكل دقة وتفصيل، ومن غير أي لَف ولا دوران كما كان يفعل معي سابقا، مضيفا بأنني أصبحت ضليعا في النصوص القانونية ولا حاجة لي في أي أحد.. وهنا فتح على نفسه غارة من الأسئلة التي مازلت أبحث لها عن أجوبة شافية إما بالتأكيد أو النفي من طرف أحد رجالات القانون، الشيء الذي جعلني أستفسره عن معلومتين زودني بهما أحد أصدقائي عند زيارته لي بالولايات المتحدة الأمريكية، واسمه نجيب. كان موظفا بالبنك الشعبي قبل تقاعده، وصديقا لأحد المحامين الذين نصّبوا أنفسهم للدفاع عني طواعية في تلك النازلة.
فمن غريب الصدف أن نجيب رافق ذات يوم زميله المحامي لاحتساء فنجان قهوة بأحد الأماكن الراقية، فاجتمع في تلك الجلسة المحامي وباشا مدينة القنيطرة الذي سلمني وصل الإيداع، ورئيس محكمة الاستئناف بمدينة القنيطرة ثم نائب وكيل الملك السيد يوسف العلقاوي، فدار بينهم حديث ونقاش موسع أفضى بهم في الأخير إلى إثارة موضوع محاكمتي، إذ أخبر باشا المدينة نائب وكيل الملك بأنه هو شخصيا من سلمني وصل الإيداع الذي يضفي الشرعية على الجمعية التي كنت أترأسها، وبأنهم ظلموني بإخفاء ذات الوصل، الشيء الذي لم يرُق نائب وكيل الملك الذي دخل مع الباشا في نقاش حاد وصل حد الخصام.
الخبر الثاني الذي زودني به صديقي نجيب، هو أن المحامي وجه تهمة خرق القانون الجنائي لرئيس المحكمة، وهو يذكره بأن فترة المداولة تعتبر بفترة الخلوة التي لا يحق لأيّ كان أن يدخل على هيئة القضاة، وأنت دخلت على الهيأة وطلبت منهم اعتقاله عندما قلت لهم بالدّارٍجة ” ما تفلتوهش “.
وبحصولي على هاتين المعلومتين من طرف صديقي نجيب في وقت سابق، طرحت على صاحبي الأستاذ حسن سؤالا استنكاريا يوضح لي فيه سبب قول القاضي بأن الجمعية لا تملك كيانها القانوني وهو يخفي ويحذف وصل الإيداع من الملف؟ ثم استفسرته عن معنى الخلوة ولماذا دخل عليكم رئيس المحكمة وطلب منكم إدانتي؟
استغرب ضيفي المحامي والقاضي المتقاعد من اطلاعي على هذه المعلومة، وسألني عن مصدرها، فأجبته بأنني أحفظ الأسرار ولا يهم من زودني إياها مادامت التسريبة صحيحة.
وهكذا بعدما شهد شاهد من أهلها، تخلصت من الطاقة السلبية التي كانت تشدني إليها شدّا، ليتجدد نشاطي وحيويتي المعهودة، وتكبر طموحاتي في إعادة فرض اسم محمد الجامعي على الساحة من خلال أجاكس ميامي التي ستربط الماضي بالحاضر.. وهاهي قد انطلقت المباريات والتكريمات والاحتفالات السنوية التي تحظى اليوم بمتابعة مكثفة وبحضور وازن لشخصيات سياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى