آراء وأعمدة

السائح المغربي بين المطرقة والسندان

اطلس توداي: الرباط – لطيفة بجو –

مغاربة يشتكون من العنصرية التي مورست عليهم في تركيا، وآخر توفي نتيجة نزاع مع مواطن تركي أيضا، وثالث يحكي عما تكبده من أجل الحصول على تأشيرة دخول دولة ما… على بعد أيام من انتهاء العطلة الصيفية، لا زالت مواقع التواصل الإجتماعي تعج بنماذج لسياح مغاربة ينددون بكل أنواع العنصرية والقمع التي عانوا منها، أو يحكون كيف كانوا محط احتقار وتنقيص من طرف بعض مواطني الدول التي اختاروا قضاء عطلتهم الصيفية بها.

يفضل العديد من المغاربة قضاء عطلتهم خارج المغرب بالرغم من معرفتهم المسبقة بما سيكون عليه الوضع هناك. يقصدون اوربا، وخصوصا إسبانيا التي ينفقون بها ملايين اليوروهات المهمة لاقتصاد بلادنا- أكثر مما ينفقه السياح الإسبان بالمغرب حسب بعض الدراسات- لكون الأسعار المعتمدة عند الجارة الايبيرية أكثر جاذبية عندما يتعلق الأمر بالشقق المفروشة أو الفنادق الصغيرة، بالإضافة إلى أنهم يغتنمون فرصة سفرهم من أجل التسوق واقتناء سلع وملابس بجودة أكبر وبأثمنة جد مناسبة. هذا إلى جانب ما يسمى عند المغاربة بـ “عقدة الخارج” أو بمعنى أصح، افتخار بعض المواطنين أمام الأهل والأصدقاء وزملاء العمل بكونهم قضوا عطلتهم في أوروبا، واعتقادهم أنهم بذلك ينتمون لعلية القوم في المجتمع .

لكن السبب الرئيسي وراء “نفور” المغاربة من بلادهم والبحث عن وجهات أخرى للاستمتاع بالعطلة، هو غلاء الأسعار هنا مقارنة مع الخدمات السياحية المقدمة. وفعلا، لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يخرج علينا أحدهم وهو يحكي مغامراته مع أرباب المقاهي والمطاعم وما تعرض له من نصب واحتيال بسبب غلاء أثمنة الوجبات الغذائية، أو ارتفاع  أسعار الفنادق والشقق البديلة وكل الخدمات السياحية، بما فيها أماكن ركن السيارات وملاهي الأطفال وغيرها. لقد سبق لي أن عاينت مشادة كلامية انتهت بمخفر الشرطة، بين مواطن وأسرته ضد صاحب مطعم طلب منهم دفع فاتورة تبلغ 1000 درهم، مقابل وجبة تكونت من دجاجتين مشويتين وما يصاحبهما عادة من سلطات وعصائر .   

إن المواطن يعي جيدا أن كل مقدمي هذه الخدمات قد عانوا من تراجع أرباحهم خلال ثلاث سنوات متتالية جراء تداعيات جائحة كورونا، ولكنهم لا يقبلون أن يكونوا كبش الفداء أو الضحية التي يستغلها الفاعلون في السياحة من أجل إنقاذ تجارتهم واستثماراتهم من التعثر. لقد سجلت بعض المدن، خصوصا بشمال المملكة، ارتفاعا مهولا للسومة الكرائية للمنازل، واستغلال بعض متحيني الفرص لمناسبة العطلة من أجل الربح السريع…حتى ان كثيرين استحوذوا على الملك العمومي في الشواطئ، وعمدوا إلى كرائه للوافدين عليها مقابل أسعار غير مقبولة. يوجه المواطنون أصابع الاتهام إلى الحكومة لكونها تشجع السياحة الخارجية أكثر من الداخلية، والدليل اهتمامها بالمغاربة المقيمين بالخارج والسياح الأجانب فقط. من جهة أخرى، فإن بعض المناطق تعرف نموا أكثر مقارنة مع أخرى التي تسجل تراجعا، حتى لا نقول ركودا من حيث نموها والخدمات التي توفرها. وبالتالي، فإن الأولى تعرف توافدا مهما، وهو ما يخلف انعدام التوازن من حيث تطور الجهات وما يجعل المواطنين أيضا يتجهون صوب منتجعات بعينها أو مدن بذاتها خلال فترات العطل.
 
لقد أتى المخطط الاستعجالي الذي وضعته الحكومة سنة 2022 بهدف دعم المهنيين وتمكينهم من تأهيل العرض الفندقي بنتيجة ايجابية، بالإضافة إلى التدابير الأخرى المتعلقة بالنقل الجوي والترويج لوجهة المغرب لدى منظمي الرحلات السياحية. لكن الجهات المسؤولة مطالبة أيضا بالاهتمام أكثر بالسياحة الداخلية ووضع استراتيجيات من أجل ضمان توازن جهوي سياحي بين كل مناطق المملكة، والسهر على تنظيم مجال كراء الخواص لشققهم من خلال تفعيل القانون الجديد المتعلق بما سُمي “الإيواء عند الساكن أو الإيواء البديل”. هي مدعوة أيضا إلى دعم السياحة الجبلية وتشجيع الخواص على الاستثمار فيها ومساندتهم حتى يكون بمقدورهم تقديم خدمات سياحية في متناول جميع المواطنين. وهذا سيساعد أيضا في تحقيق هدف المغرب المتمثل في جذب 26 مليون سائح سنويا في أفق عام 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى