أطلس توداي: عبد الله شوكا
تعود من العمل في المساء، فتستلقي بعظامك المنهكة في البيت، ترمق بنظراتك ما يوضع فوق جهاز التلفاز، لقد مر المكلف بتوزيع فاتورات الماء والكهرباء وترك لك ما يتوجب عليك تأديته، تخاطبك الزوجة، هذه الأعباء تنضاف الى فاتورة الهاتف والويفي واقتطاعات سلف البنك.
تجد هذه الأخبار وانت تطأ بأقدامك البيت قبل تناول كأس شاي بإمكانه تهدئة رأسك من الصداع، والذي سيصيبك في أية لحظة بسبب ما يصدمك من أخبار الفاتورات.
يسرح خيالك شاردا وأنت تفكر إن كان راتبك المتواضع سيغطي كل هذه المصاريف، والتي تنضاف لمصاريف الكراء، وحاجيات البيت ، وكسوة الأبناء وتطبيبهم، ومناسبات الأعياد وغير ذلك.
وأنت تتناول طعامك، تأخذ التيليكومند وتشغل التلفاز بحثا عن أخبار سارة ربما، كتدخل وزير في الحكومة بإمكانه حمل خبر سعيد مثل الزيادة في الأجور، تنتقل بين مختلف القنوات، لا تصادف إلا أخبار الشؤم واليأس، العرب والمسلمون يقتلون في كل البقاع العربية.
تعود الى القنوات المغربية، فتصادف آذانك وتسمع في موجز الأخبار عن مجلس حكومي برئاسة رئيس الحكومة، فتفرح وتظن أن حدسك أصاب هذه المرة، فيشدك الانتباه وتتمنى لو سارع مقدم الأخبار الى التفاصيل بدون تقديم موجز للأخبار.
يعود مقدم الأخبار الى قراءة التفاصيل وانت تتابعها باهتمام، عقد السيد رئيس الحكومة اليوم مجلسا وزاريا حضره كل وزراء الحكومة، وبعد تدخل مختلف الوزراء خرجت الحكومة بقرارات جد هامة ستعود على الشعب المغربي بالنفع، تبقى مشدوها أمام الشاشة لمعرفة هذه القرارات، وربما يكون خبر قرار الزيادة في الأجور، والذي طالما انتظرته، ويشغل بالك منذ أمد طويل.
يعود مقدم الأخبار لشرح القرارات التي اتخذتها الحكومة ويضيف، والاجراءات التي اتخذتها الحكومة هي كما يلي :
- قرار بمنع التدخين في الأماكن العمومية.
- قرار يمنع الشاحنات والحافلات المهترئة من الجولان في المدن وهي تطلق الدخان الكثيف من إطاراتها وما تسببه من تلوث خطير.
- قرار يمنع الكلاب الضالة من التسكع بحرية في المجال الحضري.
- قرار يمنع السياقة في حالة سكر.
تصاب بالغثيان ودوران على مستوى الرأس عندما لاتسمع خبر قرار زيادة في الأجور.
تطفىء التلفاز وترمي التليكومند بعنف وتحسب نفسك غبيا لأنك تضيع وقتك في تتبع نشرات أخبار التلفزة الشاحبة، وكذا أخبار المجالس الحكومية التي لا خير يرجى من ورائها.
ترتمي بعنف فوق سرير نومك، وتسرح عيناك في سقف بيت النوم وانت مكسور الوجدان. تنهض في الصباح من نومك وتتمنى ألا يراك أحد على هذه الحالة، فقط المرآة هي من تقبل أن تقف أمامها لتفقد سحنتك قبل الذهاب الى العمل.
تركب حافلة مهترئة تترك دخانها الكثيف في أي شارع تمر منه، وانت راكب في الحافلة تصادف عيناك سائق سيارة يقود سيارته وفي نفس الوقت يتناول سائلا لاتدري هل هو ماء أم شيء آخر، فجأة تسمع فرامل الحافلة التي تركب فيها، ضغط السائق بشدة على الفرامل والمنبه، تتوقف الحافلة وتعتقدها حادثة، فقط السائق أوقف الحافلة لترك مجال مرور قطيع من الكلاب يلاحقون كلبة.
تصل الى المقهى المتواجدة قرب عملك، وتأخذ مكانا لتناول فطورك، فجأة تمر شاحنة الأزبال جعلت كل رواد المقهى والمارة يضعون أياديهم على أنوفهم من شدة الروائح الكريهة التي تركتها هذه الشاحنة وراءها.
في المقهى التي تتناول فيها فطورك، لا شيء يعلو فوق دخان السجائر المتصاعد، والذي ينفثه رواد المقهى بشراهة ويعاودون استنشاقه مرة أخرى طيلة مقامهم في المقهى.
تتناول فطورك بدون شهية وأنت تفكر في القرارات الهامة التي اتخذتها الحكومة، والتي تابعتها الليلة السابقة في نشرة الأخبار على الشاشة.
إذ ذاك تصاب بالحمق والجنون، وتستسلم للماضي الجميل في حقبة الستينات والسبعينات، لتذكر وزراء كنت تحفظ أسماءهم بإعجاب، أسماء وزراء رنانة كان للوزير شأن وشخصية ومقام، محمد حدو الشيكر، محمد بنهيمة، امحمد با حنيني، ارسلان الجديدي.
لتتأكد أن لاخير يرجى من الحكومات الحالية المتعاقبة كلها، وكذا مجالس الوزراء والقرارات التي تبقى فقط قرارات افتراضية بعيدة عما ينفع الشعب ويسعده.
أما خبر قرار الزيادة في الأجور فعليك التفكير أكثر في أجلك المحتوم ولا تهتم بأية زيادة، لأن الزيادة من رأس الحمق.
