إلياس العمري.. السخافة والسياسة والهلوسة
مراد بورجى 1/3
بعد خمس سنوات من “الإبعاد” والشروع في الحساب، خرج إلياس العمري، عبر موقع الزميلة “هسبريس”، ليقدم الاعتذار ويطلب الصفح، عدة مرات خلال حواره هذا، عما اقترفه من أفعال وأساءت للعديد من الناس، قبل أن يتوجه بصفة غير مباشرة لمن كانوا وراء “إبعاده” من المشهد السياسي ليطلب منهم العفو، ويقول إنه سيظل بعيدًا عن السياسة، وأنه يودُّ فقط “الإذن” له كي يمتهن مهنة الصحافة، عبر إذاعة “كاب راديو”، التي يدعي أنه سيشرف على تسييرها، بعدما جعلوا منه من قبل “صحافي آخر ساعة”.
هذه هي خلاصة الخرجة الإعلامية، التي اعتقدت الزميلة المحترمة نعيمة لمباركي، أنه من خلالها قد تجعل إلياس العمري، الأمين العام الأسبق لما تبقى من حزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة “المُقال”، يُفسر للذين كان يتجبّر عليهم، كيف فجأة ذهب “المخزن” بنوره؟
نعم، “المخزن” و”الفوق” و”مّالين الوقت” وما شاكل ذلك هو الفلك الذي يُحاول إلياس العمري، وكذا أمثاله، أن يجعلك تعتقد أنه يسبح فيه، فيما هناك “غمّاقين” آخرين أكبر من إلياس العمري، الذين يحشرون القصر وحتى الملك محمد السادس نفسه، وهم كثيرون…، أمام هؤلاء تعتقد لوهلة أنك تتلقّى التعليمات الآتية من “المحيط الملكي” أو “المربع الذهبي”!
لَّا نعم آسْ، الفوق “كاين غير الله”، أمّا التحت، “نتبع الكذاب حتى لعند الباب”.
ولهذا، إذا كان “السي” إلياس يرفض، كل مرة، الجواب على العديد من الأسئلة، التي كانت تطرحها الزميلة نعيمة، بإلحاح، لابأس أن أحاول أنا زميلها الجواب مكانه…
لكي نفهم كل ما جرى منذ خروج فؤاد عالي الهمة من القصر ببلاغ من الديوان الملكي، ليُمارس السياسة ولغاية اليوم، لا يلزمنا لهذه الفترة من الزمن تحليل أو تأويل، بل أن نحكي أولًا عن ماذا وقع فعليا على أرض الواقع، ونعود بالقارئ لتواريخ محددة، بعد أن نرفع الالتباس “La Confusion” على ما نود معرفته، بنهج أسلوب الاستقصاء المبني على المعلومة ومصدرها والاعتماد على الوقائع وإثباتها بزمكانها، بعيدًا عن أسلوب الغموض “Le Flou”، الذي نهجه إلياس العمري، خلال إجراء الزميلة لمباركي الحوار معه، من قبيل: “كنت مع مسؤولين”، و”ماغنجاوبكش”، و”مانگولش ليك فين ومع من”، و”ماتسولينييش على هاذ الشي”… في سياق لعبة الالتباسات هذه، نجد، مثلا، في معرض أجوبته، تلك الصيغة الغامضة والمناوِرة، في تفسير “الإبعاد”، الذي يسميه هو بـ”الانسحاب”، أجاب قائلًا: “لقد انسحبت من العمل السياسي عن قناعة شخصية، ومن قرأ ذلك كغضبة عني فله ذلك”…
وهنا، أقول لزميلتي، وبصريح العبارة، إنه إبعاد وليس انسحابا، وأن الذي “أبعد” إلياس العمري، في بادئ الأمر، من على كرسي رئاسة حزب الأصالة والمعاصرة، هو الملك محمد السادس نفسه، كان ذلك في خطاب الذكرى 18 لعيد الجلوس (29 يوليوز 2017)، عندما وجّه له ولأمثاله من الطبقة السياسية، ومعهم المسؤولون العموميون، اتهامات خطيرة بإفساد السياسة، والانحراف بها عن جوهرها النبيل، وحمّلهم مسؤولية عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، واتهمهم بأنهم “يتسابقون إلى الواجهة للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة”، و”عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي”، ثم ختم الجالس على العرش كلامه بالقول، بنبرة غاضبة: “لكل هؤلاء أقول: كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا”، مهددا بالمحاسبة.
وعقب ذلك بأسبوع، وبعدما فهم أنه معني بالخطاب الملكي، قدّم إلياس استقالته من الأمانة العامة للبام، يوم 7 غشت 2017، خوفًا من تبعات الخطاب الملكي، لأنه انتبه إلى أن “الهلوسة” قد تمكنت منه، وكان قد توهم وأوهم آخرين أنه بإمكانه منافسة عبد الإله بنكيران على كرسي رئاسة الحكومة، وأن فوز البيجيدي بالمقعد الأول، دفعه إلى ما أسماه بنكيران بـ”التآمر” مع بعض أحزاب المعارضة، ومعهم أخنوش وحزبه، وكذلك البيان، الذي استدعى له حميد شباط ومصطفى الباكوري ليجتمعا مع إدريس لشگر بمكتبه بمقر حزب الاتحاد الاشتراكي بشارع العرعار في حي الرياض، وانقلاب حميد شباط على كل ما كان يريد إلياس العمري فعله خارج الأجندة الانتخابية، وانكشاف أن هذه المؤامرة، كان وراءها إلياس، ولا أحد كان وراءه هو، حسب ما تواتر من معطيات في تلك المرحلة.
خلقت هذه “الهلوسة” أنانية جعلت إلياس العمري يفقد البوصلة وينسى ويتناسى أنه بدون “الغطاء” لا يساوي شيئا، فذهب به غروره حدّ “اتهام” القصر والأحزاب بـ”طبخ” دستور 2011، في “تهديد” مبطن، بعد أن قال إنه يعرف أين تم طبخ هذا الدستور، وأكد أنه لم يصوّت عليه، ناهيك عن أنه أصبح يوحي للبعض أنه “جليس الملك”، ثم بدأ ينهج أسلوب “التحكّم” في بعض المسؤولين، حتى روج لنفسه كونه من تحكّم في انتخاب أشخاص على رأس أحزاب بعينها، إلاّ أنه عندما حاول إصدار أوامر للمدير العام للأمن الوطني وقتها تدخل الشرقي الضريس، ورفع هذا الأخير تقريرا مفصلا لفؤاد عالي الهمة، الذي كان إلياس يستمد منه “خلسة” قوّته، فكان أن انتهى الكلام.
كان إلياس المسكين يتوهّم أن الجهات الغاضبة قد لا تستغني عن وجوده “الخارق”، قبل أن يتأكد من أن “الهالة”، التي ظل يعطيها عن نفسه، لم تكن سوى قناع من ورق، فقد اكتشف أن الحياة تمضي عادية بدونه، أو لعلها باتت انسيابية بالضبط لأنها أصبحت بدونه، وهكذا وجد نفسه مطرودا شر طردة من الساحة السياسية، وظل يترقب من بعيد ويرصد الاستمرار في وَصْد الأبواب في وجهه، في المقابل بات يرى ويسمع عن يوم الحساب، الذي فتحه القضاء في وجه العديد من وجوه تلك الطبقة السياسية، وهو ما يُفسِّر خروجه لـ”المزاوگة”، من خلال موقع الزميلة هسبريس، طلبا للمسامحة…
كان على إلياس العمري أن يحترم الزميلة التي حاورته، والموقع الذي استضافه، ويتحدث بلسان “الحقيقة”، التي رفع رايتها في الحوار، ويُجيب على الأسئلة المطروحة، ويكشف عن الملابسات الحقيقية، التي دفعته إلى تقديم استقالته، سواء الأولى من أمانة الحزب، أو الثانية من رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة، وصولا إلى السؤال، الذي قالت فيه زميلتي نعيمة “كيف يمضي البام إلى التدهور ولا يتحرك إلياس”، واسترسلت في القول “الحزب ديالك، أنتَ اللي بنيتيه”، فجاء “نفي” إلياس ملتويا ملتبسا دون رد صريح على تسويق فكرة أن “البام ديالو وهو اللي بناه”… وهنا، سأفاجئ زميلتي بالقول إن إلياس لا علاقة له بتأسيس حركة لكل الديمقراطيين، ولا بتأسيس البام، في حين كان يحضر للأشغال مثلما كنتُ، أنا أيضا، أحضرها… فلم يكن موجودا ضمن اللجنة، التي اشتغلت على أرضية حركة لكل الديمقراطيين، وعندما تأسست، لم يكن له وجود في هياكل الحركة، وعندما جرى التحضير لتأسيس البام، لم يكن إلياس ضمن المُحضِّرين لوثائقه، ولا ضمن المؤسسين، ولم يكن له وجود في هياكل الحزب، الرجل خرج من الدراسة في المرحلة الإعدادية دون الحصول على شهادتها، ما يعني أن أقصى شهادة يتوفر عليها هي شهادة الابتدائي.
ولم يظهر إلياس إلاّ بعد أن تبوّأ حزب الأصالة والمعاصرة الرتبة الثانية في الانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيو 2009، وتشكّل فريق البام بمجلس المستشارين، بعد أن كان الحزب بفريق واحد، وجلس محمد الشيخ بيد الله، الأمين العام للحزب آنذاك، على كرسي رئاسة هذا المجلس، رغم وجود حزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة، وعندما بدأ الحزب في هيكلة نفسه، بعدما خاض كل ذلك بدون هيكلة، بدأ إلياس العمري يحضر للمقر بانتظام، ويشارك بين الفينة والأخرى في اجتماعات المكتب السياسي، الذي ليس هو عضو فيه، وهو ما دفع، يوما، بأحد أعضاء المكتب السياسي، المسمى موحا بويرگا الذي لاحظ أن إلياس لم يعد يكتفي بالحضور، بل حاول القفز وأخذ الكلمة، ما دعا القيادي الغاضب من وجود إلياس فيهم ولم يكن منهم إلى مقاطعته وإسكاته ومساءلته حول “من يكون؟”، و”بأي صفة يتناول الكلمة في اجتماع للمكتب السياسي للحزب؟”، وطلب منه مغادرة قاعة الاجتماع، وهو ما فعله إلياس مذلولًا أمام ذهول الجميع ، بمن فيهم فؤاد عالي الهمة، وهي الواقعة التي جعلت الهمة يبحث لإلياس عن صفة تمكنه من الوجود داخل الحزب، فكان أن عيّنه محمد الشيخ بيد الله في منصب منسق عام مكلف بالإدارة والتنظيم، وهو المنصب الذي كان أول من تولاه هو فاتح الذهبي، الذي كان الهمة قد استقدمه من وزارة الداخلية…
هذا المنصب المفتاح “clé” عرف إلياس العمري كيف يستغله، ويستعمل قربه من الهمة، للدخول في معاملات غامضة والاستئساد على المتعاملين، من داخل الحزب وحتى من داخل ومحيط إدارات عمومية، وأصبح يظهر، بحكم المنصب الجديد الذي لم يتح له فقط الاطلاع على كل أسرار الإدارة والتنظيم، بل وأساسا بناء علاقات شبكية، بصورة الماسك بمفاتيح الحزب، وأضحى يتجاوز حتى الأمناء العامين، الذين اشتغل معهم، خصوصا أنه، منذ عودة فؤاد عالي الهمة إلى القصر، بدأ إلياس يدخل في لعبة “الغموض”، والقرارات “الغامضة”، والجهات “الغامضة”، التي ظل يستعملها لمزيد الاستقواء، وهو يُروج لنفسه، في بادئ الأمر، أنه “صديق صديق الملك”، صداقة لهث وراءها خلال وجود فؤاد عالي الهمة بمدينة الحسيمة للإشراف على تدخل السلطات لإنقاذ منكوبي زلزال الريف يوم 24 فبراير 2004…
يُتبع..