اطلس توداي: الرباط – لطيفة بجو-
مر أسبوع على اختتام فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي نظم من 2 إلى 12 يونيو الجاري بالرباط، لكن موضوعه لا زال يثير آراء وتعليقات، سلبية في أغلبها على بعض مواقع التواصل الاجتماعي. تعليقات مرتبطة خصوصا بمكان تنظيمه وتوقيته، وكأن الفضاء أو المدينة التي تحتضنه أهم مما سيقدم خلاله أو من الأنشطة التي ستنظم على هامشه. اعتمد العديد من المنتقدين على الاحصائيات الخاصة بعدد الوافدين على المعرض من أجل إصدار حكمهم بأنه كان فاشلا. هي انتقادات هدامة لا تدع مجالا للشك في كون أصحابها ربما كتبوها لمجرد الكتابة، وليس لكونهم غيورين حقا على الكتاب أو القراءة ببلادنا… أو ربما هي لأسباب أخرى أو لحسابات شخصية…
تضمنت التعليقاتء التي هي في حقيقة الأمر هجومات غضب الكثيرين واعتراضهم على نقل المعرض إلى العاصمة الرباط، بعدما احتضنته الدار البيضاء طيلة سنوات، في الوقت الذي استحسنه كثيرون. فقد نوه عدد من العارضين، مغاربة وأجانب بعملية النقل هاته وبجودة التنظيم المحكم الذي عرفته الدورتين الحالية والسابقة للمعرض، وأكدوا على مستوى النظافة والأمن والتسيير. وهي المواصفات التي لم تكن متوفرة في آخر دورات احتضنتها العاصمة الاقتصادية، واشتكى آخرون من بعض الفوضى التي كان يعرفها التنظيم والتي كانت تؤثر سلبا على سير التظاهرة ونسبة البيع لديهم.
أعاب بعض المعلقين أيضا على معرض الرباط التراجع الكبير الذي عرفه عدد الزوار، وادعوا أنه أقل بكثير من الذي كانت تسجله الدورات المنظَمة بالدار البيضاء، وتعمدوا عدم ذكر الأسباب وراء ذلك، رغم معرفتهم بها حق المعرفة: يكمن أولها في تزامن فترة تنظيم الدورة 28 للمعرض مع امتحانات نهاية السنة الدراسية بالنسبة لجميع المستويات، في حين كانت هذه التظاهرة قبل نقلها إلى العاصمة تقام في بداية شهر فبراير، وهو الوقت الذي كان يصادف عطلة نهاية الأسدس الأول في المدارس والجامعات، مما كان يسمح لهواة القراءة من تلاميذ وطلبة وأساتذة وغيرهم بزيارة المعرض واقتناء الكتب.
أما السبب الثاني، فإنه يرتبط بعدد سكان المدينتين، حيث يشكل سكان العاصمة الإدارية حوالي نصف قاطني العاصمة الاقتصادية(إحصائيات 2021 :1.755.220 مقابل 3.259.749 ). وبالتالي فإذا كان معرض الرباط قد سجل 240 ألف زائر فقط، فإن دورات الدار البيضاء هي الأخرى لم تكن تتعدى عتبة نصف مليون وافد، ولا أدل على ذلك عدد زائري الدورة 25 التي سجلت حوالي 560 ألف فرد، وهو الرقم الذي كان وزير الثقافة والاتصال آنذاك قد اعتبره رقما قياسيا لأنه كان الأعلى منذ أول دورة للمعرض. فليس من الصواب إذن قول بعضهم أن المعرض كان فاشلا وأنه لم يعرف إقبالا، بالاعتماد على عدد الزوار فقط.
إن تنظيم معارض للكتب لن يكون قط هدرا للمال العام ولا للجهد ولا مضيعة للوقت، كما وصفتها بعض الأقلام المتشائمة، ولا يهم مكان تنظيمها، طالما قد حظيت باهتمام الجمهور؛ فلا يختلف اليوم اثنان في كون القراءة قد أصبحت تشكل غولا بالنسبة للبعض، ويعتبرها كثيرون مضيعة للوقت في زمن العولمة الذي نعيشه، وحيث وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات قد غزت البيوت والعقول. توصلت بعض الدراسات النفسية مؤخرا إلى أن رؤية شيء ما وتلمسه باستمرار يخلق نوعا من الارتباط معه، وأظن أن هذا بالضبط ما يتوخاه منظمو معارض الكتاب والنشر، حتى وإن كانت مرة واحدة في السنة، على أمل أن أولياء الأمور سيواظبون على اصطحاب أبنائهم إلى المكتبات ويشجعوهم على تصفح واقتناء ذلك الذي يلقب بخير جليس… لأن الصغار هم المستقبل…ولأن من شب على شيء شاب عليه. وحبذا لو أن الوزارة الوصية تعمل مستقبلا على اطلاع الجمهور ومتتبعي المعرض والمواطنين بصفة عامة على ما تم تحقيقه في مجال القراءة ببلادنا على إثر تنظيم مثل هذه المعارض، ولِم لا، تقديم إحصائيات تفيد عدد القراء وتحسن تجارة الكتب مثلا، لأن مثل هذه المعلومات هي التي من شأنها تحفيز المواطنين وتشجيعهم أكثر على المطالعة.
