المعرض الدولي للكتاب والنشر: ندوة مع الأديب المغربي مبارك ربيع
اطلس توداي: الرباط – لطيفة بجو-
كان المعرض الدولي للنشر والكتاب، وككل سنة، فرصة لدور النشر لتقديم منشوراتها الجديدة في مختلف حقول المعرفة بهدف تعزيز وترسيخ ثقافة القراءة، لكنه شكل أيضا مناسبة لمجموعة من الكتاب ليلتقوا مباشرة بقرائهم ولتوقيع إصداراتهم والترويج لها، وللعديد من المهتمين بالشأن الثقافي ببلادنا للاستفادة من لقاءات وندوات تستضيف مفكرين وأدباء مرموقين، مغاربة وأجانب. في هذا الإطار، كان زوار معرض الكتاب على موعد يوم أمس 10 يونيو مع أحد أعمدة الأدب المغربي الحديث، ألا وهو الأديب الدكتور مبارك ربيع، في لقاء مفيد وماتع حضره عدد مهم من الأساتذة والباحثين والمفكرين والمهتمين بالحقل الأدبي ببلادنا. تمت الإشارة في البداية إلى أن الدكتور دأَب في أعماله على رصد أهم التحولات الاجتماعية التي عرفتها بلادنا، وكأنه يوثق لها توثيقا تاريخيا، وإن كان يرى أن ما يكتبه يقدم صورة عن المجتمع، وليس صورة تاريخية؛ فالرواية تستلهم الوقائع وتجعل الأحداث والأشخاص حية تتحرك.
كان اللقاء مناسبة للحديث عن مواضيع متنوعة ومختلفة ولمناقشة عملين للأديب المغربي هما “غرب المتوسط” وأحدث رواياته “أحمر أسود”.
صدرت رواية “غرب المتوسط” لأول مرة عام 2018 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، وهي مهداة لروح الكاتب المغربي عبد الرحمان منيف، صاحب رواية “شرق المتوسط”. الرواية تطرح إحدى القضايا التي تتمثل في الهجرة، ولكن هنا هجرة في مرحلتين، أي من داخل إفريقيا إلى المغرب ثم من هذا الأخير إلى أوربا، الحلم. حلم الشاب البطل سامان، المهاجر من أصول غانية الذي يسعى لحياة أفضل من خلال الهجرة إلى الضفة الأخرى للمتوسط، فيتكبد المعاناة مع سماسرة الطرق، إلا أن الظروف لا تسعفه، فيجد نفسه يعيش في حي شعبي بالرباط ويمتهن الحراسة الليلية بالتناوب مع شخص آخر. تحكي الرواية أيضا جزءا من حياة البطلة، وهي مدرسة لم تعد تتحمل وضعها الاجتماعي ولا الجيل الذي تُدرسه، فتفكر هي الأخرى في الهجرة بالرغم من وضعيتها الاجتماعية المستقرة. رواية “غرب المتوسط” هي دراما إنسانية يشعر معها القارئ أن الأديب كتبها بأحاسيس قوية، فهو يصف الشخصيات ويحللها بأسلوبه الأدبي السلس وبلغة واضحة. تطرق فيها لمعاناة المجتمع من فقر وقهر وحب… كما وصور الواقع الاجتماعي للفئة الهشة أيضا، ومحاولات الإنسان الدائمة للتآلف والانسجام مع أي محيط جديد يعيش فيه، ويجاهد حتى يستأنس بالعادات واللغة وغيرها.
أما العمل الثاني الذي تمت مناقشته خلال هذا اللقاء الأدبي فهي رواية “أحمر أسود” الصادرة عام 2021 عن نفس دار النشر السالفة الذكر، والتي تتشابه في عنوانها مع رائعة ستاندال “الأحمر والأسود”. من الوهلة الاولى، يلفت الانتباه إثارة الأديب في عنوان الرواية للونين منفصلين، وكأنه يريد أن يجمع بين نقيضين، وهي هنا إحالة إلى الالتباس الذي يقع عادة في الحياة بصفة عامة؛ فالحقائق ليست دائما كما نراها، إما أسود أو أحمر، بل قد تكون الإثنين معا أحيانا. كما تطرق في الرواية لبعض الآفات التي يعرفها المجتمع كالشعوذة، وللعلاقات غير الواضحة والخيانة والأسرة والتغيرات التي طرأت عليها، وللحياة الزوجية والتفكك الأسري وتنشئة الأطفال، كل هذا وهو يناقش ويحلل نفسيات شخصياته، معتمدا في ذلك على خبرته في علوم التربية والتحليل النفسي، وهو يمزج الحاضر بالذاكرة، وأيضا الواقع بالحلم.
لفت بعض المتدخلين الانتباه للتغير الذي طرأ على لغة الأديب مبارك ربيع خلال كتابته رواية “أحمر أسود”، واعتبروها نقلة نوعية، حيث لاحظوا أن هناك ثمة انزياح عن الكلمات المتداولة والمستهلكة. أما بالنسبة للدكتور، فإن اللغة تمثل للكاتب ما تمثله الألوان بالنسبة للفنان التشكيلي، وأنها تكون من وحي الموضوع الذي يكتب حوله، ويعتبرها “تِرمومتر” المواقف والشخصيات، وأنه أحيانا لا يجب أن تكون اللغة شاعرية كثيرا، وهو ما يزيدها جمالا.
نذكر في الختام أن للأديب مبارك ربيع عدة أعمال روائية وقصصية، منها “الطيبون” و”سيدنا قدر” و”الريح الشتوية” و”خيط الروح” و”درب مولاي الشريف” وغيرها، وبعضها تم إدراجها ضمن المناهج التعليمية، كما له عدة دراسات موجهة للأطفال وأبحاث حول علم التربية والطفل، بالإضافة إلى مساهمات في ندوات ومؤتمرات وطنية ودولية أيضا. حصلت كتاباته على جوائز عديدة في المغرب وفي دول عربية أخرى، وتولى منصب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك بالدار البيضاء.