إقحام أخنوش للملك في الجلسة البرلمانية الشهرية..”سلوك لادستوري ولاديمقراطي ولامسؤول”
مراد بورجى
استمعت بإمعان إلى مداخلات الأحزاب المعارضة في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في مجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، التي انتقدت بشدة التدبير الفلاحي، في عدة مجالات، أبرزها مخطط المغرب الأخضر، التي رأت أنه فشل في تحقيق الأمن الغذائي.
أبرز تلك المداخلات تجلت في العرض المُطول الذي قدمه الأمين العام لحزب الحركة الشعبية محمد أوزين، الذي بيّن الخلل والاختلالات بالأرقام والمعطيات، وختم بالدعوة إلى تَشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول حصيلة ذلك “المخطط” لتفادي تكرار انعكاساته السلبية على استراتيجية الجيل الأخضر، التي تغطي الفترة من 2020 إلى 2030.
ثارت ثائرة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بعد سماعه لتلك الانتقادات اللاذعة، خصوصًا أنه تفاجأ بدعوة أوزين لتشكيل لجنة تقصي الحقائق، فما كان من أخنوش إلاّ أن انهال على المعارضة، وعلى رأسها خليفة العنصر وأحرضان، بالسب والشتم والتهديد، واصفا مداخلاتهم بـ”التمييع والنقاش المبتذل والشعبوية وممارسة المعارضة بأسلوب يسيء إلى مكتسبات بلادنا”، واتهم أوزين بممارسة “التهييج”… وهذا خطير جدا، يفترض ألا يسكت “نواب الأمة” على هذا الانتهاك لصفتهم السياسية وموقعهم الدستوري، الذي أراد به أخنوش أن يصادر حقهم الدستوري في التشريع ومراقبة الحكومة، وتغليف ذلك بالتهديد بأن “الحكومة ستواجه بكل حزم التهييج ضدها”، بكل إيحاءات هذا الوعيد من قبيل “التخوين وخدمة أجندات معادية في ظرفية دقيقة تمر منها قضية الوحدة الترابية والسيادة الوطنية”…
وحينما انتهى رئيس الحكومة من السب والتهديد، ولم يجد ما يرد به على الأرقام وعلى التفاصيل، التي قدمتها المعارضة في انتقاداتها لتدبيره وتدبير حكومته للفلاحة، سارع السي أخنوش إلى الاختباء وراء القصر بإقحامه للملك في نقاش دستوري تؤطره مقتضيات الفصل 100 من الدستور، الذي يُلزم رئيس الحكومة حضورَ جلسة عمومية شهرية في أحد المجلسين (النواب أو المستشارين)، تخصص لمساءلة رئيس الحكومة حول حصيلة عمله الحكومي، حيث “يقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة”…
في مقابل هذا الوضوح الدستوري، ولكي يقفز السي أخنوش على المأزق الحقيقي، الذي يجد نفسه غارقا فيه كلما أثيرت اختلالات “مخططه الأخضر”، فقد “خرّج عينيه تحت قبّة البرلمان ليقول، “بلا حيا، بلا حشمة”، للمعارضة وللناس وللمغاربة، الذين تتبعوا هذه الجلسة مباشرة، إن “الملك محمد السادس يعرف التفاصيل الدقيقة لمخطط المغرب الأخضر أكثر من عدد من الناس في وزارة الفلاحة”.
أليس معنى هذا أن على النواب البرلمانيين أن يسألوا الجالس على العرش عن الملف الفلاحي بدل مساءلة الجالس، في الظروف التي يعلمها الجميع، على كرسي رئاسة الحكومة؟!
“حيلة” إقحام الملك، التي كان يلجأ إليها أخنوش كلم اشتدت عليه السبل، لم تعد تنطلي على المغاربة، خصوصا منهم “نواب الأمة”، لسبب بسيط هو أن الملك محمد السادس لا يثق في عزيز أخنوش مادام هذا الأخير ينتمي إلى طبقة سياسية قال عنها الملك “وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟”.
والدليل على عدم ثقة الملك في تدبير أخنوش للمخطط الأخضر، هو اعطاء القصر الضوء الأخضر لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، الذين أنجزوا تقريرا لسنة 2018، من 400 صفحة تعرّي على ركام من الاختلالات والخروقات في وزارة الفلاحة، وكذا على فشل وزيرها عزيز أخنوش، الذي اعتبروه وراء “الشبهات” في تعامل وزارة الفلاحة مع مكتب دراسات معين في مجموعة من الصفقات الخاصة ببرنامج “أليوتيس”، وكذا “شبهات” في ثلاث صفقات تم بموجبها منح 37 مليون درهم لمكتب الدراسات، واختلالات في صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، الذي سيطر عليه بمناورة من مرؤوسه في الحزب وزير المالية لـ”تحريره” من رئيسه آنذاك عبد الإله بنكيران، فضلا عن ركام من الاختلالات والثغرات في “مخطط المغرب الأخضر”، واختلالات في مكتب “أونسا”، و”شبهات” تتعلق بـ”كوطات الريع” في صيد الأسماك…
لمثل هذه الأسباب، شدّد الملك على ضرورة تفادي أي شكل من إقحام القصر، ليقول بالحرف: “فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”… وهذا ما دعا الملك، بهذه العبارة، إلى أن يقول لكل من يهمهم الأمر: كفى من الاختباء وراء القصر…
وهذا أيضا هو ما دفع الملك محمد السادس إلى فضح ما جرى بمجلس المنافسة عبر بلاغ رسمي صادر عن الديوان الملكي ينتقد فيه الملك استعمال اسمه للضغط على أعضاء مجلس المنافسة، للتأثير على قرارهم بدعوى أن هناك تعليمات صادرة من فوق، فشكل الملك لجنة لتقصي الحقائق حول استغلال “أخنوش” أو غيره لاسم الملك في موضوع مجلس المنافسة بخصوص المحروقات من “مُمارسات مخالفة لقانون حرية المنافسة والأسعار”، إضافة إلى لجنة الاستطلاع البرلمانية، التي خلُصت إلى أن تحرير الحكومة لأسعار المحروقات جنت من خلاله شركات المحروقات أكثر من 17 مليار درهم، ارتفعت حاليا إلى حوالي 44 مليار درهم…
كما لا تتوانى مؤسسات الدولة ذات الصلة والاختصاص من انتقاد تدبير أخنوش الحكومي ككل من قبيل تقارير المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، ووالي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري.
وفضلا عن كل ذلك، لِمَ لا يكون تعبيرًا عن عدم الرضى على تدبير أخنوش غيابُ الأمير مولاي الحسن ولي عهد الملك عن افتتاح المعرض الدولي للفلاحة في دورة هذه السنة.
عزيز أخنوش، الذي يرى فيه المغاربة أنه “استحوذ” على كرسي رئاسة الحكومة، عبر استغلال “الحاجة والهشاشة” باستعمال قفف “جود”، وفق الاتهام، الذي وجّهه إليه بلاغ ناري نجد من ضمن موقّعِيه متزعّمي الحزبين المشاركين معه في الحكومة عبد اللطيف وهبي ونزار بركة…، يفترض فيه أن يقدم الأجوبة على الأسئلة، كما تقول مقتضيات الفصل 100 من الدستور، ولا مجال هنا لإقحام الملك في موضوع محسوم دستوريا، بل أكثر من ذلك، على السي أخنوش أن يجيب، أصلا وأساسا، على سلسلة اتهامات قضاة الحسابات، وأن يجيب على مساءلة المهاجري، الذي كلّفته موقعه، حينما توجّه إلى أخنوش بالسؤال الملكي: “أين الثروة؟”، وأن يجيب على الاتهامات، التي وجّهها وهبي إلى أخنوش، عندما طالبه بإرجاع مبلغ 1700 مليار سنتيم المنهوبة من جيوب المغاربة في المحروقات، مثلما طالب حْفيظ العلمي برد مبلغ 45,2 مليون دولار، أي ما يعادل 41 مليار سنتيم كمستحقات للدولة من التلاعب في قيمة صفقة تفويت 53 في المائة من شركة “سهام للتأمين”…
هذه وغيرها من الأسئلة، التي يفترض أن يسمع المواطنون إجابات عنها من رئيس حكومة، بعيدا عن التهديد والوعيد والتلويح بتهمة “التهييج”، التي تعبّر عن محاولة ممنهجة لمصادرة حق السواد الأعظم من المغاربة الغاضبين من هذه الحكومة، في التعبير عن شكاواهم وآلامهم وإحباطاتهم ومآسيهم ومعاناتهم من الغلاء، الذي طحنهم، فصاروا يخرجون، هنا وهناك، للاحتجاج على أخنوش ومطالبته بالرحيل…