بانوراما

المغاربة و… الترمضينة

أطلس توداي: لطيفة بجو

شاءت الأقدار وساقتني الظروف إلى المدينة العتيقة بالعاصمة ساعتين قبل أذان المغرب…ويا ليتني لم أذهب هناك. لم أزر هذا المكان قبيل ساعة الإفطار منذ ما يربو على عقد من الزمن، فاكتشفت أن لا شيء قد تغير من عادات المغاربة؛ لا زالوا يتصرفون كسابق عهدي بهم: يقتنون المؤن والسلع الكثيرة، من فواكه وحلويات وتمور وأعاصير. يسارعون الزمن محملين بكل ما لذ وطاب، ومؤكدين المثل المغربي القائل “العين كتاكل قبل الكرش”.

اكتشفت أيضا أن عراكات ومسابات ومشادات المواطنين الكلامية قد تضاعفت عما كانت عليه من قبل. لم تدم خرجتي أكثر من ساعة ونصف، إلا أنه كان وقتا كافيا كي أكون شاهد عيان على ثلاثة نزاعات، انتهت إحداها بالتشابك بالأيدي والتراشق بكل ما وقع تحت أيدي المتنازعين من تفاح واجاص وبرتقال. فقد كانا في حالة من الغضب تمنعهما من التفكير في عواقب ما كانا يفعلانه. أما عن كمية السب والشتم والكلام النابي ولعنة الوالدين والذات الإلهية، فحدث ولا حرج.

لم تفلح لا دعوات بعض المواطنين لهما بالتوقف عن المسابة، ونحن نعيش أجواء ليلة القدر، ولا تدخل البعض الآخر لإبعادهما عن بعضهما، ليتشابك المتخاصمان في النهاية بالأيدي، ويوسع أقواهما الآخر ضربا ورفسا بالقدم، بعدما تمكن من إسقاطه أرضا، وكأنه فوق حلبة ملاكمة. الأمر الذي اضطر المارة إلى الاستنجاد بالشرطة لفض النزاع. وفي الأخير، حمل الإسعاف أحدهما إلى المستشفى، في حين سيق الثاني إلى مخفر الشرطة أمام استنكار الجميع لما وقع أمامهم.

عادة، نسمي نحن المغاربة ما وقع ب “الترمضينة”، يصاب بها كل شخص “مقطوع” أو مدمن، سواء على القهوة أو الشاي أو السجائر أو غيرهم. يشعر بصداع على مستوى دماغه وتتغير نفسيته ونسبة الأدرنالين في جسمه. الشيء الذي يجعله عرضة للغضب السريع، ويصبح غير قادر على التحكم في مشاعره وأعصابه وبالتالي في تصرفاته أيضا. هي حالة نفسية تستدعي قوة الشخصية والإرادة للتغلب عليها، حسب أطباء الجهاز العصبي والأخصائيين النفسيين. لكن بعض الناس يغالون أحيانا، ويضعون “ترمضينتهم” وكل تصرفاتهم السيئة على حساب تأثير رمضان والصيام عليهم.

لقد عززت خرجتي تلك فكرة لطالما راودتني خلال السنوات الأخيرة، ألا وهي أن رمضان لم يعد كما كنا نعيشه ونحن صغارا. لقد تغير كل شيء، تحضيراته وأجواؤه وسلوكيات الناس أيضا، بل وحتى ليالي التسامر الرمضانية التي كنا نقضيها بعد عودة الكبار من صلاة التراويح. لقد تغيرت أشياء كثيرة وأصبحت أخرى باهتة وفقدت طعمها وحلاوتها، وربما فقد رمضان معها بعضا من أهميته الروحية أيضا. نعم، لا زال الجميع يصوم رمضان، ولكنه عند الكثيرين مجرد إمساك عن الأكل والشرب أكثر منه فرصة للتقرب إلى الله. فهل تراهم يصومون لأن هذا الشهر هو شهر المغفرة والعتق من النار وكسب الحسنات، أم لأنه عادة اجتماعية وجدوا آباءهم وأجدادهم يتبعونها؟ موضوع للنقاش.

كل شيء تغير إلا “ترمضينة” رمضان عند البعض، فلم يؤثر عليها الزمن ولا التطور والنمو الذي عرفه المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى