الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج إسماعيل
هل العالم مقبل على شدة مستنصرية؟!…
“الجوع” هاجس الشعوب بعد أزمتين متلاحقتين. وباء كورونا وحرب أوكرانيا.
انتهى الوباء تقريبا، لكن الحرب بدأت عامها الثاني، وهي أكثر إصرارا على المضي إلى أبعد نقطة.
التاريخ يقول إن العالم تعرض لمجاعات مهلكة، والشكوى من وصول سعر بيضة الدجاج إلى 5 جنيهات في مصر، جربها أهل مصر في الشدة المستنصرية زمن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، حيث يذكر المؤرخون أن سعرها وصل إلى 10 قراريط.
ستنتهي حرب أوكرانيا يوما ما. قد تنهزم روسيا وتتفكك جمهورياتها كما حدث للاتحاد السوفييتي، وقد تختفي أوكرانيا من الخريطة كما اختفت دول وإمبراطوريات من قبل.
خطأ زيلنسكي أنه لم يقرأ خريطته جيدا وبالغ في قوة أوروبا والناتو والولايات المتحدة، وخطأ بوتين تجاهله لقاعدة أن من يبدأ الحرب قد يستحيل عليه انهاؤها.
الخاسر الأكبر هو العالم وبالتحديد الاقتصاديات الضعيفة التي تعيش مجتمعاتها حروبا على مدار الساعة مع الغلاء، ومع انخفاض عملتها والعجز عن شراء السلع الأساسية.
من يريد أن تحسم روسيا الحرب لصالحها يقولون إن “الديمقراطية” التي تزعم أوكرانيا أنها تحارب من أجلها، وتستدعي بها الغرب والناتو لمساعدتها، لا تطعم الجائعين، ومن يحتمي بأمريكا، يشبه الراقصة التي تتصور أن ورقة التوت تصونها.
الجنوح إلى السلام الآن مهمة شاقة على الجميع.
أكثر من الجوع.. هناك فوضى تسري في العالم كالنار في الهشيم.
واشنطن لم تعد تخيف أو تسيطر بقوتها الناعمة أو الخشنة، وتخلت عن دور السمسار في الخليج للتنين الصيني باستسلام غير مفهوم.
إسرائيل نفسها بدأت تشك في إمكانية بقائها رغم تفوقها العسكري.
إيران صمدت في وجه مقاطعة مستمرة منذ عدة سنوات، ومع ذلك انتصرت دبلوماسيا بمصالحتها مع السعودية، كما ربحت بتطوير أسلحة أمريكية حساسة استولى عليها الروس في حرب أوكرانيا وأهدوها لها ليستنسخوا منها نسخا أكثر تطورا.
لا أحد يعرف سر الصمود الطويل للاقتصاد الإيراني في وجه المقاطعة الصارمة، ولن يعرف أحد كيف يعيش الاقتصاد الروسي وينمو في ظلها؟!..
ذلك هو اللغز الكبير، لأن الدول الأخرى التي تعيش تحت مظلة أمريكا والاتحاد الأوروبي، تخطو سريعا نحو الشدة المستنصرية إذا لم تنته الحرب.
تنقل صحيفة بولتيكو الأمريكية عن مسؤول غربي أن هناك “عملة دولة” غير الدولار واليورو أشبه بمحطة الحافلات، للتهرب من العقوبات، تنزل عملة وتركب أخرى عبر شركات وهمية تستخدم في المعاملات غير المشروعة، فتتلقى أموالًا بالدولار أو اليورو ثم تحولها إلى عملة تلك الدولة، وبالتالي تستخدمها طهران كبوابة لتجارتها الخارجية، وربما نقلت خبرتها تلك في التهرب من المقاطعة إلى روسيا.
لو كان تقرير البوليتكو صحيحا سنرى أثارا سلبية بالغة على اقتصاد ثالث ومزدهر في الخليج نتيجة المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، لأنه لن تكون هناك حاجة لمحطة الحافلات التي كانت واشنطن تعلم بها وتغض الطرف عنها…
هل صمتت أمريكا عن المصالحة لتغلق تلك البوابة؟..
إنها الفوضى العالمية التي يعجز الجميع عن تفسيرها أو حتى الإمساك بخيوطها.