آراء وأعمدة

شراهة الليل

أطلس توداي : هند بومدين

أعمق الوجع هو الذي يغدق الخافق ألما و خيبة يا عدمي و يعجز أن يسر به حتى للنبض و حين تؤرقني شراهة الليل في سحبي أنزلق نحو زحمة الصمت ، غريقة في عتمات الروح ، أقتفي من مكائد الوحدة و أتجرد به من آثار الوجع القديم ، كلما انتعلتني الذكرى وسگبت ملامحي في علبة مثقوبة تطفو على شط مرير
مذ عهود مضت وقلبي على قيد الحيرة يصحو و قد بات يعرف لغة العصافير وهمس الورد، و لم يخبرني أن للشوق نوبات تبدد ليل السكون فيكبر ويتجدد وينتفخ بالأيام المريضة ،
الفوضى والمطر ولوعة بأسي.. والتجاعيد تغدر بوجهي الجميل ونظرتي تحمل سرا عميقا و الحلم الذي أنشده يقف أمامي الآن.
يزرع الحنين في محراب الأحداق يتخطى حظوظه الضئيلة فيصير للدمع بتلات و هو يصغي إلى توليبة تنادي عليه ، يعزف الوهم و الألفة بوحشة و هذا الصمت الكثيف الذي يُغلّفني كلما سهرت طول الليل لأجمع الندى مدادا لقصيدتي ويرفض تدوين النزيف المُتدلي من حنجرتي .
و في الطريق المؤدي إلى قصيدتي استوقفني يمام يحشر نفسه في أمور تعنيني ولا تعنيني تحمل إحداها بخورا و حروفا معتقة ويُشعرها بالخيبة كونه لا يكترث لكل محاولاتها في لفت انتباهه
لطاماا شعرت بالامتلاء الأعظم بالاكتفاء الذي ينقذني من أنياب الايام الجائعة ، بالاحتواء الذي يوازي سنوات كثيرة مضاعفة ، يبدو أني دربت نفسي جيدا على الوحدة و على مد بصري بعيدا داخل مدار الزمن ، مرة أخرى دفعت قلبي نحو نعيم يستحق المجازفة فكنت عابثة ، متهورة ، جريئة، شرسة ولذيذة جدا فتحت كل أشرعة الحب ، تجردت من نضجي ومن عقلانيتي وركبت موجا اعلى من قامتي ، اعلى من جموحي ومن جحيم أنوثتي ، تمردت على الشعور الذي يقودني نحو الخلاص ، الخلاص من الاشياء البسيطة التي تجعلني أبدو امراة مغفلة ، خلعت عني أربعون حلما من الوجع الصارم الذي نصب كرسياً وجلس فوق عمري ،
صمت معّمر ولد من ورطة سافلة تتقن رقصة غجرية فوق الحبال الصوتية لقافيتي ، حاكته صحوة المواجع وألبَسَتُه ملامح وجهي لكنها لم تعلمه أني منذ الصباح أقف على باب المقهى العتيق لأرتشف قهوتي بهدوء
أجلس فوق أبيات القصيدة التي لم أكتبها بعد وأمشّط افكاري المعتقة بالنبيذ وأُذيب أنفاس الزيزفون في فنجان بوحي ، اصابعي مطرقة لطيفة أدلق بها بهرجة مشاعري ..
و كيف تكتب أبجديات المطر على مرايا المساء و كيف ترتعش أصابعي على صوري و هل تشرد في تفاصيل الغياب
كشيء ما يفرحك أو يوجعك وهل تنسى كثيرا وهل ضعت يوما في امرأة متمردة لا تعرف حتى أسمها وتشرب النبيذ في لحظة الموت المحتم هل أنت لاجئ ومنفي بلا وطن قلت نعم و غادرت في عتمة الشارع الذي لا ينتهي إلا بي
يرفض عتقي من هذا الذنب الذي يَطلُني على جبين الياسمين ، نائياً عن تهدئِة سطو الجرائم التي تحدثُ داخلي مُحمّلا بأشياء تغتصب راحتي ليصعد ضوء خافت يتسلق أهداب الأمل ، كم يُرهقني سخطه وهو يمارس عليّ تصرفاته الانتهازية يقطع عني سُبّل المتّع الصغيرة ويعرقل أفكاري الهجينة ، ينقلني من ضيّاع إلى أخر ويسحق منبت الشتّات الهائل الذي يرفض أن يتخطاني و هو يتأمل بريق عينيه الأخاذ و يفرك على وجنتيه ابتسامة الخلود
لا ينفّك أن يستريح من الوشوشة حتى يحدث رجّة يجعلها للنوارس فتات ،فما عدت أملك قلبا يصبو إلى وصال و أنا أضّج بالأشياء الدافئة التي أعود إليها دائما الأشياء التي تدفعني خارج حيز الوجود لقد احتضر منذ أمد و مات و دفن الود تحت زيزفونة
گل أطرافه تمتد نحو عُقدي ، عقدي الصاخبة المطحونة بالأمس ، التي تشتعل وتنطفىء تثور وتهدأ تتسع وتنكمش تموت وتحيا وتگبر بعد كل مناسبة عظيمة
أسحب سيجارة بيد ترتجف وأدخن هزيمتي الأخيرة وألوي ذراع الحب الطويل لا شيء هنا يدعو للتفاؤل كل شيء يبدو حزين فقلبي الوسيم ليس على مايرام
ثم يمضي بعيدا مُحلّقاً فوق مربط جأشي رافضاً الاعتذار ، معرضاً عن كل دعوات الصلح
لازلتُ أقاتل على جبهتين وأزحف على بطن الهزائم التي تطاردني ، مليئة بالقلق بالضجر بالبهوت تخنقني المواساة ،تُشبهني الحركات الانتحارية ، عابرةُ مجاز أُلقي بكهل المخاوف على حلكة الليل واستعير من الموت الرجفة الأخيرة والحسرة الأخيرة والهزيمة الأخيرة وأُلقيها في عين أعدائي ، أدفع بناصية الحماس لإنتزاع هدوئهم ، بقائهم في حالة ذعر تُذهلني ، تُنعشني ، تدفعني لتجديد كُحلي باستمرار
اشتهي دسّهم في رِحل الفجيعة حين يمضي المساء و يتبعه الليل و يلج الصبح و تتحرر الشمس من قيد الظلام و يأتي البياض و السواد ليطوي العدم و المرقد كون أن نلتقي
استمتعُ بسوئي ، بأخطائي الفادحة ، بلامبالاتي ، بنوبات قسوتي وبعادِيتي الهائلة التي تتخطى الواقع ، تتخطى رعشة اللذة ولحنِ آهٍ جائع
كوني امرأة من رماد لا أمكث في مكان ينثرني لون مزاجي في غياهب الكون ، ويزّملني اللاوعي في براثِن غفلتِه
ارجم الحزن بالضحكات وانهمر كفراشة من كبدِ السماء ، اعلو بصوت خافت فوق مكاسبي وأنتعل ذاكرة الفرح مستصغرةً عُنق الموت
وأقفز داخل حلمي بلا ذنب كأنه تاريخ مولدي
أركل الرتّابة المحمّلة بالمتاعب ذاتها و قد سحبت بريشة ألوان طيفي وأدهس الحذر الذي يُقحمني في أي علاقة ، لا احب الاشياء التي تستهلكني ، تستنزف عبوري بخسائر باهظة ترقص على محياي و تسلبني السحر المُرادف لترفي لضجيج حرفي و للطريق التي تأخذني لهناك، لا عجب ان تأكلني اللهفة وتقيّد حريتي و أنا أفكر بقادم مجهول يغازل أوكار الشحرور و هي تتمايل مع سنابل المساء لتفتت المسك على الطرقات
انغمس داخل لجّ كينونتي لأكتب قصيدة جديدة مطلعها شروق شمسي أغمض جفني على ذكراي و مواويل حزينة وأمرر حقدي الفاسد عبر أوردتي فتتسرب منها إبتسامتي ، عفويتي شاماتي وعسل عيوني.
واحتسي نبيذ دمي البارد في خلوة مشاعري الضريرة و على ملامح حاضرة رغم الغياب وبهدوء أسحبُني نحو ذاتي الأخرى و أردد عن ظهر قلب أبياتا كنت قد نسيتها مكتوبة على ساق جوزة ،أصبحت فيما بعد مرتع الرغبات المكبوتة و اللاتقدير السوّي ، محطات الاستعباد وأيادي الغدر الطويلة أين تكمن شؤون الظلام كلها
وانا امرأة مطحونة بقسوة القدر أستعير من البحر امواجه وأختبئ خلف أفكاره
هناك حيث ترسبت مواجعي وتخترت احلامي دفنت لحظات الفرح التي لم يمنحها لي الحب في مقبرة الحسرة وأغمضت عينيّ ومُتّ مسمومة بتصحر هائل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى