لا نريد أطفال هونغ كونغ عندنا !
أطلس توداي: لطيفة بجو
أوقفني الضوء الأحمر أمام إحدى المؤسسات التعليمية بالعاصمة، فانطلق المارة يقطعون الطريق. حينها لفت انتباهي منظر رجل يضع على كتفه الأيمن حقيبة ظهْر من التي يحملها الشباب حاليا، ويده اليسرى على ساعد مراهق يمشي بجانبه فوق ممر الراجلين وكأنه يرشده إلى الطريق؛ فقد كان يمسك هاتفه بكلتا يديه ولم يتوقف عن النقر. بعد ذلك ربّت الرجل على كتف الشاب قبل أن يمد له الحقيبة ويقفل راجعا أمامي مرة أخرى.
لقد كان واضحا أنه أب أوصل ابنه إلى باب المؤسسة، وانصرف بعدما اطمأن على فلذة كبده. فمن منا لم يتصرف على هذا النحو في فترة من الفترات، واصطحب أبناءه حين كانوا يجتازون الامتحانات، وبقي بباب المؤسسة ينتظرهم لساعات طوال، دون أن يكل أو يمل؟ ألمْ نقم نحن بمهمة تغليف كل الكشاكيل والمطابع المدرسية مع بداية كل سنة دراسية؟ وماذا عن تجديد التسجيل المدرسي بالمؤسسات التعليمية؟
إنها تصرفات لا يعي الآباء والأولياء تبعاتها ونتائجها السلبية إلا بعد فوات الأوان.
للأسف، فإننا لم نكن نسدي لأبنائنا معروفا ولا جميلا، بل العكس هو الصحيح. لقد كبروا الآن، ومنهم طلبة بالجامعات، ولكننا لا زلنا نعاملهم كما لو كانوا أطفالا، وبالتالي، فإنهم لا زالوا يأملون منا أن نتصرف اتجاههم تماما كما كنا نفعل وهم صغارا.
أمر طبيعي جدا أن يعتني الأهل بأطفالهم، ولكن من الطبيعي أيضا التوقف عن القيام بأمورهم عندما يبلغون سنا معينة. إلا أننا نرتكب خطأ جسيما دون وعي منا، ربما هو بدافع حبنا وخوفنا أن يمسهم مكروه أو ألا ينجحوا في ما سيقبلون عليه؛ فمنذ ولادتهم ونحن نحلق فوق رؤوسهم لحمايتهم. حمايتهم من كل شيء. نعم، مما نعلم ومما لا نعلم أيضا. نحن من جعلناهم محور كل شيء في حياتنا، ودللناهم أكثر مما هو مسموح به، لدرجة أننا حولناهم لأشخاص يصطلح عليهم “اتكاليين ” أو “اعتماديين على الغير”.
فنحن السبب، كنا نقوم بمهامهم وبواجباتهم، ظنا منا أننا نساعدهم، بينما ينصرفون للراحة والتسلية. نحن الآباء والأولياء الذين يطلق علينا اسم “الآباء المدلِّلون”، نقدم الهدايا لأطفالنا بمناسبة وبغير مناسبة، ولبينا -ولا زلنا نلبي- كل احتياجاتهم ونشبع كل رغباتهم، ونسارع لتحقيق أصغر أمنياتهم، حتى قبل أن يفصحوا عنها.
نفرح أيضا عندما نحشر أنفسنا ونساعدهم على تجاوز الصعوبات التي قد تعترضهم، ولا ندع لهم مجالا للاحتكاك بالمشاكل والأزمات، حتى يتعلموا منها لأنهم لا يملكون أي خبرة في الحياة ولا يحسنون التعامل في المواقف الصعبة. نتكلف بمصاريف تعليمهم وترفيههم وتطبيبهم…شخصيا أعرف من تدخل والداه ليحصل على عمل، ثم تكلفا بتسديد مصاريف حفل زفافه واقتناء منزل وسيارة له ولعروسه. وعندما أصبح هو الآخر أبا، تكلفت الجدة بتربية الحفيد.
والآن وقد أصبح “صغارنا” شبانا وصبايا، ها نحن نجني ثمار ما اعتبرناه صنيعا جميلا ومعروفا؛ لقد ساهمنا في جعل أبنائنا غير قادرين على تحمل أي مسؤولية، بل جعلناهم أنانيين وبلغت حالة بعضهم حد النرجسية وبشخصيات غريبة الأطوار.
لقد كبروا وهم لا يقدّرون قيمة ما يملكون لأنهم يعتبرونه حقا مشروعا ومكتسبا، بل وبديهيا في نظرهم أن يحصلوا عليه. إنهم لا يهتمون إلا بما هو مادي، ويعتبرون أن قيمة الأشياء في سعرها فقط، وكلما ارتفع هذا الأخير، كلما أصبحت ثمينة ومهمة جدا.
الطامة الكبرى هي أنهم لا يعرفون حتى كيف يعتنون بأنفسهم، لأنهم اعتادوا وجود أشخاص آخرين في حياتهم يقومون بهذه المهمة، وهم الآباء والأولياء في غالبية الحالات. يعيشون وكأنهم شخصيات الألعاب الالكترونية والكرتون التي يشاهدونها على الشاشة العنكبوتية، لها مسؤول يهتم بإصلاحها إن هي فسدت، أو بتطويرها للمرور للمستويات الأعلى.
ما قمنا ونقوم به ليس بالمسار الطبيعي للأشياء.
فدعوا أبناءكم يخوضون تجارب الحياة، واسمحوا لهم بتجربة عقباتها ومشاكلها. دعوهم يسقطون ثم يقومون. إن ضربات الحياة مهمة جدا لتكوين رجال ونساء بشخصيات من فولاذ، ويُعول عليهم حين الشدائد والنائبات. لا تغالوا في حمايتهم، بل أفسحوا لهم المجال حتى يصبحوا مرنين وقادرين على مجابهة كل الصعاب والعراقيل التي قد تعترضهم. فلتكن لديكم الجرأة على قطع الحبل السري الذي لا يزال يربطكم بأبنائكم، فمن المفترض أنهم لم يعودوا في حاجة إليكم.
يأسف المرء لوضعية كهاته، فهؤلاء الأشخاص يشكلون عبءا على أي مجتمع لأنهم لا يملكون القدرة على تحمل متاعب العمل والحياة. هَمُّهم الشاغل هو اقتناء ملابس وأغراض من العلامات التجارية المعروفة، وامتلاك أجهزة الكترونية من آخر جيل، مثلهم مثل من يصطلح عليهم في آسيا “أطفال هونغ هونغ”، الذين ترفضهم تلك المجتمعات.
فمعذرة منكم، ولكننا لا نريد أطفال هونغ كونغ عندنا !