ولي العهد الأمير مولاي الحسن..ملك قبل الأوان!
اطلس توداي : مراد بورجى
ليس مولاي الحسن الابن الذي كان يجلس إلى جانب محمد السادس الأب، يوم الجمعة 19 ماي الماضي، بل ولي عهد المملكة العلوية الشريفة هو من كان يجلس إلى جانب محمد السادس الجالس على العرش اليوم، وهو يترأس مجلسا وزاريا به وزراء عابرون في حكومة عابرة في ظل استمرار السلالة العلوية.
فقبل ثلاث سنوات تقريبا، وتحديدا في يوم الاثنين 08 يوليوز 2020، كان لولي العهد مولاي الحسن أول حضور لمجلس وزاري. ومنذ ذلك الحين، لا يُمكن ألا يكون ولي العهد مولاي الحسن قد كوّن فكرةً عن التسيير الحكومي، وراكم خبرةً في التدبير والاحتكاك المباشر بالطبقة السياسية، لقد كان الأمير يحضر ويرى ويسمع ويتتبّع ما كان يُقال في مجالس وزارية في عهد حكومة كان يترأسها إسلاميون، وهو يحضر اليوم ويرى ويسمع ويتتبّع ما يقوله، في مجلس وزاري، وزراءُ حكومةٍ يترأسها رأسماليون، يترأسهم الملك محمد السادس، الذي “سئم” التعامل مع معظمهم، بدليل أنه نفس الملك الذي سبق أن اتهم الحكومات، التي تعاقبت في عهده، ومن بينهم هؤلاء الوزراء، بإفشال النموذج التنموي، ووجه إليهم انتقادات شديدة، هم و”سياسيو” أحزابهم التي تشكلت بأغلبيتهم هذه الحكومات، ولم يكتفِ الملك، في هذا الصدد، بخطاب واحد، بل أفرد لهم عدة خطابات إلى درجة أن قال لهم، بصريح العبارة، إنه ومعه الشعب “لم يعد يثق في الطبقة السياسية”، التي اعتبرها الملك فشلت في كل شيء إلاّ في شيءٍ واحد، خصّص له الملك فقرة كاملة، في خطاب عيد العرش 30 يوليوز 2022، حينما قال إن هناك أشخاصا يهدفون إلى “تحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة”.. في تذكيرٍ للطبقة السياسية السائدة اليوم، حكومة ومعارضة، بالسؤال الفاضح والجارح، الذي طرحه الملك مع الشعب، قبل ثماني سنوات، في خطاب العرش لسنة 2014، على هذه الطبقة السياسية “المحتلة” للكراسي، التي تسللت لها بلا كفاءة ولا تجربة، ليأتي السؤال بصيغة مباشرة: “أتساءل مع المغاربة أين هي الثروة ولماذا لم يستفد منها جميع المغاربة؟”.. وكذا ذكّرهم في خطاب آخر للجلوس، كان بين هذين الخطابين، في 29 يوليوز 2017، وعد فيه الجالس على العرش الشعب المغربي بأنه سيطبق المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، على قاعدة أنه “كما يُطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة جهات المملكة”، وتابع الجالس على العرش قوله: “إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب”…
والظاهر أن ولي العهد مولاي الحسن لن يقبل بأن تتمدد هذه الطينة من المسؤولين حتى عهده، ويجب منعها من المرور أو “التسلّل” إلى عهد ملك سيسير البلاد مع جيل “الآيباد”، الذي سيتمكن بنقرة واحدة من الولوج إلى المعلومة، وفق ما ستتيحه البرامج الرقمية، التي تشتغل عليها الدولة اليوم، والتي بدأت بالسجل الوطني الموحد للسكان كملف اجتماعي يحظى بعناية خاصة، والتي لن تنتهي بجعل المواطن يتعامل مباشرة مع الإدارة عبر البوابات الرقمية، التي ستحجب الأشخاص وتغلق بوابات النهب.
بالتأكيد ستفضح الرقمنة هؤلاء المسؤولين والسياسيين وغيرهم من الذين يتنعّمون يمينا وشِمالاً في المال العام منذ عشرات السنين، بل إن المغاربة اليوم مقتنعون أنهم ضحايا لهذه “الحفنة المحظوظة”، كما سمّاها الملك محمد السادس نفسه، من الذين اغتنوا واغترفوا واغتنموا من الريع والنفوذ والفساد والنهب، وراكموا من وراء ذلك ثرواتهم الطائلة والمفاجئة، عبر الاحتيال على مؤسسات الدولة، بتواطؤ مع بعض كبار موظفيها، وعندما تتفجّر بعض فضائحها وتصل شظاياها إلى القضاء، تتم التضحية بصغار الموظفين وبعض أكباش الفداء…
لقد فطن الملك محمد السادس لكل هذا، فانحاز لشباب الربيع المغربي، العربي الأمازيغي، بالخطاب الشهير ليوم 09 مارس 2011، الذي اعتمد مطالب الشارع في خطاباته الموجهة إلى هذه “الحفنة المحظوظة”، التي اغتنت غنًى فاحشا، فيما ازداد باقي المغاربة فقرأ مذقعًا، كما قال أيضا الملك نفسه.
إنها نفس “الحفنة”، التي حظيت بالدعم والحماية حتي في عهد حكومة بنكيران، الذي كان يدعي وحزبه أنه سيحارب الفساد، فوجد نفسه يُشرعن له ويأكل الثوم الذي وضعه في فمه وزير المالية “المطرود” محمد بوسعيد، من خلال دفعه لسن قانون إبراء الذمة سنة 2014، الذي يهدف، حسب ما أقنع به بوسعيد وزير المالية “المطرود” عبد الاله بنكيران أن هذا القانون سيتيح للمغرب استرداد أمواله المُهربة إلى الخارج بطريقة غير قانونية، وسيؤدي ذلك إلى تحسين الوضعية المالية والنقدية للبلاد، فيما الذي تحسّن هو جيوب المُفسدين المقاومين لاصلاحات الملك، وتم بعدها تهريب الأضعاف المضاعفة من أموال الشعب المغربي المنهوبة لوجهات هذه المرة شرقية وآسيوية، تنظاف إلى تلك الملايير المخبأة في الغرب أبناك وبيوت وتحفًا ناذره..
قناعات الملك ومعه بنكيران بخصوص أمر سن قانون “عفا الله عمّن سرق”، كان هدفه وقفَ النهب، ورحيل هؤلاء وابتعادهم عن الإدارة واختفاءهم من الساحة، إلاّ أن هؤلاء ظلوا يتمردون على سياسة وقف النهب، التي دعا إليها الملك محمد السادس، في تحدٍ كبير لتهديداته، واعتقادًا منهم أنه لا تقارير ولا آثار لِما مارسوه من نهب لجيوب الشعب.
والحال أن الدولة كانت تنتظر نهاية رقمنة الإدارة كي تتضح لها معالم هذه الجرائم، وتبدأ في تفعيل الاتفاقيات الدولية، التي تهدف إلى محاربة غسيل الأموال العابر للقارات.
من خلال المعطيات المتوفّرة، أعتقد أن المغرب بات جاهزا لما يمكن اعتباره “20 فبراير ملكية”، يريد من خلالها الملك محمد السادس محاربة عصابة تشتغل بمنطق مافيات الجريمة المنظمة، التي اخترقت دواليب الإدارة، وتحولت إلى نظام قائم الذات، وإلى بنية موازية توظف لفائدتها إداريين وموظفين ورجال سلطة ومنتخبين فاسدين، ناهيك عن استغلال الحاجة والهشاشة والفقر.. وهو ما وفر كل العوامل التي قادت إلى الإفلاس المبين لكل المخططات التنموية…
وأعتقد أن العودة إلى مختلف تحوّلات ومنعرجات هذا المسار ستؤهّلنا لنفهم ماذا تعني إشارات الملك، التي وردت على لسان مستشاريه عبد اللطيف المنوني وعمر عزيمان، اللذين خرجا، في تصريحات صحفية مع وكالة فرانس بريس، ليقولا إن المغرب يتجه نحو ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ما يعني أن الملك، في الوقت المناسب، سيتوارى إلى الخلف ليترك الحكم وإدارة الشأن العام إلى جهاز تنفيذي تفرزه صناديق الاقتراع في انتخابات يختار فيها الشعب ممثليه…
الرسالة هنا واضحة، وهو أن الملك ماضٍ في طريق التنازل المتدرج عن صلاحياتٍ دستورية وسيادية، كان والده الراحل الحسن الثاني لا يتردد في إرسال أي سياسي أو أي مواطن عادي طالب بملكية برلمانية إلى غياهب السجون والمعتقلات السرية والعلنية…
بمعنى آخر، إن الملك محمد السادس عبّر، شخصيا، عن رغبته في تهيئة الأجواء المناسبة لمرحلة سياسية أخرى يُنتظر أن ينخرط فيها المغرب مستقبلا برؤية جديدة، وبكفاءات جديدة، وبرجالات جدد ليست لهم أي مسؤولية في هذا الفساد الكبير الذي ينخر البلد بالطول والعرض تمهيدًا لحكم ولي العهد مولاي الحسن…
هذا التحوّل النوعي، وهو تحوّل تطوري وطبيعي، قد يدفع بالملك إلى مراجعة دستور المملكة كي يتماشى مع طموحات واستشرافات القصر، التي يجب أن تسبقها، وفق ما ذكره المستشاران الملكيان، إدخال مقتضيات وإصلاحات وتغييرات جذرية تضمن التنزيل السليم والناجع لهذا الشكل الجديد من الحكم في المغرب، بما أن الملك محمد السادس اختار ان ينحاز إلى نظام الملكيات الأوروبية محاولاً الاصطفاف معها، ومع ديمقراطية بلدانها، بعد أن رفض طلب الانضمام إلى “درع الخليج” لـ”حماية الملكيات” المتجمِّعة في مجلس التعاون الخليجي أيام “الربيع العربي”، مفضّلًا الاحتماء بالدستور، والتنازل عن العديد من صلاحياته الملكية، ليختزلها في صلاحيات رئيس الدولة وأمير المؤمنين فقط، في دستور 2011.
يمكن لهذه المراجعة أن تشمل توسيع صلاحيات ولي العهد، وحتى أن تتضمن نصا يمكن من خلاله أن يوكل الملك العرش، في عهده، إلى ولي عهده، خلال مرحلة ما، كما سبق للملك الإسباني خوان كارلوس أن فعل، عندما ولّى نجله الأمير فيليبي على العرش ويتتبع خطواته، أو كما فعل أمير قطر الشيخ حمد مع ابنه الشيخ تميم، مع احتفاظ الملك بصلاحيات “إمارة المؤمنين”، حتى لا يصطدم الملك الشاب بما سبق أن صرّح به أحمد الريسوني، رئيس حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، عقب اعتلاء الملك محمد السادس العرش، حين قال إن الملك شاب غير متزوج ولا يتوفر على الأهلية العلمية لإصدار الفتوى، ولا تتوفر فيه أيضا مقومات أمير المؤمنين، مما دفع بالأمانة العامة لهيئته السياسية إلى إبعاده من رئاسة حركتها الدعوية…
في بداية اعتلائه العرش، قال الملك محمد السادس للأمير مولاي رشيد: “إذا ما تغيرتُ، نبّهني لذلك”. وبعد مدة، سأل الملك شقيقه الأمير إن كان تغيّر، فأجابه مولاي رشيد “نعم بعض الشيء، لكن لا أعتقد أن هذا التغيير كان سلبيا”. لعل الملك تأمّل عميقا في جواب شقيقه، قبل أن يؤكد: “في البداية، كنت أظن أنني سأبقى كما كنت، إلا أن الحكم يغيّر الإنسان، وأنا لا أشكل استثناء للقاعدة”…