رياضة

“هذه المرة لإفريقيا” “This time for Africa” 

أطلس توداي: لطيفة بجو

“هذه المرة لإفريقيا” “This time for Africa” 

هكذا غنتها شاكيرا في 2010، وتنبأت بوصول إفريقيا لنهائي كأس العالم. لقد انتظرنا اثنتي عشرة سنة. إنها مدة طويلة جدا، ولكن صبرنا وجهدنا لم يذهبا سدى؛ فها هو منتخب المغرب، البلد العربي والمسلم والإفريقي، قد صعد إلى المربع الذهبي للمرة الأولى في تاريخه. فهل كان علينا أن نطلق عليه اسم “المنتخب العربي” ؟ أم  تراه “المنتخب الإفريقي”؟ فقد حمل معه  تطلعات ودعوات وأماني أمة بأكملها وقارة برمتها.

لقد استمتعنا وافتخرنا ونحن نشاهد المستوى العالي جدا الذي أبان عنه أسود الأطلس خلال مواجهاتهم مع منتخبات كان يضرب لها ألف حساب، بل انها كانت مرشحة للفوز بالكأس. لم يكن إذن ضربا من الجنون أن نحلم بالفوز في مباراتنا ضد فريق فرنسا. صحيح أنه قوي، وكل الأنظار كانت موجهة إليه، وخسارتنا أمامه لا تنفي ما قام به شبابنا الأشداء والمقاتلين الأشاوس الذين يمثلون المغرب في قطر، فهم يملكون من الإمكانيات ويحملون بداخلهم من العزيمة وحب الوطن ما مكنهم من القضاء على أشرس المنتخبات.

لقد حقق المنتخب المغربي/العربي/الإفريقي إنجازا رائعا، ليصبح المغرب في غضون أيام قليلة حديث الجماهير في كل بقاع العالم، والموضوع المفضل لبرامج التحليل بالعديد من القنوات الدولية. هذا  بالإضافة إلى أن الإحصائيات المرتبطة بالبحث عن كلمة “المغرب” عبر محرك “غوغل” قد عرفت ارتفاعا مهما خلال الأيام الأخيرة. وهو الشيء الذي سيخدم لا محالة سياحة واقتصاد البلاد.

إنها لعمري دروس حقيقية في القومية والوطنية والتضامن والوحدة، تلك التي قدمها اللاعبون المغاربة للعالم خلال المونديال الحالي. فلن تسمع ما حييت لاعبا اسبانيا أو هولنديا أو دانماركيا يقول بأنه يلعب لفائدة اوربا، بينما شباب المنتخب المغربي يفتخرون بكونهم يشاركون “ويلعبون لصالح المغرب والعالم العربي وإفريقيا.” إنه شعور قوي بالانتماء لقومية ومنطقة معينة تجمعها وحدة الدين والتاريخ واللغة، وهو ما يفتقده مواطنو باقي الدول، لاعبين كانوا أو مواطنين عاديين.

مع اقتراب موعد النزال المغربي الفرنسي، شرعت بعض وسائل الإعلام في نعت المنتخب المغربي بفريق “الأمم المتحدة”، لأن بعض عناصره ولدوا وترعرعوا باوربا، كطريقة ربما للضغط على اللاعبين المغاربة. لم أستحسن الأمر، فقررت إجراء بحث صغير حول الخصم الفرنسي، لأن معلوماتي ضئيلة جدا في مجال كرة القدم وما يتعلق بها. فلا أخفيكم إذن أنني استعنت بالموقع الرسمي للفيفا قبل تحرير هذه الأسطر. وكم كانت دهشتي عظيمة عندما اكتشفت أن تشكيلة الفريق المنافس للمغرب تضم مزيجا من جنسيات مختلفة عبر العالم.

لقد قيل قديما:” إذا كان بيتك من زجاج، فلا تقذف الناس بالحجارة”. وهذا بالضبط ما قامت به بعض وسائل الإعلام. لقد كانت الكتابات حسب رأيي المتواضع دليلا على تخوف فرنسا من مواجهة خصم قوي كأسود الأطلس. فحاول الإعلام إذن زعزعة عزيمتهم وثقتهم بقدراتهم، لأن كل من يدعم طرح فريق “الأمم المتحدة” إنما يتناسى أن أصول كل هؤلاء اللاعبين هي مغربية، قبل أن تكون هولندية أو إسبانية أو حتى فرنسية، وهو ما لا ينطبق على معظم لاعبي الفريق الفرنسي.

انتهت المباراة إذن بهدفين لصفر لصالح زملاء مبابي، ومرة أخرى، وقف العديد من المشجعين عبر العالم، عربا ومسلمين وأفارقة وحتى من أمريكا الجنوبية وغيرهم في صف المغرب، وهذا في حد ذاته انتصارا كبيرا لنا.

كانت مهمة المنتخب الوطني خلال مونديال قطر صعبة للغاية، بل هناك من جزم أنها مستحيلة، لكنه استطاع الوصول إلى المربع الذهبي الذي طالما حلمنا به، بفضل مدرب محنك وفريق من طينة الكبار. لقد أمتعوا كل المتابعين وفازوا بتعاطف كل الشعوب عبر العالم، وبالرغم من خسارتهم لأن الحظ لم يحالفهم، وبسبب هفوات في التحكيم، فلهم أن يرفعوا رؤوسهم عاليا بعد أدائهم الرائع والمشرف.  

وإذا كانت تسديدات وكُرات لاعبينا لم تصب الهدف بالملعب، فإن المنتخب المغربي قد نجح طيلة الفترة الماضية في تحقيق هدف لا يقل أهمية، ألا وهو توحيد الصفوف العربية والاسلامية والإفريقية على حد سواء. ولو كان الحظ حليفنا، لاحتفلت معنا كل هذه الشعوب مجددا. والآن وقد تأهلت فرنسا، فإنني أتساءل: من سيشاركها فرحتها؟

أما نحن، فيكفينا فخرا أن المغرب أطاح بأقوى المنتخبات العالمية. فهنيئا لنا ولمنتخبنا بهذا الانتصار وحظا موفقا له في مباراة الترتيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى