نجاحات أم تفاهات؟
أطلس توداي: لطيفة بجو
ثمة ظاهرة نعيشها في بلادنا الحبيبة. لكن، أود في البداية الإشادة بفريق الشباب المغاربة الذين حازوا الجائزة الأولى في أكبر مسابقة للروبوتات في العالم بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتلميذة التي ظفرت بالجائزة الذهبية للاولمبياد الإفريقية في الرياضيات، وفازت بلقب “ملكة الرياضيات الإفريقية”، وبفريق المدرسة المغربية لعلوم المهندس الذي أحرز الميدالية الذهبية في المعرض العالمي للاختراعات باليابان. كما لا يفوتني التنويه بالتلميذة/الطفلة التي حصلت على المنصب الثاني في مسابقة الإملاء الدولية بكندا.
كلها نجاحات لمغاربة في منافسات ومحافل دولية نظمت خلال شهر ماي الجاري فقط. ولكن، هل سمع أحد بهذه الأنشطة ؟ وهل اهتم بها الجمهور أو تابعها، باستثناء أهالي المشاركين ومقربيهم؟ أستحي حتى من طرح السؤال عن السبب، لأن الجواب بسيط جدا: فلا أحد تحدث عنها أو عن تنظيمها أو عن تحضير بلادنا للمشاركة فيها. كما أن العديد من المشاركين في مثل هذه المنافسات لا يحصلون على أي دعم أو مساعدة. وهو ما حدث للطفلة التي شاركت في مسابقة الإملاء والتي حكت أن أسرتها بذلت مجهودات كبيرة قصد الحصول على تأشيرة السفر، حيث أن السفارة الكندية لم تمكنها منها إلا يوم السفر بالضبط لدرجة أنها وصلت مكان المسابقة سويعات فقط قبل انطلاق المنافسة.
إن مثل هذه الأنشطة لا تثير اهتمام الجمهور ولا حب استطلاعه، وحتى لو كتبت عنها وسائل الإعلام، فستكون ببنط صغير جدا بحيث لن يراها أحد. إنها ليست إعلانات عن مسابقات غنائية أو رقص، ولا تفاهة من قبيل الروتين اليومي أو طلاق فلان أو زواج فلانة أو تشوه فنانة بعد خضوعها لعملية تجميل أو فضيحة سجن أو قتل أو فساد، ولا…الخ. والنتيجة هي أن هذه التظاهرات الثقافية والعلمية تمر في “تجاهل” تام من طرف المغاربة، ولا يعلم بها بعد ذلك إلا القلة القليلة من متتبعي بعض المواقع الالكترونية التي تنشر الخبر بعد “حصد” المشاركين المغاربة للجوائز. وعند عودتهم، لا يجد الفائزون أحدا في استقبالهم في المطارات، ولا تدافع من طرف الجمهور، ولا هتافات، ولا زغاريد ولا غناء ولا “دقايقية”، ولا معجبة تصرخ “ايهاب”، ولا إغماأت في صفوف الفتيات…شأنهم في ذلك شأن من يعودون، متوَّجين، من المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده. وكأن الكل قد تنكر لهم، لأنهم لم يمتعوهم بغناء أو رقص أو تفاهات من تلك التي تطبل لها وسائل الإعلام ويُروج لها عبر صفحاته ويخصص للمعنيين بالأمر مقالات وحوارات طويلة، ويشاهدها ويتابعها يوميا الكبار قبل الصغار أحيانا.
أختم بالقول أن هذا لا يعني أن الفن تفاهة، فلا يختلف اثنان في أنه كما يحتاج المجتمع للطبيب والمحامي والمهندس والخضار والجزار… فإنه في حاجة لمن يُروح عنه من خلال برامج مفيدة، وأغاني ذات ألحان جميلة أو وصلات وأناشيد راقية، وأعمال فنية جيدة يسهر عليها مخرجون وممثلون لهم من الوعي ما يكفي ليقيهم من السقوط هم أيضا في التفاهة، فقط حتى لا ينساهم الجمهور؛ لأن مثل هذه السخافات تساهم في تدني الوعي والمستوى الثقافي للمجتمع، وفي انتشار عاهات وأمراض اجتماعية ستقضي على كل قيمه. المهمة الصعبة الآن تكمن في التسلح بكل الإمكانات من أجل إبعاد الجيل الصاعد عن بعض حمقى مواقع التواصل الذين اشتهروا بفضل تفاهاتهم، لدرجة أنهم أصبحوا قدوته في الحياة.
رجاؤنا الوحيد، هو ألا تكون المجتمعات حاليا ضحايا لحروب غير معلنة من أجل القضاء على كل ما هو هادف.