مراد بورجى يكتب لكم
السياسي سانشيز والملياردير أخنوش.. بين نفع الوطن والانتفاع من الوطن….
لم أفهم كيف “تبنّد” عزيز أخنوش، عقب الاجتماع رفيع المستوى، الذي جمعه، يومي الأربعاء والخميس في الرباط، مع بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، وصار يفرك يديه مع بعض، ويطلق ابتسامة بلا معنى، وأحيانا تتجهم ملامحه في محاولة لإظهار قدر من الجدية و”المعقول”، قبل أن يتوجه إلى الميكروفونات، ليتلو على الناس ما تيسّر من نجاح ومن مكاسب هو أول من يعرف أنهما ثمرة للديبلوماسية المغربية، التي تحرّكت بكثير من الفعالية، بقيادة مباشرة وشخصية من الملك محمد السادس، بعد أن استطاع المغرب “لي ذراع” الحكومة الإسبانية، إثر الكشف عن سماحها، في أبريل 2021، بدخول إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، لأراضيها لتلقي العلاج إثر إصابته بكوفيد-19، بجواز سفر جزائري مُزور، حتى يتسني له تجنب الاستماع إليه من طرف القضاء الإسباني، الذي يتهمه بارتكاب جرائم التعذيب والاحتجاز والاغتصاب، إلى أن مَثُل عبر “سكايب” أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الوطنية بمدريد، ثم بعدها اضطر ابراهيم غالي لمغادرة إسبانيا مُكرها، في 2 يونيو 2021، في اتجاه حاضنته الجزائر.
وهنا يجب الاعتراف بأن عدة دول، وعلى رأسها فرنسا، غضّت الطرف عن “سماح” المغرب لدخول ما يفوق 10 آلاف مهاجر سري إلى مدينة سبتة المحتلة، مما خلق أزمة مُباشرة مع إسبانيا، التي حاولت الضغط على المغرب باستخدامها لورقة انتهاك حدود الاتحاد الأوروبي، وتركتها تواجه المُقاطعة و”الحظر”، الذي مارسته عليها الديبلوماسية المغربية، إلى أن تدخل ملك إسبانيا فيليبي السادس، وتحدث هاتفيًا مع الملك محمد السادس عن ترسيخ شراكة استراتيجية بينهما خدمة لمصالح الشعبين الجارين، بدل خلق التباعد بينهما، مما جعل رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، يذهب بعيدا ويُغيّر من موقف مدريد، ويُعلن الاعتراف، ولأول مرة، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المغربية.
هذا العمل الديبلوماسي الملكي الكبير لم يكن لعزيز أخنوش وحكومته أي دور فيه حتى نقبل أن “يتبجح” بارون المحروقات اليوم أمام عدسات الكاميرات، ونحن نعلم أن الرجل ليس إلاّ “كومبارس”.
بعد انتهاء الاجتماع رفيع المستوى، غادر رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، والوفد المرافق له، المغرب، وعلامات الرضى بادية على محيّاه، وهذا يحقّ له ويستحقّه بجدارة بعد أن تُوّجت زيارته بالتوقيع على 20 اتفاقية،. لكن ما أثار انتباهي هو رئيس الحكومة المغربية، الملياردير عزيز أخنوش، الذي بدا متكلّفا إظهار الرضى والبهجة، دون أن يعلم أحد علّةً لهذا الفرح، الذي ليس هو من نجح في خلقه بين المغرب وإسبانيا، حيث كان الأجدر أن يتألم ويتحسّر على ما راكمه هو من فشل في تدبير شؤون المغاربة، الذين أذاقهم المرارات والويلات حتى سوّد معيشتهم…
رئيس الحكومة الاسبانية قبل بِليِّ المغرب لذراعه، لأنه سياسي كبير ولأن هدفه هو خلق الرخاء لشعبه، عبر الاتفاقيات، التي وقعها مع المغرب، في المقابل نجد السي أخنوش، الذي “استحوذ” على كرسي رئاسة الحكومة المغربية، عبر استغلال “الحاجة والهشاشة” باستعمال قفف “جود”، وفق الاتهام، الذي وجّهه إليه بلاغ أميني الحزبين المشاركين معه اليوم في الحكومة، (نجد السي أخنوش) ينثر التصريحات على الميكروفونات، دون أن “يستحيي” وهو يقف أمام نظيره سانشيز في اجتماع الرباط، في حين هو أول من يعلم أن المغاربة اكتشفوا أن الرجل اغتنى وأفقر الشعب، وأن برنامجه الحكومي، الذي روّج له خلال حملته الانتخابية، كان مُجرد كذب، في كذب، ولم تكن وعوده الكاذبة سوى محاولة سطوٍ على البرنامج الملكي، إلاّ أن البلاغات والخطابات الملكية كشفت، بدورها، كل هذا للمغاربة، ولعل آخرها ما جاء في بلاغ الديوان الملكي، الذي أعلن عن مبادرة الملك محمد السادس لـ”تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، لخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026″، لتبرهن على أن وعود عزيز أخنوش الانتخابية بتوفير مليون منصب شغل، هي مجرد أوهام وكذب مفضوح.
ولتسليط ضوء كاشف على هذا الوضع، لنتأمل هذا المشهد: من جهة، بيدرو سانشيز، رئيس حكومة ناجح، ومتحمّس، ومرتبط بقضايا شعبه وبلده، يبحث عن مصلحة كافة الإسبانيين، ومن جهة ثانية، عزيز أخنوش، الذي يبدو أنه تقمّص جيدا دور رئيس الحكومة، حتى نسي ما فعله هو وحكومته وما سبّباه من محن ومآسٍ ومعاناة وآلام للسواد الأعظم من المغاربة، الذين خرجوا وما زالوا يخرجون للاحتجاج على السياسات المنتهجة من حكومة كبير تجار المحروقات، معتبرين أن إجراءاتها وتدابيرها تكشف الوجه “الطبقي” لحكومة تفاقمت في عهدها الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، بفعل الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، التي مازال ملف 17 مليار درهم، التي وصلت اليوم إلى مبلغ 43 مليار درهم، يراوح مكانه بمكتب رئيس مجلس المنافسة لم يُبت فيه حتى اليوم، ناهيك عن استمرار الزيادات في المواد الأساسية، مما أدى إلى تضعضع القدرة الشرائية لأغلبية المغاربة، الذين أشهروا في وجه أخنوش، الذي نهب جيوبهم، البطاقة الحمراء، وطالبوه بالرحيل، باعتباره الحل الوحيد والأوحد، في الظرفية الراهنة، لوقف تسمين الأغنياء والمغتنين، وهو أولهم، ووقف تفقير الشعب، الذي أضحى يرى في رئيس الأحرار، عزيز أخنوش، تاجرا يبيع ويشتري فيهم، بدعم من مرؤوسه متزعّم البام، عبد اللطيف وهبي، الذي انتهك “عذرية” الحزب، الذي أسسه صديق الملك، بهدف ممارسة السياسة بشكل مغاير، مع الشعب ومن أجل الشعب، فإذا بالمتزعّم، الذي وجد نفسه أمينا عاما، يضع البام تحت أقدام أخنوش، لخدمته في تحقيق أهدافه، وتحويله إلى “بارشوك” لتلقي الضربات نيابة عنه، وهو ذل لم يشهد حزب الأصالة والمعاصرة له مثيلا، ذلّ هز أركان مؤسسي البام، إلى الحد الذي جعل ثلاثة أمناء عامين سابقين، بعدما فاض بهم الكيل، يصدرون بيانا مشتركا يندّدون فيه بالأمين العام الحالي، ويدعون كافة مسؤولي ومناضلي البام إلى الخروج من السلبية وتحمّل مسؤولياتهم كاملة للطي النهائي لصفحة عبد اللطيف وهبي، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى مقال آخر…
يتبع.