كتاب یفضحون المستور: ” لكي تنشر كتابا في المغرب یتوجب علیك ربط علاقات مع المسؤولین ..”
أطلس توداي: كوثر بن العيفر
یعاني الكتاب من أزمة خانقة بسبب عدم تمكنھم من نشر أعمالھم، وبالنظر لطبیعة العلاقة الملتبسة التي تجمعھم بدور النشر، ففي الوقت الذي یؤكد فیھ المبدعون الشباب أن دور النشر المغربیة تعتبرھم أسماء نكرة ولا تغامر بالنشر لھم ، نجد أسماء وازنة ھي الأخرى تعاني ھذا المشكل وتنشئ دورا خاصة بھا لنشر أعمالھا أو أنھا تبحث لنفسھا عن دور نشر عربیة في لبنان و سوریة و خلیج عموما، حیث تعزي المشكل بالأساس إلى عزوف المغاربة عن القراءة بصفة عامة، مؤكدین على أن مشكل النشر بالمغرب معقد وتتحكم فیھ مجموعة من العوامل، في حین أن أصحاب دور النشر أنفسھم یرون أن بعض الكتاب یتوھمون أن لدیھم جمھورا من القراء، وعندما تنشر أعمالھم یعرضون دور النشر إلى الخسارة. في تصریح لـھ، یؤكد عبد الغني أبو العزم، كاتب وصاحب دار نشر، أن مشكلة النشر معقدة جدا، تتحكم فیھا مجموعة من العوائق، ذلك أن العلاقة بین الكاتب والناشر مازالت ملتبسة في المغرب، وھذه العلاقة مردھا إلى واقع القراءة في المغرب سیما أن الكتب المغربیة لا تصدر إلى الخارج، ویسوق فقط داخل البلاد كما أن تكالیف التوزیع جد مرتفعة. ویوضح أبو العزم أن عملیة النشر مكلفة سواء بالنسبة للكاتب الذي یطمح إلى استرداد أتعابھ ونفس الأمر بالنسبة للناشر الذي یھدف إلى تحقیق ھامش من الربح من وراء نشره للكتاب. ویفید أبو العزم أن ھناك اقتراحات عدیدة بخصوص تجاوز أزمة النشر، ومن ضمنھا اقتناء الكتب من طرف وزارة الثقافة والجماعات المحلیة، بالإضافة إلى تكوین مكتبات جھویة ومحلیة، وكذا تسویق الكتاب إعلامیا . وعن سؤال حول تجربتھ مع نشر كتبھ، أفاد أبو العزم أنھ حاول تجاوز أزمة النشر من خلال تأسیسھ لدار نشر خاصة بھ، یقتصر فیھا على نشر أعمالھ، إلا أنھ یفكر دائما في نشر أعمال الأدباء والكتاب الآخرین كمساھمة منھ في التقلیص من حدة الأزمة. ویوضح عبد الغني نسیم، المدیر التجاري لدار الأمان، أن أي دار النشر كیفما كانت تبقى مؤسسة تجاریة، ولكي تصمد في السوق علیھا أن تحقق الأرباح، ومن ھذا المنطلق یؤكد نسیم أن المعیار الأساسي في اختیار الكتب التي تنشرھا الدار ھو اسم الكاتب، لأن الدار لا یمكنھا أن تغامر بالنشر لأسماء نكرة قد تساھم في تراجع شھرة الدار في السوق، وبالتالي تؤثر سلبا علیھا. وإذا كانت أغلب الدور تغلب الھاجس التجاري، ولا تنشر إلا للأسماء المعروفة في الساحة الثقافیة فإن دورا أخرى تعتمد معاییر أخرى في اختیار الكتب التي تنشرھا. یرى أحمد المرادي، مدیر دار التوحیدي للنشر والتوزیع أن المعیار الأول الذي تعمده الدار في اختیارھا للكتب التي ستنشرھا ھو الموضوع، وإذا كان متماشیا مع توجھ الدار، التي تطمح بالأساس إلى نشر الفكر الحداثي، ھذا من جھة، ثم بعد ذلك یعرض الكتابة على لجنة من الأساتذة المتخصصین فیتم تقییم الكتاب، وبالتالي الاتفاق حول إذا ما كانت الدار ستقبل نشره أم لا. ویوضح أنھ لیس بالضرورة أن یكون الإس م معروفا حتى تنشر لھ الدار، وإلا ما فائدة لجنة القراءة أصلا، مؤكدا أن دور النشر التي تجعل الھاجس التجاري ھو الأساس ھي التي تتعامل بھذا المعیار، ویوضح المرادي أن الأسماء تخلق، ولا تأتي جاھزة دائما كما أنھا لا تأتي دائما من القمة. ویضیف المرادي أنھ مؤخرا نشر أربع دواوین لأسماء غیر معروفة، لكن الدار آمنت بإبداعھا، وكانت النتیجة أن حقق اسم واحد من بین ھؤلاء الأربعة نسبة مبیعات مھمة جدا فیما لم یفلح في ذلك الآخرون، مضیفا أنھ في میدان النشر لا یمكن التكھن بشيء أو ضمان نجاح كتاب على حساب آخر، ذلك أن المسألة مرتبطة بالأساس بالقارئ وبكیفیة تسویق الكاتب لنفسھ. فیدوی المرادي أن المشكل لا یكمن في علاقة الكتاب بدور النشر وإنما مرتبط أساسا بالوھم الذي یعیش فیھ الطرفان، فالكاتب یتوھم أن لدیھ جمھور من القراء وسوق في الوقت الذي فیھ الدارتراھن على إنجاز عملیة تجاریة وثقافیة رابحة ، لكن المشكل الحقیقي یكمن في العدد الحقیقي للقراء الذین یقتنون الكتب في المغرب سواء بشكل مستمر أو القراء الاستثنائیین، الذین لا یقرأون إلا لبعض الكتاب أو المواضیع، والحقیقة ھي أن سوق القراءة في المغرب صغیر جدا، ویتوجب على كل دور النشر العمل على تطویره واستقطاب قراء جدد. وی صرح المرادي أنھ حتى بالنسبة إلى مساھمة المعرض في التسویق للقراءة ، فإنھا في تراجع مستمر، نظرا لافتقار الدولة إلى مشروع ثقافي حقیقي. ومن جانبھا، ترى خدیجة قوسال، شاعرة، أن المشكل الرئیس یكمن في أن الإبداع لا یقرأ في المغرب، كما أنھ وخلال توقیع الكتاب لا یتجاوز في أحسن الأحوال 50 نسخة، وما یقرأ نسبیا ھو الدراسات الأكادیمیة لأن الباحث مجبر على اقتنائھا. وتؤكد قوسال على ضرورة مساھمة الدولة في تخفیض تكالیف نشر الكتب، حتى تتمكن من خلق جمھور واسع من القراء، مؤكدة أن تكالیف نشر 1000 نسخة قد تصل إلى 30000 درھم، المبلغ الذي ترى أنھ لیس في متناول المبدعین. وتضیف قوسال أن دور النشر تدخل الأسماء غیر المشھورة في خانة النكرة ولا تغامر بالنشر لھا مطلقا. وتشیر قوسال إلى أن وزارة الثقافة عندما تطرح مسابقة الكتاب الأول، فإنھ دائما یمنح لنفس الأشخاص، حیث تتساءل عن المعاییر المعتمدة في اختیاره، وھل ھي مرتبطة أساسا بالعلاقات مع اللجان المتخصصة في اختیار الأعمال، فالمفارقة واضحة إذ أنھ في الوقت الذي یتم الترویج إلى أنھ لا یتقدم لھ إلا الأسماء النكرة نجد أسماء مشھورة تترشح للكتاب الأول. ُ وتضیف قوسال أنھ مادام الكتاب في سوق فمن الضروري أن یكون لھم محتضنین مثل الریاضیین، موضحة أن عددا من الكتاب بدأوا یعزفون عن الالتجاء إلى دور النشر المغربیة، و یلتجؤون إلى دور النشر السوریة أو اللبنانیة أو الخلیجیة، وظھرت بذلك ظاھرة ھجرة الأقلام المغربیة للنشر في دول الخلیج. وتوضح قوسال أن مسألة النشر في المغرب مرتبطة أساسا بربط العلاقات مع المسؤولین، وتتحكم فیھا المحسوبیة والزبونیة لا أكثر، وما یؤكد ذلك أن نفس الأسماء تكرر نفسھا، و تعطي مثال الكاتب محمد برادة الذي تربطھ بطلبتھ علاقة الشیخ والمرید، حیث أن ھؤلاء الطلبة ولكي یصنعوا أسماءھم بدأوا یكتبون عن برادة، فحققوا بذلك انتشارا واستطاعوا إقناع دور النشر بالنشر لھم، رغم أنھم مقتنعون أن برادة استھلك نقدا، وتفید قوسال أنھا لا تنكر أن ھؤلاء بالفعل من جیل الرواد لكنھا ترفض الوقوف عند ھذا الجیل وعدم إفساح المجال للجیل الصاعد من الأدباء والمبدعین. وتشیر قوسال إلى أنھا لتجاوز ھذه الأزمة إما أنھا ستنشر على نفقتھا الخاصة أو أنھا ستلتجئ إلى إحدى دور النشر الخلیجیة. في المقابل، یرى محمد أبو النصر، قاص، أن مشكل النشر لا یعانیھ المبدعون الشباب فقط وإنما ھناك أسماء وازنة في الحقل الثقافي إلا أنھ یتم تھمیشھا لأسباب لا یعلمھا إلا أصحاب دور النشر، ویضیف أنھ لكي یتجاوز المشكل نسبیا بدأ ینشر في الملاحق الثقافیة للمجلات والجرائد لكي یصنع لاسمھ مكانا ویتعرف علیھ جمھور القراء أكثر. ویوضح أبو النصر أنھ فضل بعد التجائھ إلى مختلف دور النشر نشر أعمالھ على نفقتھ الخاصة، موضحا أن الأمر رغم أنھ مكلف إلا أنھ یصبح من الضرورات ویضطر معھ الكاتب إلى الاستغناء عن بعض الأشیاء الأخرى مقابل تحصیل تكالیف نشر أعمالھ.