آراء وأعمدة

قصبة عثمان وموسى أشهر القصبات بمدينة ميدلت الجميلة

اطلس توداي: لطيفة بجو

نسافر اليوم إلى الماضي، ونعود إلى عشرات بل مئات السنين. تحملنا آلة الزمن إلى قرون خلت، حين تم تشييد قصبة عثمان وموسى، وهي إحدى أشهر القصبات  بمدينة ميدلت الأطلسية الجميلة التي شيدت غير بعيد عن وادي اوطاط، إن لم نقل أقدمها إلى جانب قصور أخرى ك”بوزملا” و”اخرمجيون” و”تشاويت” وغيرهم.

إذا كان تأسيس مدينة ميدلت يعود إلى بداية القرن العشرين، وبالضبط إلى سنة 1917، فإن قصورها وقصباتها ضاربة في التاريخ، ومنها التي رأت النور منذ أزيد من أربعة قرون، وهو ما أسهم في غنى تاريخ المنطقة وتنوع ثقافتها العربية والأمازيغية، بالإضافة إلى البصمة التي خلفها المستعمر خلال القرن العشرين والحماية الفرنسية للمغرب. 
 
قصر عثمان وموسى من الوجهات السياحية الشهيرة التي تجذب العديد من السياح المغاربة والأجانب، يمتلك شيئا ما استعصى علي إدراك كنهه، يسحر عيون الزوار قبل أن يأسر  قلوبهم. يعد هذا القصر  من أبرز المعالم التاريخية في المنطقة، ويُعتقد أنه شيد خلال فترة حكم السلطان مولاي إسماعيل، من أجل حماية المدينة من هجومات الأعداء. تضم القصبة قلعة وحصنا وتحيط بها أسوار عريضة بنيت من الطين وبمواد تتكيف ومناخ المنطقة الحار صيفا والبارد شتاء، تعلوها أبراج، على الأرجح أنها استعملت لمراقبة العدو الذي كان أحيانا من القصور المجاورة. فعلى سبيل المثال، عرف قصر عثمان وموسى عدة خلافات ومواجهات مع قصبة اخرمجيون، أغلبها كانت بسبب الماء. 

عندما تتجول في القصبة، تلفت انتباهك دروبها الضيقة التي يفوح منها عبق التاريخ، بسقفها المدعم بأعمدة خشبية سميكة والذي يضطرك أحيانا للانحناء بسبب انخفاضه. الهواء مفعم برائحة مميزة، وتكسو الجدران طبقة من الطين خلطت بالقش. ساكنة قصر عثمان وموسى بسيطة، ومطالبها كذلك. لقد حافظ السكان على مر السنين على الطابع التقليدي للبنايات، وهم يأسفون لكون “بعض أطراف القصبة أصبحت آيلة للسقوط وغير قابلة للسكن. ويزداد الخطر خلال فصل الأمطار، خصوصا وأن مياه الصرف الصحي التي كانت توجه إلى الوادي المجاور، قد غيرت اتجاهها، وأصبحت تتسرب داخل الأرض، تحت القصر وعبر حيطانه”، كما أخبرنا أحد السكان، في عقده السادس، ممن ازدادوا هناك. قال أيضا بأن المنازل تتوارث أبا عن جد وأن الساكنة كانت تضم المسلمين واليهود، الذين كانوا -ولا يزال بعضهم- يقطنون بالملاح، على غرار ما كان عليه قصر “بوزملا”.  كانوا يعيشون معا في القصبة في سلم وتآخي، معتمدين على الفلاحة والحرف كمصدر رزق لهم. ولحد الساعة، فإن العديد من اليهود يزورون سنويا المنازل التي ترعرع فيها أجدادهم.
 
إن القصور والقصبات تضفي على ميدلت جمالا خاصا، وهي تعكس كذلك الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة. وإذا كانت قصبة عثمان وموسى قد عرفت في السنوات الأخيرة عملية ترميم على غرار باقي المآثر التاريخية والقصبات الأخرى بالمملكة، فهي لازالت تحافظ على طابعها الأصلي، وهو ما يجعلها قبلة للباحثين والسياح على حد سواء؛ فزيارتها تعد فرصة للاستمتاع بمناظر المدينة عبر الأبراج العالية، وكذا مناسبة للتعرف على تاريخ المنطقة وثقافتها الغنية ولاستكشاف جمالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى