رياضة

عندما يسجد المنتخب الوطني !

لطيفة بجو : أطلس توداي

اعتدْت وإحدى صديقاتي مساء كل جمعة تناول وجبة العشاء معا، وهي مناسبة نحكي لبعضنا البعض عن همومنا ومشاغلنا، وتفضفض كل منا للأخرى. التقينا كعادتنا إذن، ولكن جلستنا هذا الأسبوع كانت بطعم آخر ونكهة مغايرة. نعم، طعم النجاح والفخر بعد الإنجازات الرائعة التي حققها المنتخب المغربي بمونديال قطر. كنا نعلق على الحدث، ونعبر عن فرحتنا، بطريقتنا الخاصة. فلا أخفيكم أن معلوماتي جد قليلة في مجال كرة القدم، ولا أعرف أسماء اللاعبين. لكن الأمر يختلف اليوم. لقد رفع المدرب الوطني الركراكي، ومعه أسود الأطلس، علم بلادنا عاليا وأصبح اسم بلادنا خلال أسابيع قليلة جدا على كل لسان حول العالم.

غيرت صديقتي فجأة الموضوع، لتسألني إذا كنت قد انتبهت إلى الحركة التي يقوم بها الشباب المغاربة عقب تسجيل كل هدف وفوزهم في المباريات. لم أفكر طويلا، فقد خمنت أنها كانت طبعا تقصد السجدة التي يحرص شباب المنتخب على أدائها شكرا لله تعالى. وهي الحركة التي استحسنها الجميع، مغاربة وأجانب.

سيتساءل البعض ربما عن سبب إثارة موضوع كهذا وعن وجه الغرابة في ما يقوم به هؤلاء الشباب ! وسيقول الآخرون بأنه أمر عادي أن يخر المسلم شاكرا الواحد الأحد على النجاح الذي مَنّ به عليه ! نعم، أمر عادي جدا ولا يختلف فيه اثنان. وبعيدا عن الملعب، لقد انتبه الجميع إلى أن هؤلاء اللاعبين لا يبدؤون حواراتهم أمام عدسات الكاميرات إلا بالبسملة ولا يختمونها إلا بإن شاء الله أو الحمد لله. نعم، وهذه هي الأخلاق التي نرجو أن يتحلى بها أبناؤنا وشباب بلادنا.

الغريب في الأمر هو أن من نتحدث عنهم لا يتقنون الدارجة المغربية، بل ومنهم من يحفظ كلمات قليلة فقط وينطقها بطريقة غريبة تدعو للضحك. كثيرون منهم ازدادوا باوربا وينحدرون من أسر هاجرت للسعي وراء لقمة العيش. ومع ذلك، نجدهم بهاته الأخلاق، بفضل آبائهم الذين لا شك قد عانوا من العنصرية وصمدوا وتكبدوا الصعاب. فكلنا نعلم قساوة العيش في المهجر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتربية الأبناء.

والأهم من هذا وذاك، أن هؤلاء الآباء قد رسخوا في نفوس صغارهم حب وطنهم ودينهم ولغتهم، والدليل هو أنهم اختاروا الانضمام للتشكيلة المغربية بدل منتخبات الدول التي يعيشون فيها. لقد اعتدنا التماس الأعذار للشباب المهاجرين المنتمين للجيل الثالث أو الرابع، كلما “افتخر” أحدهم بجهله للغة بلده أو صدرت عنه تصرفات غير أخلاقية أو تناقضت مع ما ألفناه في مجتمعنا المغربي المسلم. وحينها، يلقي الجميع باللوم على عدم معرفته بعاداتنا المغربية ويقال بأنه متأثر بتقاليد البلد الأوروبي الذي نشأ فيه،غير أن شباب المنتخب المغربي بمونديال قطر أثبتوا لنا أن هذا العذر واهٍ جدا، وأن التحلي بمكارم الأخلاق ليس شيئا مستحيلا، حتى وإن ترعرعوا في ظل ثقافة غربية وغير مسلمة.

         تصرفات اللاعبين كانت رائعة، وهي لا تحسب لهم فقط، بل لبلدهم أيضا. لقد قدموا للجميع، من خلال تصرفاتهم وعفويتهم أيضا، دروسا في الأخلاق والاحترام وحب الوالدين والسعي للفوز برضاهم. أليس رضا الله من رضا الوالدين؟

وأنا أكتب عن شباب قطر، تذكرت فنانا مغربيا يدعى طوطو، أظنه من نفس عمر هؤلاء اللاعبين، خرج علينا مؤخرا بتصرفات يندى لها الجبين، وهو يعتقد أن ذاك قمة التقدم ومنتهى الحضارة. فشتان بين هؤلاء وذاك؟ ؟ فلا، وألف لا ! ليس شبابنا من يشرب الخمر في العلن ولا من يتبجح باستهلاكه المخدرات، ولا من يتفوه كلاما بذيئا أمام الملأ، ولا من يسب ويشتم الملة والدين والذات الإلهية، كما فعل هذا الشخص.

      لسنا هنا في موقف محاكمة أي كان، ولا تهمنا الحياة الشخصية للأفراد، بقدر ما يهمنا التنبيه إلى أن تصرفات الأشخاص تُظهِر في بعض المواقف معدنهم الحقيقي، كما يقال. وكمؤثرين اجتماعيين، فقد نجح شباب قطر في تمثيل بلادنا أحسن تمثيل وأبانوا عن نبل أخلاقهم وعن تربيتهم الحسنة، وروح الوطنية العالية لديهم ولَمس الجميع أيضا قيم التآزر والتعاون لديهم. وهي كلها خصال لم نلمسها عند الفنان الذي أسلفت – وإن كان لا يحمل منه إلا الاسم، لأن الفن أخلاق، قبل أن يكون أي شيء آخر.

لا يمكن الحديث عن الفريق الوطني دون ذكر المدرب الظاهرة، وليد الركراكي، كوتش الفريق الوطني أو بالأحرى”صديق المنتخب الوطني”، حسب تعبير اللاعبين أنفسهم. إنه “راس لافوكا”، كما يحلو له أن يسمي نفسه. إنه نِعم المدرب ونِعم المدافع عن “وليداتو” بكل شراسة، خصوصا عندما يرد بكل ذكاء على تعليقات بعض الصحفيين.

فهنيئا لنا وللمغرب بلاعبين أشاوس مثل الذين يمثلوننا في مونديال قطر؛                         

ولَيت أبناء بلادنا يأخذون شباب المنتخب قدوة لهم في حياتهم، ويحذون حذوهم؛

ولَيت المغرب ينجب الآلاف من أمثال “راس لافوكا” هذا؛  بكل حب ومودة، وكلنا أمل في أن يكون الفوز حليفنا في مباراتنا المقبلة ضد فرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى