عشق الممنوع ( 28 ) (حلقة بلسان متتبع قريب من النهيضة)
رغم كل الهزات القوية العنيفة التي تعرض لها السيد محمد الجامعي خلال السنوات الأخيرة من بلوغه ذروة المجد رفقة فريقه أجاكس القنيطري الذي مثل المنتخب المغربي لكرة الصالات في العديد من المحطات الاستثنائية والدوريات الدولية والملتقيات العالمية، سواء كفريق أو كعضو فاعل داخل الجهاز الدولي للعبة ” فيفوزا “، ورغم كيد الكائدين أعداء نجاح، والذين ساهموا في إلباسه مجموعة من التهم الخطيرة رغبة منهم في إبعاده بشكل نهائي عن التسيير الرياضي وعن رئاسة فريق أجاكس القنيطري، لم يستسلم محمد الجامعي، الرجل العصامي ذو العزيمة الفولادية التي تلين ولا تُقهر. فرغم ظروف الغربة والإبعاد القصري عن الوطن والأهل والأحباب، طوّع نفسه على التأقلم السريع مع الأجواء بالديار الأمريكية، سواء على مستوى اللغة والبحث عن عمل لكسب قوت اليومي، أو على مستوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تسري في فكره و وجدانه مجرى الدم في العروق، دون إهمال أو تفريط في واجبه العائلي كرب أسرة مُعيل لزوجة وفية مخلصة في حبها له، لم تتردد في الهجرة قيد أنملة عندما خيرها بين البقاء والرحيل، وكأب لطفلين اختار لهما من الأسماء ما يجعلهما مرتبطان بالوطن حتى الموت: دينا هاجر الجامعي وريان مهاجر الجامعي، ليعرفا بعد كبرهما أنهما مغربيان مهاجران، أو بلغة الكرة مغربيان بأمريكا على سبيل الإعارة فقط.
وظهر حرصه الشديد على وطنيته ومغربية أسرته الصغيرة عندما سبق وصرح يوما لإحدى المنابر الإعلامية وهو بأرض المهجر، أنه لن يعود إلى المغرب إلا بطلا أو صانع بطل يعيد أمجاد والده، وكان يقصد بعبارته الأخيرة نجله ريان مهاجر. ونظرا لكون الرجل لم يكن يطلق الكلام عن عَواهِنه، فقد انخرط في سلسلة تكوينات بيداغوجية رياضية تؤهله لدخول عالم تدريب الفئات العمرية من أوسع أبوابها، إذ حصل على مجموعة من الدبلومات المعترف بها دوليا، والتي خولته الإشراف على هذه الفئات بإحدى المدارس الرياضية المتواجدة بمدينة أورلاندو حيث يسكن رفقة أسرته الصغيرة. وكان من بين متعلميه وتلامذته ابنه ريان الذي أبان منذ نعومة أظافره عن مستوى جيد في مداعبته للكرة مقارنة مع أترابه بالمدرسة، الشيء الذي أثلج صدر الجامعي الأب وجعله يراهن على تكوينه التكوين الأمثل لإعادة الاعتبار لاسم الجامعي الذي حاول البعض الإساءة إليه ومسحه من الذاكرة التاريخية للرياضة الوطنية والدولية.
وحتى لا يبقى الصغير ريان رهين العاطفة الأبوية وحبيس مدرسة أورلاندو، فعندما بلغ الفتى سن التاسعة من عمره، أرسله محمد الجامعي إلى أكاديمية ريال مدريد بإسبانيا ليدخل معسكرا تكوينيا مغلقا دام خمسة عشر يوما. وعند بلوغه سن العاشرة، أرسله مرة أخرى إلى أكاديمية برشلونة التي قضى فيها مدة شهر كامل من التدريب والتكوين. وفي السنة الموالية دخل أكاديمية نيويورك، وبعدها البرتغال مع فريق بورتو الشهير، ثم روما بإيطاليا وباري سان جيرمان ومون بوليي الفرنسيين، لتتعدد تجاربه مع مدارس مختلفة قصد كسب المزيد من التجربة والاحتكاك الاحترافي المتطور الراقي وهو في هذه السن التي تخوله سرعة الاستيعاب والتأقلم مع مختلف المناهج والخطط.
وقد ساهمت كل هذه التكوينات وما للفتى اليافع من مؤهلات بدنية وتقنية، من المناداة عليه لحمل قميص المنتخب الأمريكي وهو في سن السادسة عشرة من عمره. وقد شارك في مجموعة من المباريات بالأرجنتين وكوستاريكا والميكسيك.
وفي صيف عام 2017 سافر ريان مهاجر الجامعي رفقة عائلته إلى المغرب لزيارة الأهل والأقارب، ومن غريب الصدف أن المرحوم مصطفى مديح كان وقتها في معسكر تدريبي مع منتخب أقل من 18 سنة بالمعمورة، فطلب منه الجامعي الأب قبول ريان ضمن فريقه ليوم واحد فقط على سبيل التجربة واختبار مؤهلاته، فقبل المرحوم. وفي المساء عندما جاء الأب لأخذ ابنه، أثنى المرحوم عن مؤهلات ريان متنبئاً له بمستقبل زاهر، بل أبى إلا أن يذهب إلى غرفته وإحضار قميص للمنتخب الوطني، وألبسه إياه وهو يردد على مسامع الفتى : عليك أن تواصل اجتهادك في التداريب، فأنت أهل لحمل هذا القميص الوطني في القادم من الأيام، وعليك أن تمثل المغرب وطنك الأصلي أحسن تمثيل.. وقد كان لكلمات الراحل مصطفى مديح وقع كبير على نفسية ريان وعلى والده، غير أن أُطُرَ أخرى كان لها رأي آخر، بل وأصرّت على أن تُشرب الابن من نفس الكأس الذي شرب منه الاب، لا لشيء إلا لكونه نجل محمد الجامعي المتيم في حبه لبلده وأبناء وطنه الأفذاذ الأحرار.
قد يتساءل البعض ويعتبر كلامي حكما مسبقا أو تحاملا على أشخاص معينين، لكن الوقائع والأحداث التي سأسردها تؤكد كلامي:
ــ في سنة 2016 استغل السيد محمد الجامعي وجود الإطار الوطني الأسبق لاركيط بمدينة مبدلين الكولمبية رفقة المنتخب الوطني المغربي لكرة الصالات خلال مشاركته في كأس العالم، ففتح معه موضوع ريان وما يمتلكه من مهارات ومؤهلات بدنية وتقنية كجناح سريع أو قلب هجوم صريح، وإمكانية المناداة عليه لإخضاعه لامتحان تجريبي كغيره من أبناء الجالية المغاربية بالمهجر، فطلب منه لاركيط موافاته أولا بنهج سيرته وأشرطة توثق لبعض مبارياته الرسمية، وإرسالها إليه عبر بريده الإلكتروني الخاص. وهو ما قام به الجامعي فور عودته إلى أمريكا، لكن دون جدوى.
ومن غريب الصدف، عندما شارك محمد الجامعي بالفريق الذي يشرف على تدريبه بمدينة أورلاندو الأمريكية في دوري دولي حبي نظمته عصبة الغرب لفائدة اللاعبين الأقل من 18 سنة، كان لاركيط نفسه هو المشرف على منتخب هذه الفئة. ولم يتردد الجامعي في تقديم ابنه شخصيا للاركيط قبل انطلاق المباراة حتى يتسنى له متابعته بشكل مباشر ومن غير أي روتوشات على الأشرطة المسجلة إن كان له شك في مؤهلات الفتى. وانتهت المقابلة بفوز المنتخب المغربي على فريق محمد الجامعي بحصة ثلاثة أهداف مقابل هدفين اثنين من توقيع ريان مهاجر الجامعي الذي كان رجل المباراة بامتياز، غير أن الناخب الوطني غادر الملعب غاضبا من أداء فريقه دون أن يكلم الجامعي، ودون أن يرد على مكالماته من بعد ولو لمرة واحدة.
ــ بعد وفاة مديح رحمه الله، عوضه مساعده زكرياء عبوب على رأس العارضة التقنية لمنتخب أقل من 18 سنة، وكان ريان وقتها يبلغ من العمر 17 سنة. وبحكم الصداقة التي ربطت الناخب الوطني الجديد بالنهيضة عند استضافته مرة بأورلاندو رفقة ثلة من الدوليين السابقين بمناسبة حفل المسيرة الخضراء المظفرة التي دأب الجامعي على تنظيمها منذ سنوات، طلب من زكرياء بأن يبعث بدعوة لريان كي يخضعه للتجريب كغيره من اللاعبين، فرد عليه عبوب بأنه سيفعل ذلك بتوصية من المرحوم مصطفى مديح الذي سبق وأن أوصاه بمتابعته و وضعه تحت المجهر إن كان سيقدم الإضافة المطلوبة والمرجوة. لكن عندما تم استدعاء اللاعبين لمعسكر تدريبي استعدادا لخوض غمار البطولة الإفريقية، لم يدرج اسم ريان ضمن اللائحة، وبالتالي لم يعد يرد على مكالمات الأب الجامعي. وخاض المنتخب الدوري وانهزم أمام المنتخب التونسي في غياب هداف متمم للعمليات.
ــ وعقب نهاية البطولة الإفريقية لكرة الصالات التي حضرها محمد الجامعي بالعيون، اِلتقى النهيضة على متن نفس الطائرة المتجهة إلى الدار البيضاء السيد فتحي جمال، فأثار معه موضوع ريان، فطلب منه بأن يبعث له ببعض اشرطة مبارياته على بريده الإلكتروني، فما كان على الجامعي إلا أن بعث بها إليه على الفور لكونه يحتفظ ببعضها بهاتفه المحمول، وأكد له العضو الجامعي جمال بأن توصل بها وهم على متن الطائرة في الجو. ولازال الجامعي إلى يومنا هذا ينتظر الرد..
ــ وتكرر نفس الشيء مع رئيس عصبة الغرب وابن مدينة القنيطرة السيد حكيم دومو الذي طلب بدوره نهج سيرته وفيديوهات بعض مبارياته، من غير أن يتوصل بأي ردة فعل. ولم ييأس الجامعي الأب من أن يجد من المؤطرين المنقبين والأعضاء الجامعيين من يتطوع ولو مرة واحدة من إرسال دعوة لريان كي يخضعونه للتجريب وإعطائه فرصة الدفاع عن حظوظه على أرضية الملعب في بعض معسكراتهم، إذ بعث برسالة معززة بمجموعة من الفيديوهات للسيد بادو الزاكي كإطار وطني يعمل تحت اِمرة الجامعة الملكية المغربية، فكان رده قاسيا جافا. وبالرغم من ذلك، فعندما سمع الجامعي بخبر حضور بادو الزاكي إلى مدينة نيويورك لتكريمه، سافر للقائه، فقدم له نفسه بأنه صاحب ذات الرسالة السابقة، ثم قدم له هدية خاصة بهذه المناسبة، موضحا له بأن سبب تجرّئه في بعث ذات الرسالة المعززة بالفيديوهات هو صفته داخل الإدارة التقنية الوطنية للجامعة الملكية المغربية. وقد استغرب الزاكي لردة فعل النهيضة التي تنم عن الروح الوطنية العالية، فطمأنه. وفعل نفس الشيء مع مصطفى حجي ونور الدين النيبت كأطر تابعة للجامعة الملكية المغربية عل أحدهم يأخذ البادرة لمنحه فرصة الدفاع عن حظوظه كلاعب مغربي رفض ويرفض اللعب لألوان بلد غير بلده الأصلي، بلد الآباء والأجداد..
إذا كيف لفتى مغربي لعب في سن 19 سنة للمغرب الفاسي قبل انتقاله إلى الفريق الإنجليزي كريستال بالاص، والذي أعاره بدوره لمدة موسم كامل لفريق مولانبيك البلجيكي، ليس بسبب ضعف أدائه وإنما لكسب المزيد من النقط التي تخوله اللعب للفريق الأول كما تنص على ذلك قوانين اللعبة بإنجلترا ؟
ونعود في الأخير ونقول: هل لعنة أعداء نجاح الوالد هي التي تطارد وتتحكم في مستقبل لاعب واعد، كان بالإمكان متابعته وهو ضمن المنتخب الأولمبي ؟
ملحوظة: هذه الورقة هي بلسان متتبع قريب جدا من محمد الجامعي