صدى المجتمع

عبيدا أم أسيادا للوقت!

أطلس توداي: لطيفة بجو

صرنا نتحقق من هواتفنا، حتى دون أن ترن أو نتوصل بإشعارات جديدة… لنكتشف أننا نتخيل؛

أصبح قضاء يوم دون انترنت بالنسبة للبعض يعني يوما في الجحيم، لأننا لم نعد نتقن فعل أي شيء آخر، ولم يعد أي نشاط يمتعنا؛

أين نحن من الزمن الذي كنا كلما أحسسنا بالضجر، نطالع كتابا أو نبحث عما نثَبت ونرتب كهُواة، ونفرح عند نهاية المهمة ورؤية النتيجة؟

أصبحنا نشعر بالقلق كلما اضطررنا للانتظار…لقد علمتنا التكنولوجيات الحديثة عادة سيئة، فزادت من شعورنا بأن الانتظار هو مضيعة هائلة للوقت حين أصبحت تلبي كل طلباتنا فورا. ألم تعد نقرة واحدة كافية بأن تعفينا من الوقوف نصف يوم في طوابير طويلة؟ فنسينا كليا أننا إلى عهد قريب جدا، كنا نقضي الساعات الطوال بمقرات الوكالات التجارية لتسديد فواتير الماء والكهرباء والاتصالات وغيرها.

أصبحنا نرسل رسالة قصيرة جدا، فنستلم سلعتنا في نفس اليوم… وفي أقل من يوم أحيانا، فنسينا أننا كنا ننتظر أسبوعا لتلقي رسائل بريدية مرسلها يوجد على بعد مسافة قد تقل عن 200 كلم.

إنه عصر السرعة والضجر وقلة الصبر، حتى ان من الشباب من أصبح يطمح للحصول على علاوات وترقيات بعد مدة قصيرة جدا في العمل، لدرجة أن منهم من يَعتبر تلك الوظيفة غير مجدية فيفكر في التخلي عنها وخوض مغامرة جديدة، إذا هو لم تتحقق مطالبه بسرعة ولم يحصل على النتائج المتوقعة .  

في ما مضى، كنا ننتظر وننتظر وننتظر…دون أن نكل أو نمل…بل كنا نعتبر ذلك أمرا عاديا في حياتنا.

فما الذي حدث وغيّر كل الموازين. أصبحنا نرفض الانتظار، لدرجة أننا على استعداد لإنفاق المزيد من المال للحصول بسرعة على سلعة ما مثلا، بدل انتظارها لوقت أطول وشرائها بثمن أقل. لم نعد نؤمن بالفكرة التي تقول بأن الانتظار يمنح الأشياء قيمة أكثر؛

هل أصبحنا أسيادا للوقت… أظنه العكس! بل أصبحنا عبيدا له…

إنها وضعية تستفحل يوما بعد يوم، ولعمري ليس هناك من حل غير تربية النفس مجددا على الصبر واكتشاف قيمته التي فقدها الكل للأسف، واستغلال كل لحظة تمر من حياتنا؛

فلم يعد أحد يستمتع بعذوبة جلسة مع الأصدقاء، ما دام في اتصال دائم معهم، ويعرف كل أخبارهم، الصغيرة منها والكبيرة؛

لم تعد لقاءات المحبين بنفس السحر، فقد قضى واتساب وغيره على كل إحساس بالشوق واللهفة بينهما .

لم يعد باستطاعتنا تحمل قراءة مقال طويل أو حتى الاستمتاع بأغنية تجاوزت مدتها دقيقتين.

ومع ذلك، فإن الساعة لازالت هي نفسها كما كانت قديما والوقت هو نفسه. فما الذي تغير حتى أصبحنا لا نطيق انتظار أي شيء ولم نعد نشعر بحلاوة وعذوبة ما نقوم به؟ ولِمَ العجلة في كل أمور الحياة؟

ربما علينا، كما أسلفت، أن نعيد تربية أنفسنا ونعلمها معنى الانتظار…والاطمئنان…والسكينة…صفات أصبح لا يعي معناها إلا القلة القليلة، أو من أجبرته على ذلك صروف الدهر من مرض أو غيره، وبالتالي لم يعد “المستعجل” واردا لا في حياته ولا حتى في قاموسه؛  

ربما علينا أن نُعود أنفسنا مجددا على الصبر والانتظار في هدوء واطمئنان… ولننتظر الوقت المناسب…عندها، سيكون بإمكاننا إطلاق أجنحتنا والانطلاق … نحو فضاء جديد…فضاء حيث الساعة تمضي ببطء شديد كما كانت قديما، ولا مجال فيه للتأفف أو الضجر أو الملل، فتحقيق الأماني والحصول بشكل سريع على كل ما نرغب فيه، ليس دائما بالأمر الجيد… لأن ذلك يفقد الشيء كل حلاوة… وبالتالي تغيب معه كل متعة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى