حينما يتلاشى الأنا
أطلس توداي: هند بومديان ….
حينما يرتفع الوعي لدينا سيزداد تردد حلمنا وتزداد حياديتنا اتجاه الأشياء والأشخاص ، سنكون في كل مرة بعيدين كل البعد عن المماتنة و ربما خارج نطاق الملاسنة والتبرير ، سنصبح لا مبالين بأمور كثيرة، ولن نستنزف أنفسنا، في علاقات مرهقة ونقاشات عقيمة ، سنرى الأمور تافهة، وما كان يؤثر بنا أصبح بلا تأثير ، لن يعد يهمنا ما يقال ويجري في الساحة ولن نشغل أنفسنا في قصة ليست قصتنا ، سندرك في لحظة ما أننا أهدرنا الكثير من وقتنا فيما مضى ولن نقبل بهدر المزيد مجددا.
فلابد أن يعيش الإنسان في يوم منشود يكون فيه متحررا، من جميع الأشياء التي تفرض عليه أن يكون عبداً لها.
مهما كانت صغيرة فيصبح كيانا يتوحد مع الطبيعة ويمثلها بجميع أشكالها وبحيادية مطلقة كالموت.
فكم يبدو الإنسان ساذجا حين يرهن قلبه وعقله لفكرة متجمدة تدعى ( الآخر )، و لا تحرره من عبوديته، وإنما تحوله إلى أعنف أشكال التمزق بينه وبين ما يريد أن يكون؛ (الكون).
لأننا يوما ما و في آخر محطات حياتنا. لن نجد سوى مقهى حزينا برائحة الذكريات ، وتذكرة متاحة وقطار سينقلنا من مكان لآخر ، بضجيجه المليء بالدخان ، والألفة وأنفاس السكك التي عبرناها منذ رحلتنا الأولى قبل أعوام..سنرى رفوف الكتب والأكواب الفارغة والعابرين المغتربين والمتسولين اللصوص ، ستمر على مخيلتنا جميع الأطياف التي عبرتنا ، عبرت طرقاتنا الملهمة والمظلمة منذ لحظات ولادتنا الأولى ، أزعجنا بعضها وبعضها أسعدنا ، وبعضها ملامح غير واضحة لأشخاص غير مرحب بهم ، سنستعيد ذكرياتنا الهاربة منا إلينا ، سنستعيد أولى محطات أعمارنا ، سنجلس على كرسي مهترىء مرت عليه سنوات حتى أصبح تحفة في أرض محشوة بالمطر ، يصارع وحده الهوى والهواء ورطوبة الخواطر ، وبعض الدموع ، يصارع أجسادنا التي عبرت بنا كل هذه الحدود المثقوبة بالوجع ، المرشوشة بالألم والموشومة بالرحيل ، سنحاكي أنفسنا بهدوء ونضع أيدينا على رؤوسنا مرددين:”يا له من عمر مضى
فيظل ثمة حديث بينك وبين عقلك لا ينتهي ولا ينقطع ، فعقلك يعمل بمعزل عن إرادتك ، وكأنه اختار لنفسه طريقة خاصة يكرس جل وقته ليراكم ويضيف الكثير إلى قائمة المخاطر المحتملة ويزيد من المخاوف والقلق ولا يكتفي بذلك ، يقوم بتحريض مشاعرك فتنقلب ضدك ويغوي أطرافك فترتعش ، يوسوس لقلبك فينتفِض ،فلم يكن الأمر بهذه العنوة أبداً ، معاركنا مستمرة لا تنتهي ولا يلبث العمر أن يفر هاربا مما لا يعرف ، لقد هزمتنا عقولنا مرات ومرات ، ولازلنا نقاومها و نحاول تهدئتها نحاول تهدئة جوارحنا وطمأنة أرواحنا ، نحاول البقاء ثابتين هادئين بعيدا عن الصخب الذي بداخنا ..
فنحن نؤمن بأن العمر سيمضي بنعيم تارة وعذاب تارة أخرى ، لهذا نسعى لتقبل كل ما يحدث دون رغبتنا ، لعل حبنا له يجعلنا نرحل كما رحلت كل الأشياء التي أحببناها يوما.