ثقافة النظافة في الأماكن العامة.. الحقيقة الصادمة
أطلس توداي : فاطمة أعنوز
قد يستهويك، بعد ساعات عمل مرهقة، الجلوس في مقهى أنيق لإرتشاف كوب قهوة أو فنحان شاي يخفف عنك ضغوط العمل، فتجد نفسك حول طاولة مرتبة جالسا على كرسي وثير يثير فيك الرغبة في المكوث لاطول وقت ممكن، يتقدم نحوك النادل بزيه المتناسق وبكل لباقة يدون طلبك.
وقد تأخذك رغبتك في تكسير رتابة الأيام العادية الى تناول وجبة عائلية بمطعم راق، فتسلبك جمالية المكان وأناقة الحضور ممن يرتادون المكان فتتسلل الى أنفك أزكى العطور وتأسرك حالة الهدوء والاحترام التي تسود الفضاء.
وربما ترغب في جولة داخل أحد المراكز التجارية أو المركبات الترفيهية فتبهرك نظافة الممرات وترتيب الأروقة.
… بين هذا وذاك، وأنت في حالة من الإستمتاع والإنبهار، تقودك الرغبة الملحة لقضاء حاجتك الانسانية نحو المراحيض. إذ داك تتلاشى كل الصور الجميلة وتندثر كل معاني الرقي والإحترام التي كان يوحي بها المكان و الحضور. فالذي مر قبلك من ذاك الحيز الخصوصي الضيق تناسى أو بالأحرى تجاهل أن هناك من سيأتي بعده. ولربما هو الآخرعاش بدوره نفس إحساسك بالقرف والإحباط، فمن سبقه تركه في حالته المزرية تلك والمثيرة للإشمئزاز. تتسارع حينئذ الى ذهنك قافلة من التساؤلات تليها مجموعة من الفرضيات حول المسؤول عن هذه الكارثة الأخلاقية والثقافية؟ أهو مسير الفضاء الذي يفتقد لمعايير المراقبة ومفاهيم الجودة والإتقان؟ أ هو مسؤول النظافة الذي لا يعير إهتمامه لذاك المرفق الحيوي؟ أم هو ذاك الشخص الذي استغل المكان ولم يتحمل عبء تنظيفه أو على الأقل الحرص على تركه كما كان؟ فالأكيد أنه كان نظيفا في مرحلة ما.
تغادر المكان وقد تأكد لك أن الأمر يتعلق بثقافة المجتمع وأخلاقياته في ما يخص النظافة في الأماكن العامة. فقد تجد أحدهم مهتما بنظافة بدنه وملابسه، حريصا على ترتيب منزله ومراعيا لخصوصيات ممتلكاته. لكنه متى تواجد بفضاء عام نفض عنه أعباء العناية ونزع عنه لباس الحرص فيلقي بالثقل على غيره بل وينهال بالإنتقادات اللاذعة وربما بالسب على الآخرين حين يتفاجأ بما لا يسره.
تعود الى ركنك الركين لتبدأ في مقارنة جدلية بين ثقافة النظافة في الأماكن العمومية في مجتمعنا ومجتمعات أخرى كانت الى عهد قريب لا تعرف معنى النظافة الخاصة فبالأحرى النظافة العامة. فتأسف على ما آلت اليه الحال لدينا. وتدخل في حيرة من أمرك متسائلا: كيف انقلبت الأمور رأسا على عقب؟
حتما، لن تجد جوابا شافيا لهذا السؤال الجوهري، فالأسباب متداخلة و متشعبة والمسؤولية مشتركة. إلا أن الجهل الثقافي وتدهور الأخلاق العامة يعدان من أبرز الأسباب وأكثرها تاثيرا.
ختاما، فلننسلخ من أنانيتنا ولننزع عنا ثوب الناصح المغفل الذي لا يرى الا عيوب الآخرين. ولتكن فضاءاتنا العامة بمثابة بيت العائلة الكبير حيث تلتقي الأسر الصغيرة قصد التراحم والتواصل والتعاضد لأجل مجتمع قويم. ولنغير من سلوكاتنا ونجعل شعارنا ” الفضاءات العامة ملك للجميع ونظافتها مسؤولية الكل”.
فلنُعِد أمجاد هذه الأمة التي على شأنها بأخلاقها سالفا، والتي لن تحيى إلا بعودة الأخلاق. ولله ذر الشاعر إذ قال: ” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.