تعيين فوزي لقجع.. الملك يُبعد احفيظ العلمي، ويطوّق عزيز أخنوش
مراد بورجى
عيّن الملك محمد السادس، أمس الجمعة، فوزي لقجع رئيسا للجنة المكلفة بترشيح المغرب لتنظيم مونديال 2030 لكرة القدم، في إطار الترشيح المشترك المغرب – إسبانيا – البرتغال.
وما كان لافتا في إسناد هذه اللجنة لفوزي لقجع وزير الميزانية ورئيس جامعة الكرة، هو أن هذا القرار الملكي خرج عن المألوف بإبعاده لفئة من الذين كانوا يتسللون لهذا المنصب، ويُكتشف بعد ذلك أنه لا علاقة لهم تُذكر بمجال كرة القدم، سوى هدر المال العام دون فائدة.
“انتزاع” الملك محمد السادس اليوم لرئاسة لجنة ترشيح المغرب لمونديال كرة القدم من شخص مثل احفيظ العلمي، الذي كان قد عُيّن على رأسها في يناير 2018، وإسنادها لرجل مثل فوزي لقجع، الذي يَعترف له، الخصوم قبل الأصدقاء، أنه كفاءة مغربية متميزة ساهمت في خدمة تطور وإقلاع رياضة “الجلْدة” المغربية، التي أضحى لها موقع معتبر في معادلات كرة القدم المحلية والإقليمية والجهوية والقارية والعالمية…
خارج جدارة الاختيار، يأتي التعيين الملكي الجديد كإشارة، من جهة، إلى فشل التجربة السابقة، التي كان على رأسها احفيظ العلمي، الذي تشير إليه أصابع الاتهام في قضية صفقة تفويت شركة “ساهام” للتأمين لمجموعة “سانلام” الجنوب إفريقية، التي لاحقتها شبهات احتيال مفترض على الدولة بقانون يعفي الوزير السابق من أداء 40 مليار سنتيم تقريبا لفائدة خزينة الدولة… وكإشارة قوية، من جهة ثانية، إلى التطويق الملكي لحكومة أخنوش، وفي نفس الوقت لثلّة من المسؤولين، الذين باتوا فقيدي الثقة بسبب ما ارتبطت بهم من اتهامات تمس ممارسات وخروقات، يصل بعضها إلى الذمة المالية، دون أن يرفّ لهم جفن، أو يبتعدوا عن المسرح ويختفوا وراء الستار، إلى أن تندلع غضبة ملكية ويقع الزلزال أو الانفجار…
لنأخذ معضلة الماء، كمثال، فكل السياسات السابقة، وبالخصوص منذ تولّي عزيز أخنوش وزارة الفلاحة سنة 2007، لم تَجدْ أي حلّ ناجع لها رغم عدد من الوعود والبرامج والمخططات الخضراء والزرقاء، التي أعلن عنها أخنوش، وهو وزير ثم وهو رئيس حكومة، وكل ما تحقّق للمغاربة، اليوم، بعد 16 سنة من التدبير الحكومي، هو رفع أكفّ الضراعة طلبا للمطر، الذي أصبح مرهونا بما يمكن أن تجود به السماء…
فشل التدبير الحكومي دعا الملك إلى أن يأخذ ملف الماء بيده، باعتبار طابعه الاستراتيجي، ويخصص له الاعتمادات المالية والبشرية اللازمة، وكان موضوع عدة توجيهات ملكية، منها، بالخصوص، ما ورد في خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي، وفي أربع جلسات عمل خاصة، انعقدت برئاسة الملك، آخرها كانت يوم 9 ماي الماضي…
فشل حكومة أخنوش تعدّدت مظاهره ووجوهه ومجالاته، ولعلّ أبرزها، على الإطلاق، القطاع المالي، الذي تضاعفت اختلالاته، وبات محط تقارير مؤسسات الحكامة المالية ومحاكم جرائم الأموال… وفيما تأخذ مساطر هذه القضايا مسارات متضاربة، بين البطء والتعثّر والفعالية، نجد الجالس على العرش يلاحق “الثقب”، التي يتسلّل منها ريح “المال”، بتدابير تحصينية وبتعيينات جديدة أو بديلة، تساهم في سدّ الأبواب أمام الأفواه الشرهة لكل ما يمكن نهبه من خزينة الدولة…
الملك محمد السادس، خاطب، في العديد من خُطَبه، المسؤولين بلغة المواطنين، وأعلن عن مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأكد ثقته في أن المغرب له حُماته، وأن لكل زمن جيله، بنسائه ورجاله…
ما ينتظره الشعب هو محاسبة كل الذين ظلوا، إلى اليوم، يتسيّدون على المغاربة، من فاسدين ومفسدين صغارا وكبارا، يخالفون أوامر الملك، في شتى مناحي الحياة العامة، بدءًا من التدبير الترابي، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة لوالي جهة الدارالبيضاء سطات، سعيد احميدوش، ومدير وكالته الحضرية، العامل توفيق بنعلي، الذي يحلم بمديرية للوكالات الحضرية تكون مستقلة عن وزارة التعمير، وهما الماضيان في تحطيم عشرات المستثمرين، وصولا إلى المئات من قضايا الفساد المالي والإداري، التي تلاحق برلمانيين ورؤساء جماعات ومنتخبين، الذين “يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام، في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة”، يقول الملك في أحد خطبه…
وفيما يمضي تحرك مؤسسات الحكامة المالية بوتيرتها الخاصة، نجد الجالس على العرش يمضي، مباشرة، إلى “تحصين” مختلف صناديق الأموال المغربية، من خلال تعيينات محسوبة، من قبيل تعيين محمد بنشعبون، يوم 18 أكتوبر 2022، مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار، الذي أحدثه الملك وأعلن عن رصد “550 مليار درهم من الاستثمارات، لخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026″، وهو إعلان يشكل إشارة إدانة لوعود عزيز أخنوش الانتخابية بتوفير مليون منصب شغل وهمي…
وأعتقد أن أي قراءة لقرار تعيين بنشعبون، لابدّ أن تستحضر سيرة هذا المسؤول باعتباره أحد كوادر الدولة البارزين، عُرف بشخصيته القوية وكفاءته واستقلاليته في تدبير وزارة الاقتصاد والمالية، التي حاول عزيز أخنوش، جاهدا، أن يتدخّل فيها لتكون في خدمته، مثلما كان يفعل محمد بوسعيد، الذي لم ينفعه رئيسه أخنوش في إنقاذه من عقاب الملك، الذي طرده من الحكومة ومن كل المسؤوليات العمومية…
وقبيل بنشعبون، عيّن الملك، يوم 13 يوليوز 2022، كلا من الوالي خاليد سفير مديرا عاما لصندوق الإيداع والتدبير، والوالي نور الدين بوطيب رئيسا لمجلس الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي وقتها، وعبد اللطيف زغنون، مديرا عاما للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، وعلي صديقي مديرا عاما للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.
تبدو هذه التعيينات، بقراءة سريعة، وكأنها اعتيادية، وتجري وفق مقتضيات الدستور والقوانين الجاري بها العمل، لكنها، في الجوهر، تعبّر عن بعض مظاهر فشل حكومة أخنوش، وعن توجه ملكي مصيري لـ”تطويق” صناديق أموال الدولة، حتى لا تستنزفها حكومة أخنوش، التي تطلق “مخططات دون اعتمادات”، وعن فقدان الثقة في العديد من الوجوه القديمة، التي لم تعد ملائمة للمسار، الذي يسير فيه المغرب… وهذا موضوع آخر سنخصصه لمقاربة الوضع العام ونطرح فيه سؤال الأفق المنظور: إلى أين يسير المغرب؟