آراء وأعمدة

تجارة “السوايع”، غول يرهق الأولياء

اطلس توداي: لطيفة بجو

أصبحت الاختبارات النهائية على الأبواب، ومعها كثر الحديث مجددا عن الدعم المدرسي أو ما يصطلح عليه عند العموم “بالسوايع”. يجاهد الآباء قصد توفير كل الشروط لضمان نجاح فلذات أكبادهم، معتقدين أنها تكمن في تسجيلهم في حصص الدعم، سواء كان تحصيلهم في الفصل جيدا، متوسطا أو ضعيفا.

لقد أصبح أغلب المدرسين يقدمون دروسا خصوصية، وتزايد عدد مراكز الدعم المدرسي، بل ومن المربين من غادر التدريس بالمؤسسات ليتفرغ لذلك. فتجد الواحد منهم خلال عطلة نهاية الأسبوع والعطل المدرسية وبعد ساعات الدوام اليومية، يسارع ويسابق الساعة ليلتحق ببيت التلميذ فلان أو علان لمنحه درسا. أجندته وهاتفه في يد، والحقيبة ومفاتيح السيارة في اليد الأخرى. نجد بطاقات إعلان خدماتهم فوق طاولات الحلاقين والصيدليات وغيرهم. بل إن من المراكز من تعلق يافطاتها الإشهارية في الشوارع العامة.

قريبا ستستعر سوق دروس “السوايع”، هذا الغول الذي يقض مضجع الأولياء. قريبا، سيرتفع طلب هؤلاء أكثر ومعه سيسيل أكثر لعاب مانحي الخدمة. يحسب الآباء أنهم يُسدون معروفا لأبنائهم عندما يدفعون لمقدمي الدعم المدرسي، ينشدون الحصول على ايجابيات هذه العملية، ولكنهم يجهلون أو لا يهتمون بكونها حبلى بالسلبيات أيضا.

لقد أصبحت الظاهرة موجة ينخرط فيها التلاميذ بمختلف مستوياتهم الدراسية، وعلى اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، بل إن حتى تلاميذ المستويات الصغرى أصبحوا من ضحاياها، ويُجبَرون على الاستفادة من هذه الحصص.

لن نتطرق هنا للأسباب ولا للدوافع وراء ازدهار هذه “التجارة”…لأنها أصبحت تجارة مدرة للأموال بالنسبة للبعض. لن نتحدث عما أصبحت تعانيه المدرسة من ضعف في جودة التعليم، ولا عن اكتظاظ المناهج التعليمية بمقررات ليست ذات فائدة أحيانا… كما لا يسع الوقت هنا للحديث عن الآباء الذين أصبح بعضهم يفضل راحته على تحمل عناء مساعدة الأبناء في حل الواجبات المدرسية أو شرح ما استعصى عليهم فهمه في الفصل، كما كان سابقا.

سيسأل البعض: إذن، أين يكمن الغلط إذا استفاد التلميذ من دروس الدعم ؟

بكل اختصار، سيكره التلميذ إنجاز واجباته المنزلية، لأن المدرس الخصوصي سيساعده في حلها خلال حصة الدعم؛

بكل بساطة، لن يبذل التلميذ مجهودا خلال وجوده في الفصل قصد مواكبة شرح المدرس لفهم واستيعاب الدرس، بل سيتعود عدم التركيز، وينشغل عن الدرس بهاتفه وبالعالم الافتراضي. وبالتالي، سيفقد المتعلم كل اهتمام بالمؤسسة التعليمية لأنه يتوفر على مصدر جديد للمعلومات؛

سيتعلم التلميذ الاتكالية، ولن يبذل أي مجهود خلال مسيرته الدراسية، لأنه يعلم علم اليقين أن هناك من سيتكلف بإعادة شرح الدرس، أو بالأحرى الدروس، لأن الدعم أصبح للأسف يشمل جميع المواد الدراسية؛

قد يحدث أن الأستاذ يتحيز من دون وعي منه للتلاميذ الذين يمنحهم دروسا خصوصية، على حساب الباقين؛ مما يخلق في نفس هؤلاء نوعا من الكراهية والحقد تجاه الأستاذ وزملائهم؛

بكل بساطة أيضا، إن دروس التقوية لا تساعد التلاميذ على تحسين مستواهم كما بينت بعض الدراسات مؤخرا، لأنها قد تأتي بنتيجة سلبية مع بعضهم، إذ ترهقهم وتنهكهم وتستنزف قواهم وطاقتهم؛

وأخيرا وليس آخرا، إن موارد العديد من الأسر محدودة جدا، ومع ذلك فإنها تتكبد عناء دفع أسعار باهضة لتمكين أبنائها من “السوايع”. فمدة الحصة الواحدة لا تتعدى عادة ساعتين بينما يتراوح سعرها بين 200 و700 درهما حسب المواد… مبالغ خيالية تنهك كاهل الأولياء وتعصف بميزانيتهم.

أختم بسؤال بسيط، ولكنه يفرض نفسه: كيف تمكنت الأجيال السابقة من التعلم دون الاستفادة من “السوايع”، بل إنها بلغت مستويات عالية في التحصيل، وتقلدت مناصب سامية وقيادية بالمملكة؟

أبناؤنا أولا…لمن يهمه الأمر…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى