اللقاء مع الفنانة سميرة بن سعيد أو عندما يتجدد اللقاء بعبق الوفاء
أطلس توداي: واشنطن – محمد الجامعي-
أستسمح متتبعي سلسلة حلقات ” العشق الممنوع ” إن كنت سأخرج في هذه الحلقة الاستثنائية عن المألوف، ونركب بساط الذكريات من أجل العودة سويا إلى مصر الشقيقة التي احتضنت النسخة الأولى للبطولة العربية للفوت صال. ليس من أجل تقييم مستواها التقني أو مردود عناصرنا الوطنية، ولا من أجل الاحتجاج على ما عرفته المباراة النهائية التي جمعتنا بمنتخب البلد المنظم من إجحاف الحكام وخروج بعض الجماهير عن الروح الرياضية، بل من أجل أن تعيشوا معي بعض اللحظات الجميلة التي رافقت تواجدنا بمصر خلال زمن البطولة، والتي أعادتني إلى بداية سبعينات القرن الماضي.
هي فعلا قصة عجيبة وغريبة مستوحاة من مذكرات عشقي للكرة المصغرة و ولهي الشديد بفن الطرب والغناء وحبي للأصوات الجميلة الراقية. وكانت بداية القصة سنة 1972 عندما سمعت صوتا مغربيا سجيا لمطربة صغيرة مبتدئة في عمر الأقحوان وهي تُحاكي صوت كوكب الشرق أم كلثوم، وذلك خلال برنامج تلفزيوني ناجح يحظى بمتابعة أسبوعية مكثفة، سواء من طرف المشاهدين أو ال”مواهب” التي تأتي من كل حدب وصب من ربوع المملكة باحثة لنفسها عن إعجاب أو تشجيع من مُعد ومقدم هذا البرنامج عبد النبي الجيراري..
فبمجرد ما سمعت هذا الصوت السجي، وقعت في أسْره على التو، سيما وأن الساحة الفنية إبان فترة السبعينات لم تكن تعرف أصواتا نسوية مغربية غير صوت المطربة بهيجة إدريس، عكس مصر التي كانت تزخر بالعديد من النجمات كأم كلثوم واسمهان ونجاة الصغيرة وغيرهن. وبقيت المطربة الواعدة وفية لأغاني سيدة الطرب العربي أم كلثوم، الشيء الذي دفعني إلى الاتصال بأحد أصدقائي الزجالين المرحوم محمد الكواش، طالبا منه أن ينظم قصيدة زجلية لهذه البنية الصغيرة ذات الخمسة عشر ربيعا، مساهمة منه في دعمها وتشجيعها على السير قُدما في درب الغناء والطرب باللهجة المغربية، لِمَا حباها الله به من طاقة صوتية هائلة قد تعزز الساحة الوطنية بصوت نسوي سيكون له شأن عظيم في القادم من الأيام.
وبعد مدة ليست بالطويلة، فاجأني المرحوم الكواش بخبر استجابته لطلبي في نظم قصيدة زجلية بعث بها إلى الملحن أحمد عصام، وأن الكرة باتت في ملعب هذا الأخير. وبعد عدة شهور سمعت بأن الفنانة الواعدة ” سميرة بن سعيد ” ستشارك في سهرة غنائية بسينما بالاص بالقنيطرة، فكنت ضمن الأوائل الذين بادروا إلى أخذ تذاكرهم. وبالفعل امتلأت القاعة عن آخرها نظرا لقيمة المطربين الذين أثثوا الحفل الغنائي، وفي مقدمتهم الموسيقار أحمد البيضاوي.. وبمجرد ما أن نطق الفكاهي أحمد السنوسي ( بزيز ) باسم المطربة الواعدة ” سميرة بن سعيد ” حتى تعالت تصفيقات الجماهير الحاضرة لكونها تتقن تقليد ومحاكاة سيدة الطرب العربي أم كلثوم. وبالفعل غنت لأم كلثوم وختمت السهرة بقصيدة الراحل محمد الكواش” كيفاش تلاقينا سؤال ما عرفتش جوابو “
وبعد إسدال الستار، انسللت إلى الداخل بالكواليس لأجدها رفقة والديها، أمها امرأة عادية بلباسها المغربي، وكان والدها الفاره القامة يرتدي بذلة زرقاء داكنة، ويضع طربوشا وطنيا أحمر. إذا رأيته من بعيد خِلته الملك فاروق.
وقف الوالدان يوزعان الابتسامة في وجه كل محبي وعشاق ابنتهما الذين أتوا لتهنئتها، وكنت واحدا منهم عندما بادرت سميرة بسؤالي إن كانت تعرفني؟ فأجابت بالنفي، لأخبرها بعد ذلك بأنني الشخص الذي كان وراء نظم هذه القصيدة الزجلية، وأنني جد سعيد بلقائها.
استأذنتها في أخذ صورة تذكارية معها، وتبادلنا أرقام الهواتف ثم طلبت مني والدتها زيارتهم بالرباط بالحي اليوسفي. وبعد أسابيع قليلة اتصلت بسميرة هاتفيا، وكانت هي المرة الأولى، فسمعتها تقول لوالدتها بأنني الرجل الذي التقوه بسهرة القنيطرة، فطلبا مني زيارتهم في أقرب الآجال. وبالفعل انتظرت عطلة نهاية الأسبوع لأسافر إلى الرباط. كان منزلهم عبارة عن فيلا بطابق أرضي مطل على نهر أبي رقراق الذي يفصل الرباط عن سلا. استقبلتني والدتها بكل حفاوة لدرجة أنها منعتني من خلع حذائي وأنا أدخل غرفة الضيافة حيث كانت تجلس سميرة برفقة أختها مريم التي تكبرها ببضع سنوات. جلسنا لوقت طويل حول مائدة مملوءة عن آخرها بالمشروبات والحلويات المتنوعة نتجاذب أطراف الحديث عن الفن والرياضة والعمل. ومما اثار انتباهي داخل البيت، هو ذاك الكم من الصور التي زينت بها حيطان غرفة سميرة، صور انتقتهم بعناية كبيرة من مجلة ” الموعد ” لفنانات وفنانين مصريين كأم كلثوم، عبد الحليم حافظ، نجاة الصغيرة وغيرهم. وتكررت زياراتي الأخوية إلى أن رحلت إلى مصر، فانقطع التواصل بيننا لمدة ربع قرن تقريبا.
ولكي نربط بداية القصة بمشاركة فريق أجاكس القنيطري في البطولة العربية بمصر الشقيقة، خرجت ذات يوم بمعية زوجتي التي كانت ترافقني في كل سفرياتي كي نتفسح في شوارع القاهرة ومحلاتها التجارية، فإذا بي اسمع صوت سميرة سعيد في إحدى أغانيها الجديدة، فعادت بي الذكريات لسنوات السبعينات عندما تنبأت لها بمستقبل مشرق وشأن عظيم وهي تتلمس أولى خطواتها في درب الفن عندما طلبت من صديقي الزجال الكوش بأن ينظم لها قصيدة مغربية مستقلة عن الشرق. وبدأت أبحث رفقة زوجتي عن كيفية الاهتداء لعنوانها أو رقم هاتفها داخل هذه المدينة العملاقة التي يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين نسمة. فلا مدراء الفنادق ولا سائقو سيارات الأجرة ولا حتى كناش الأرقام الهاتفية أرشدونا إليها.
وفي اليوم الثالث من إقامتنا بفندق شيراتون، صعدت كالعادة إلى الطابق العاشر للقيام بحصة تدريبية حيث تواجد القاعات الرياضة، فإذا بنظري يقع على امرأة رشيقة تقوم بحركات رياضية متناسقة وفي غاية الانسجام مع الموسيقى، فركت عينيّ جيدا وأنا أقترب من السيدة، فلم أصدق هذه المفاجأة الغير مرتقبة تماما. دنوت منها أكثر بخطى وئيدة وبدون مقدمات ناديتها باسمها : ” سميرة بن سعيد “. توقفت عن أداء حركاتها الرياضية ثم التفتت نحوي مبتسمة : أفندم، فيه حاجة ؟
فأجبتها على الفور: معجب من المغرب، بل ربما اول معجب بك منذ بداية مشوارك الفني. من بلد الأهازيج الأمازيغية والمواويل الشعبية. من بلد أحمد البيضاوي وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي… نزيدك ولا مازال ؟
فضحكت وهي ترد: أهلا أهلا بمحمد الجامعي، الصديق العزيز. إزايك وزاي أحوالك ؟ وزاي حبايبنا هناك بالمغرب ؟ وإيه سبب زيارتك لمصر ؟ ومين جابك عندي ؟ وأين اختفيت طول هذه المدة ؟
على مهلك على مهلك سميرة. الكل بخير والحمد لله. وأنا هنا كرئيس فريق أجاكس القنيطري للكرة الخماسية، جئنا في إطار المشاركة في البطولة العربية لكرة الصالات. دي فرصة كويسة علشان نتقابل مرة ثانية. فأنا عزماك غدا بمنزلي نتعشا سوى، وما تنساش تجيب زوجتك معاك علشان أتعرف عليها.
وفي يوم الغد، أرسلت إلينا سيارة خاصة نقلتنا إلى بيتها. فوجدناها في استقبالنا عند الباب مرحبة بي وبزوجتي التي تعرفت عليها لأول مرة، ثم جلسنا نتبادل أطراف الحديث ونقص بعض الذكريات الخوالي إلى أن رن جرس الباب، فإذا به صحفي تابع للقناة التلفزية ( آ إير تي ) جاء ليسجل معها برنامجا فنيا ستبثه القناة خلال شهر رمضان الذي كان على الأبواب. وعند نهاية الحوار المطول، سألها الصحفي عن صورة قديمة لها، فاعتذرت له بكونها لم تكن تهتم في البداية بجمع صورها، الشيء الذي جعلني أتدخل وأخبرها بأنني أحتفظ لها بصورة قديمة يرجع تاريخها إلى سنة 1972 بمدينة القنيطرة، وبالضبط من داخل كواليس سينما بالاص، فاستغربت لهوايتي في جمع الصور والحفاظ عليها، و وعدتها بأن أرسل إليها تلك الصورة التذكارية فور عودتنا إلى المغرب لإعطائها للصحفي لتعزيز حواره.
وبعد تناولنا لوجبة العشاء وتبادلنا لأرقام الهواتف، هممنا بمغادرة البيت، فوقفت سميرة بالباب لتوديعنا على أمل اللقاء بنا مرة أخرى، فباشرتها بالسؤال التالي :
_ كيفاش تلاقينا في القاهرة ؟
فردت ضاحكة :
_ سؤال ماعرفتش جوابو..
وبهذا أكون قد تقاسمت مع متتبعي ” النهيضة ” هذه القصة والرواية التي جمعتني بالفنانة سميرة بن سعيد من أولى بداياتها الفنية إلى مرحلة النضج الفني وتألقها ونجوميتها على الصعيد العربي والدولي.