الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج إسماعيل
ثقافة بوتين وفراشات الاستبداد
بسبب تأييد أمريكا والغرب الأعمى لإسرائيل، يتمنى كثيرون هزيمة أوكرانيا.
لكن الهزيمة تعني سيادة الاستبداد والحاكم بأمره والفساد والانغلاق وغياب الشفافية، على حساب الديمقراطية وحريات الإعلام والسموات المفتوحة والعمل المؤسسي.
ليس لصالح البشرية اختفاء التعددية ودحر الرأي الآخر في مواجهة الزعيم الأوحد القوي الذي يحكم البلاد بأفكاره الشخصية باعتبارها وحياً يوحى.
من حقنا كشعوب اتخاذ مواقف كارهة، لكن لا ينبغي أن تكون التضحية بالحريات والعدالة والمساواة هو الثمن الذي تدفعه البشرية.
هزيمة أوكرانيا واختفاؤها من خارطة العالم هو ثمن كارثي يعني أن الطغاة والديكتاتوريات والمفسدين في الأرض ستكون لهم الكلمة العليا.
لذلك نرى ديكتاتوريات المنطقة وحكوماتها الاستبدادية، تنجذب كالفراشات الضالة على ما يعتقدونه “مصباح موسكو”!
مصباح يحميهم من رياح الديمقراطية ومن الحريات السياسية والإعلامية، ومن الرأي الآخر.
“بوتين” هو صنمهم الجديد الذي يتعبدون عنده!
يعرفون أن غزو روسيا لأوكرانيا لم يكن هدفه احتلال أرض، وإنما غزو ينطلق من ثقافة بوتين الخائفة من الديمقراطية الغربية وتمددها إلى روسيا، خصوصا أن سنوات ما قبل الغزو شهدت هجرة الملايين من الأجيال الروسية الجديدة.
قفز بوتين من سفينة بوريس يلتسين، رئيس روسيا المؤسس لتحولها الديمقراطي، لأنه كرجل استخبارات سوفياتي سابق، تعلم أن الإمبراطوريات الاستبدادية تنهار إذا لم يحكمها زعيم أوحد قوي.
هذا هو الفارق بينها وبين الإمبراطورية الأمريكية العظمي التي لم ولن تتأثر بوجود رئيس “مجنون” مثل ترامب، ورئيس مسن ضعيف مريض مثل بايدن، لأنها تحكمها مؤسسات في مقدمتها الكونجرس، وينقب في سياستها واقتصادها إعلام حر، يفتش ليل نهار في ملفات الفاسدين ويكشفهم للرأي العام.
بوتين كان سيغزو أوكرانيا حتى لو لم يعلن زيلنسكي نيته أو رغبته في الإنضمام للناتو. غزوه أساسا يهدف إلى تقويض التوجه نحو الليبرالية الغربية، وانجذاب فراشات الديكتاتوريات حوله، أنهم وجدوا فيه المنقذ!
الحرب قدمت الوجه البائس لإمبراطورية الحاكم الأوحد الذي لا يُسأل أو يُحاسب.
آلاف القتلى الروس لا يعلم أقاربهم عن مصيرهم. مجرمون محكوم عليهم بالسجن في جرائم قتل ومخدرات، فوجئ أقاربهم بأنهم ماتوا منذ شهور في جبهات القتال بأوكرانيا بعد أن جندتهم شركة فاجنر مقابل الإفراج عنهم، وراتب يعادل ألف يورو شهريا.
لكنهم قتلوا ولم يخبروا أهلهم حتى لا يدفعوا لهم تعويضات.
التعويضات دفعت على أي حال، لكنها ذهبت إلى جيوب الفاسدين.
قس على ذلك استدعاء عسكريين متقاعدين، مثل طيار في الثالثة والستين من عمره، سقطت طائرته ولقي حتفه، وضابط فوق السبعين لقي مصرعه في الخطوط الأمامية.
روسيا تقدم هؤلاء المتقاعدين مع المجرمين غير المدربين بالإضافة إلى المدنيين الذين ساقتهم من الأسواق التجارية والشوارع، لأنها لا تريد خسارة جنودها المؤهلين للقتال.
لا تريد خسارة طيار صالح للحرب كلفها تدريبا وتعليما طويلا وعشرات الآلاف من الدولارات، وتستعيض عنه بطيار سابق، رجله والقبر!
كل هذا يضيع في ظل الرقابة وتغييب الإعلام الحر، ولم يكن ليظهر لولا تحقيق استقصائي لقناة BBC الناطقة بالروسية.
من هنا وجد وزير الدفاع الروسي الشجاعة والجرأة ليقول إن لديه 25 مليونا من الاحتياطي، أي من المدنيين غير المدربين الذين قد يدفع بهم إلى الجبهة.
إذا أمنت المحاسبة فاركب صهوة أعلى خيولك!