آراء وأعمدة

الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم دفتر فراج إسماعيل

زواجات الملوك

حضرت أسماء عديدة تحمل ألقاب ملك وسلطان وأمير، زواج ولي عهد الأردن الأمير الحسين من الفتاة السعودية رجوة بنت خالد آل سيف، التي باتت تحمل لقب “أميرة” وينتظرها لقب “الملكة” عندما يتولي زوجها مستقبلاً العرش الهاشمي.
مؤكد أن رجوة لم تفكر يوما أنها ستكون أميرة ثم ملكة على العرش الهاشمي، فهي ليست من عائلة ملكية. من مواليد الرياض، وتلقت دراستها في الهندسة المعمارية بالولايات المتحدة، وهناك كانت النظرة الأولى من ولي عهد العرش الهاشمي التي قادتها لاحقا إلى أشهر العروش الملكية العربية.
يفاجأ البعض بدول كثيرة من العالم الأول لا زالت ملكية، ومنها ما هي سلطنة، من خلال الأسماء التي حضرت الزفاف الهاشمي.
مع ما تميز به عقد القران والزفاف من تواضع شديد لا يقارن بزواجات ملكية أخرى عبر التاريخ، فإنه حافظ على كل تقاليد العرش الهاشمي، كمشاركة الشعب في موكب الاحتفال (الموكب الأحمر) إنطلاقا من قصر زهران الذي بني في الخمسينيات، ومنه زف الراحل الملك الحسين بن طلال إلى الأميرة منى، والملك عبدالله الثاني إلى الملكة رانيا، ووقوف الموكب في مواقف محددة بالعاصمة عمان، ليشارك فيه المجتمع الأردني.
زواج الأميرة قطر الندى بنت والي مصر خمارويه بن أحمد بن طولون من الخليفة العباسي المعتضد بالله في القرن الثالث الهجري، يظل الأكثر بذخا وإسرافا بين العروش العربية والشرق أوسطية.
تحدث المؤرخون عن ما حمله موكبها من ذهب وأشياء ثمينة من مصر إلى بغداد عاصمة الخلافة، وعن القصور التي شيدها والدها في كل منطقة مر بها خلال الرحلة الطويلة التي استغرقت عاما كاملا، لتستريح فيها ابنته كأنها لم تغادر قصرها في الفسطاط، وعن “الحنة” التي استمرت 40 ليلة.
العروس لم تعش طويلا بعد زفافها الأسطوري فقد ماتت معزولة مكتئبة في بغداد بعد سنوات قليلة، وتسبب البذخ والإسراف الذي أنفق على ذلك الزواج السياسي في كارثة اقتصادية ومجاعة عمت مصر نتيجة استنزاف مواردها في مصاهرة أراد بها والي مصر تقوية ولايته الطولونية، فعجز عن دفع الرواتب ومنها رواتب الجند، وتم اغتياله في النهاية نتيجة ما وصلت إليه البلاد من إفلاس.
تقاليد وأخلاق العائلة الحاكمة هي التي جعلت الأمير الحسن بن طلال ولي عهد الأردن يتقبل دون اعتراض قرار الملك حسين في النزعات الأخيرة لمرض الموت تعيين ابنه الملك الحالي ولياً للعهد.
ذكر المحللون وقتها أن الأمير الحسن الذي كان يحكم الأردن وقتها لوجود الملك في أحد مستشفيات الولايات المتحدة، كان يمكنه الاعتراض وإعلان نفسه ملكاً.
وأتذكر أن د.سعد الدين إبراهيم الباحث السياسي المعروف الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع الأمير الحسن، كتب مقالا عن ذلك لمجلة “المجلة” السعودية التي عملت مديرا لمكتبها في القاهرة، واخترناه موضوع غلاف.
في يوم الأربعاء الماضي أثناء حفل أقامه الملك عبدالله الثاني بمناسبة عقد قران ولي العهد، ركزت الكاميرات على الأمير الحسن وهو يدخل مبتسماً، ثم يعانق الملك عبدالله عمه وكبير العائلة بمنتهى الحب والإجلال.
وظهر الأمير الحسن في حفل الزفاف في الصف الأول بجانب الأميرة منى والدة الملك، وكانا يتبادلان الحديث بين وقت وآخر.
الزواج السياسي بين بغداد ومصر في زمن الخليفة العباسي المعتضد بالله، تكرر بين القاهرة وطهران عام 1939، حين تزوج شاه إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، وابنة الملك فؤاد، والتي اختارتها صحيفة إنجليزية في الثلاثينيات ضمن أجمل عشر نساء في العالم.
كان موكب زواجها شهيرا، طاف أهم مناطق القاهرة، وعقد قرانه الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر، ثم انطلق إلى طهران وطاف بها أيضا.
قيل وقتها إنه زواج سياسي أقنع به علي ماهر رئيس الحكومة، الملك فاروق، الذي لم يكن موافقاً، لأن طهران كانت أول عاصمة في العالم تعترف بمصر دولة مستقلة، ولتقوية نفوذ المملكة المصرية كدولة إقليمية صاعدة.
وذكرت الصحف أيضا أن ماهر نصح الملك بتزويج باقي شقيقاته للعرش العراقي ولأي عروش عربية، لأن ذلك سيدعم زعامته الإقليمية.
إلا أن صحف لندن وصفت زواج بهلوي من فوزية بالزواج الديني بين السنة والشيعة، وقد أبرزت صورة شيخ الأزهر وهو يكتب عقد القران ويتلو الصيغة السنية له.
لم يكن ماهر يتخيل أن ذلك الزواج سيكون سببا في تدهور العلاقات بين البلدين، بل ربما يكون ضمن عوامل الفتور الذي يتكرر في أزمان مختلفة بين العاصمتين الكبيرتين.
فارق المستوى الضخم في الأربعينيات بين القاهرة النظيفة المرفهة بروح باريس والتي تغتسل صباحاً ومساء، وبين طهران التي كانت لا تزال ناشئة، جعل الإمبراطورة فوزية تتخلى عن إمبراطوريتها بعد سنوات قليلة، لشعورها بالوحدة والعزلة والاكتئاب، وقد سئلت وقتها من صحيفة غربية، وكانت لا تزال على عرشها الإمبراطوري، عن الفرق بين العاصمتين، فقالت إن طهران “قرية” جميلة!.. كناية عن أنها لا تزال قرية ولا ترقى إلى منافسة عاصمة القصور والفخامة والمال.
من الزواجات الملكية ما كان سببا في تخلي الملك عن عرشه.
ملك ماليزيا السلطان محمد الخامس تخلى عن العرش ليتزوج من ملكة جمال روسيا أوريانا أوكسانا التي اعتنقت الإسلام عام 2018 وصار اسمها “ريحانة”، لكنه طلقها بعد أسابيع من ولادة ابنهما.
في 11 ديسمبر 1936 اعلن الملك إداورد الثامن من إذاعة BBC تنازله عن العرش بعد 11 شهرا فقط من توليه عقب وفاة والده الملك جورج الخامس.
الكنيسة رفضت زواجه من المطلقة الأمريكية واليس سمبسون، رغم اقتراحه بألا يرث العرش أولاده منها.
وقال في خطاب التنازل “وجدت من المستحيل ممارسة واجباتي كملك بدون المرأة التي أحبها”.
استمر زواجهما إلى موته في 28 مايو 1972 ولم ينجبا، وتوفيت واليس 1986.
كمال الدين حسين، ابن السلطان حسين كامل كان مفترضا أن يرث عرش سلطنة مصر عام 1917 عقب وفاة والده.
لكنه تنازل عن تعيينه وليا للعهد وهدد والده بالانتحار، وسافر بعد نهاية الحرب العالمية إلى باريس، وتولى فؤاد الأول رئيس المراسم في الديوان وشقيق السلطان حسين ووالد الملك فاروق، عرش السلطنة ثم المملكة المصرية.
بعد 15 عاما ظهر سر التنازل عن ولاية العهد، من خلال دعوى تقدم محام فرنسي باسم السيدة الفرنسية، إلى المحكمة المختلطة في الإسكندرية، تطالب بميراث ابنها الذي انجبته من كمال الدين حسين.
وقدم إلى المحكمة رسائله الرومانسية إليها عام 1915، وفيها يقول إنه تنازل عن حقه في ولاية العرش حتى لا يصبح مقيدا بمسئولياته ويحرم من السفر إليها في باريس والعيش معها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى