آراء وأعمدة

الكاتب والإعلامي العربي الكبير يكتب لكم قهوة فراج إسماعيل

عصافير الطغاة

لم تخلق السوشيال ميديا ظاهرة “عصفور الطغاة” التي تأخذ اهتمامات الناس بعيدا عن القضايا الشائكة.
نعم لقد أعطتها زخما وقوة وشهرة واسعة عبر تويتات أو بوستات قصيرة تتحول إلى تريند.. لكن الصحافة المكتوبة أيام عزها كانت أيضا قادرة على إطلاق تلك العصافير أو أن تتهم بها عندما تثير قضية ما لا يرى القوم أنها تؤثر على حياة الناس.
عندما تتعرى فنانة في مناسبة عامة أو تلبس زيا خليعا وتتناولها السوشيال ميديا ويلتقط ذلك الإعلام التقليدي الذي لا يجد ما يتغذى عليه سوى ما تنشره وسائل التواصل، ستجد طرفا ثالثا يرى ذلك عصفورا لجذب أنظار الناس بعيدا عن مشكلة كبيرة تواجهها الدولة أو أزمة تصدرها.
عندما سقط في الأربعينيات من القرن الماضي أشهر مجرمي مصر الملقب ب”خط الصعيد” وهو ابن الليل المجرم محمود محمد منصور في إحدى مناطق أسيوط بجنوب مصر، الذي دوخ الحكومة وسلطاتها الأمنية عدة سنوات وقتل العشرات ونهب الأموال، تصادف سقوطه مع إلقاء رئيس الوزراء خطابا في الأمم المتحدة حول قضية استقلال مصر والسودان عن الاحتلال البريطاني، حينها رأت بعض صحف المعارضة في إبراز خبر سقوط أو قتل الخط مجرد عصفور لإبعاد اهتمام الناس عن خطاب رئيس الوزراء والتنازلات التي قدمها.
في مونديال باريس 1938 أطلق الزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني شائعة “النصر أو الموت” التي ترددت في معظم أنحاء العالم وتزعم أنه هدد بها منتخب بلاده بالموت إذا لم يعودوا بكأس العالم.
تبين فيما بعد أنها عصفور لإبعاد الأنظار عن الوحشية الفاشية التي بلغت ذروتها قبل الحرب العالمية الثانية بقليل.
تتغذى تلك العصافير على الأجواء غير الديمقراطية حيث لا توجد محاسبة أو رقابة، وينتشر الفساد، وتكمم وسائل الإعلام.
وفي تلك الأجواء لا تفلت الأحداث الحقيقية من الإتهام بأنها “عصفور”.. ذلك بأن الناس تعودت على إبعادها عن الشأن العام وأن تكون صاحبة الحل والعقد فيه.
يعاملون على أنهم ليسوا في سن الرشد، وأنه في حوزة حكامهم وحدهم الحكمة والإلهام والنجاة.
لا توجد في الديمقراطيات عصافير أو حمائم.. فالحاكم مجرد مواطن يقوم بوظيفته بتفويض من شعبه لزمن محدد، يخضع خلاله لأدوات المحاسبة والرقابة الدقيقة.
نلاحظ ما يتعرض له الرئيس الأمريكي السابق ترمب من ملاحقة نيابية لمنعه من ترشيح نفسه مجددا للرئاسة الأمريكية، وذلك لحماية البلاد من نزقه ونزواته التي كادت تودي بالديمقراطية الأمريكية إلى نهايتها.
مجرد إثبات أنه خدع سلطات الضرائب في إقراره الضريبي أثناء توليه الرئاسة، بذريعة أن شركاته التي تقدر بمليارات الدولارات كانت تخسر أثناء جائحة كوفيد، فإنه كفيل بشهادة سوء سلوك وفساد تبعده عن تولي الوظيفة العامة..
متى يتعلم من ذلك العالم الثالث وعالمنا العربي خصوصا، وبالتالي نبعد شعوبنا عن نظريات المؤامرة والعصافير التي تتسلى بها لمواجهة فقرها وعجزها وأمراضها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى